فيما يخبرنا تاريخ البحرين الاقتصادي، أن الزراعة كانت نشاطًا اقتصاديًا رئيسيًا، في فترة ما قبل النفط، حيث اشتهرت المملكة بنخيلها، وأصناف تمورها، وينابيع المياه العذبة؛ فقد أطلق جلالة الملك جائزة التنمية الزراعية التي كان الاحتفال بنسختها الخامسة في مايو، لتحقيق أهداف طموحة، من زيادة الناتج الزراعي، ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق أمن غذائي نسبي مع مراعاة الأمان الغذائي في المنتج، وتوظيف التقنيات الزراعية الحديثة، وتشجيع الاستثمارات في قطاع الزراعة، باعتباره قطاعًا حيويًا، وتشجيع ريادة الأعمال في المشروعات الزراعية الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع البحث العلمي في المجال الزراعي، بما يسهم في تطوير القطاع واستدامته، وخلق بيئة تنافسية تستوعب العمالة البحرينية المؤهلة.
وكان إطلاق هذه الجائزة بمبادرة من سمو الأميرة «سبيكة بنت إبراهيم»، رئيس المجلس الأعلى للمرأة، رئيس «المجلس الاستشاري للمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي». وتُمنح لأفضل مشروع زراعي منتج لمحاصيل زراعية متميزة، يسهم في دعم الاقتصاد الوطني، وتحقيق الأمن الغذائي للمملكة، باستخدام تقنيات حديثة، واتباع وسائل تسويقية فعالة، ويسهم في رفع وتعزيز نسبة البحرنة، وتدريب العمالة البحرينية، ويحصل هذا المشروع على جائزة مقدارها 10 آلاف دينار.
وفي الإطار ذاته، تُمنح جائزة لأفضل مزارع بحريني نظير تميزه، وتقديرًا لجهوده وإسهاماته في تنمية القطاع الزراعي، وتستهدف زيادة عدد المزارعين البحرينيين المتميزين من مختلف الفئات العمرية، وتشجيعهم على التنافس في إنتاج الأفضل، كما تستهدف رفع المستوى المعرفي والتقني للمزارع؛ للاستفادة من مهاراته في زيادة الإنتاج، ورفع العائد الاقتصادي لهذا القطاع، وصولاً الى تحقيق الأمن الغذائي، وزيادة الوعي لدى المزارع بأهمية الحفاظ على الموروث الزراعي، وتشجيع المزارعين على الابتكار، وتبلغ قيمة هذه الجائزة 5 آلاف دينار بحريني.
علاوة على ذلك، تُمنح جائزة أيضا لأفضل الدراسات والبحوث الزراعية؛ لدعم الباحثين، وتحفيزهم لبذل مزيد من الجهد، ورفع مستوى البحوث العلمية في مجالات التنمية الزراعية، والدفع بها لتكون رائدًة للتنمية الاقتصادية، وتأمين الغذاء والاستدامة، وخلق قاعدة معلومات علمية رصينة، توثق الدراسات والأبحاث الجادة في المجال الزراعي، وما يرتبط به مثل المياه والمناخ والبيئة المحيطة، وقيمة هذه الجائزة 5 آلاف دينار بحريني.
وإن كان استنهاض القطاع الزراعي البحريني – كما تستهدف الجائزة – شأنا عاما قاده جلالة الملك؛ إلا أنه يعكس أيضًا الدور التنموي للمرأة البحرينية، من خلال «المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي»، التي كان إطلاقها بتوجيهات كريمة من سمو الأميرة «سبيكة بنت إبراهيم»، رئيس المجلس الأعلى للمرأة؛ بهدف تطوير القطاع الزراعي، ودعم وتوجيه جهود الجهات ذات الصلة الرسمية والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات العلمية، في كل ما من شأنه الارتقاء بهذا القطاع، وتمكينه من تحقيق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بأسلوب متكامل، يركز على التخطيط الدقيق والتقييم المستمر والمتابعة الفعالة، مع التركيز على استخدام التقنيات الحديثة، وتطويرها لتحسين كفاءة الإنتاج، والحفاظ على الموارد المائية، كما تولي المبادرة اهتمامها بالكوادر البشرية العاملة في المجال الزراعي، وكانت هذه المبادرة وراء إطلاق «جائزة الملك حمد للتنمية الزراعية».
وتُنظم المبادرة سنويًا «معرض البحرين الدولي للحدائق»، الذي يُذكر الأجيال الجديدة بما كانت عليه البلاد في الماضي: أراضيها الزراعية، ومياهها الدافقة، ومنتجاتها الوفيرة، وما كان فيه الإنسان من اهتمام بالزراعة. ومنذ عام 1954، دأبت «حديقة السلمانية الشرقية»، على استقبال المعارض الزراعية بصفة دورية للزراع والتجار. وفي عهد الأمير الراحل «عيسى بن سلمان»، كان تأسيس «نادي البحرين للحدائق»، وتولى الأمير الراحل رئاسته الشرفية، وكانت سينما «الجفير»، تستقطب المعرض، حتى انتقل إلى فندق الخليج في 1971، وبعد وفاة الأمير «عيسى بن سلمان»، تولى جلالة الملك، الرئاسة الشرفية للمعرض حتى الآن.
ومنذ بداياته، كان المعرض خاص بعرض الزهور والخضراوات، حتى كانت مبادرة سمو الأميرة «سبيكة»، بتحويله إلى «المعرض الدولي للحدائق»، الذي يسهم بشكل بارز في نشر الوعي المجتمعي بالشؤون البيئية، ويُعد انطلاقة قوية للدفع قدمًا في اتجاه تأسيس المزيد من الحدائق العامة بالشراكة مع القطاع الخاص ونشرها في أرجاء المملكة. وقد اتجهت سمو الأميرة «سبيكة»، إلى فتح المجال للمشاركات الدولية في المعرض للاستفادة من الخبرات الدولية. ومنذ أبريل 2003 – حين أنابها جلالة الملك في افتتاح المعرض – أخذ يستقبل أعدادًا كبيرة من العارضين والزوار، يقدم لهم المعرفة بأهمية الزراعة، كما أسهم في إنشاء شراكات تجارية بين المؤسسات المحلية.
ومنذ أكتوبر2021، أطلقت «المبادرة الوطنية للتنمية الزراعية»، الحملة الوطنية للتشجير «دمتي خضراء»، بالتعاون مع «وزارة شؤون البلديات والزراعة»، و«المجلس الأعلى للبيئة»؛ بهدف دعم الاستراتيجيات الوطنية لزيادة الرقعة الخضراء، من خلال التنسيق بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ مشاريع التشجير في الشوارع والمناطق العامة في كل المحافظات. واستهدفت الحملة تشجيع العمل التطوعي بين الشباب في حماية البيئة، وتقليل الآثار الناجمة عن التغير المناخي، ودعم عقد الأمم المتحدة لاستدامة النظام البيئي 2021 – 2030، ودعم خطط «وزارة شؤون البلديات والزراعة»، في زيادة الرقعة الخضراء، وتعزيز الشراكة المجتمعية مع مؤسسات المجتمع المدني، وتوفير آلية سهولة للقطاع الخاص لدعم المشروعات الوطنية الهادفة إلى زيادة الرقعة الخضراء.
وحتى الآن، خاضت الحملة ثلاث مراحل، في (المرحلة الأولى 2021/2022)، تم زرع 48.9 ألف شجرة وشجيرة، بكلفة إجمالية 270 ألف دينار بحريني، غطت 73 ألف م2، و23 ألف متر طولي، وفي (المرحلة الثانية 2022/2023)، تمت زراعة 50.8 ألف شجرة وشجيرة بكلفة 178 ألف دينار بحريني، غطت 13.6 ألف م2، و10.3 آلاف متر طولي، وفي (المرحلة الثالثة 2023/2024)، تمت زراعة 40 ألف شجرة وشجيرة، بكلفة إجمالية 156 ألف دينار بحريني، غطت 14.2 ألف متر مربع، و7.4 آلاف متر طولي.
وبالإضافة إلى ذلك، أطلقت «المبادرة الوطنية للتنمية الزراعية»، المنصة الزراعية لدعم التطوير التكنولوجي، ورفع كفاءة القطاع الزراعي في المملكة، من خلال توفير البيانات والمعلومات والإرشادات المتعلقة بالزراعة. وتشمل المنصة تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية، وسياسات الحكومة الزراعية، والبيانات الزراعية، والتجارة الزراعية، والموارد الزراعية.
كما تولت المبادرة نشر الوعي والثقافة الزراعية، وتطوير المواهب والمهارات في مجالات الإنتاج الزراعي؛ فحرصت على عقد العديد من الورش، والمحاضرات، والدورات الزراعية المتخصصة للجمهور، وورش تدريبية مستمرة لطلبة وطالبات المدارس الحكومية والخاصة، والمساهمة في تطوير المناهج الدراسية في مجال العلوم الزراعية. كما عملت بالتعاون مع «بوليتكنيك البحرين»، على طرح شهادة الدبلوم الزراعي؛ لضمان توافر الخريجين المؤهلين لدخول سوق العمل، والاعتماد عليهم في تطوير وتنمية القطاع الزراعي، وقامت بالتعاون مع «وزارة شؤون البلديات والزراعة»، بتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية، من خلال برامج تدريبية متخصصة.
فيما شملت مشروعات المبادرة الأخرى تشجيع استخدام التقنيات الحديثة في مجال الإنتاج الزراعي، ومشروع الكشف المبكر عن سوسة النخيل الحمراء، وتجربة الري الناقص، وإنشاء البيوت المحمية، وفتح المنافذ التسويقية، كسوق المزارعين في البديع، وسوق المزارعين في «هورة عالي»، وتشجيع الاستثمار في مجال الزراعة المتطورة، وتجربة زراعة المحاصيل ذات القيمة الغذائية العالية، كزراعة الكينواه، والتوسع في استزراع أشجار القرم، ومن دراساتها المتميزة «مساهمة الأشجار في عزل الكربون».
وكان للمرأة البحرينية من خلال هذه المشروعات التي اشتملت عليها «المبادرة الوطنية للتنمية الزراعية»، و«جائزة الملك حمد للتنمية الزراعية»؛ دور متميز في استنهاض القطاع الزراعي. ولدى افتتاحها «معرض البحرين الدولي للحدائق» في فبراير الماضي في «مركز البحرين العالمي للمعارض»، الذي أصبح منصة رئيسية لدعم التنمية المستدامة، أكدت سمو الأميرة «سبيكة» التزام المملكة بتعزيز الأمن الغذائي، والاستدامة البيئية، وحماية وتطوير القطاع الزراعي، لإيجاد التوازن المطلوب بين الأراضي الزراعية والعمرانية لأهمية ذلك لصحة السكان.
واستمرارًا لاستنهاض القطاع الزراعي، أصدر جلالة الملك، في 2021 مرسومًا ملكيًا بتأسيس «شركة البحرين للتطوير الزراعي»، «غراس»، كشركة تعمل على تطوير القدرات الزراعية، من خلال الممارسات المستدامة، مثل الزراعة المائية، لدعم إنتاج المحاصيل المحلية. وفي نفس العام بدأت «وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني»، المرحلة الأولى للتوسع في الزراعة بدون تربة، وشملت 4 هكتارات بكلفة 3.7 ملايين دينار في مناطق «هورة عالي» و«الدراز»، وتستهدف إنتاج 500 طن خضراوات سنويًا، علمًا بأن المتر المربع الواحد في الزراعة بدون تربة ينتج 60 كيلوجراما، وتوفر الزراعة بدون تربة أو الزراعة المائية 95% من استهلاك المياه.
وكانت «ممتلكات البحرين» – صندوق الثروة السيادي للمملكة – قد أطلقت «شركة غذاء البحرين القابضة»؛ بهدف توحيد أصولها في إنتاج الغذاء، وتضم «شركة البحرين لمطاحن الدقيق»، و«الشركة العامة للدواجن»، و«شركة دلمون للدواجن». وفي نوفمبر 2024، نقلت «ممتلكات»، ملكية «شركة البحرين للتطوير الزراعي»، بالكامل إلى «شركة غذاء البحرين القابضة».
وتعزز هذه المبادرات الملكية، الجهود الحكومية في الحفاظ على الرقعة الزراعية، باعتبارها أحد أهم مقومات تنمية وتطوير القطاع الزراعي، كما ورد في «استراتيجية وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني». ومع امتلاك البحرين رقعة زراعية لا تتجاوز 3700 هكتار، تسعى الحكومة إلى تحقيق أقصى إنتاجية ممكنة، من خلال دعم الأمن الغذائي، وتشجيع الاستثمار، وتبني التقنيات الحديثة، إلى جانب تقديم التسهيلات لأصحاب الأراضي والمستثمرين. ويشمل ذلك دعم مدخلات الإنتاج، مثل مواد الري الحديث، وأنظمة البيوت المحمية، والمبيدات، بالإضافة إلى توفير خدمات مجانية، كمشروع مكافحة سوسة النخيل الحمراء، وتوصيل مياه الصرف الصحي المعالج للاستخدام الزراعي، والخدمات الفنية والإدارية، وتيسير الإجراءات الحكومية لدى الجهات المعنية.
وفي هذا السياق، تعمل الحكومة على تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الزراعة، من خلال توفير أراضٍ زراعية، وإبرام عقود استثمارية مع شركات تهدف إلى زيادة الإنتاج الزراعي باستخدام الأساليب الحديثة، مثل الزراعة بدون تربة، وأنظمة الذكاء الاصطناعي. كما تولي الحكومة اهتمامًا خاصًا بدعم صغار المزارعين، عبر توفير أراضٍ زراعية، كما حدث في منطقة «هورة عالي»، حيث تم تخصيص 19 قطعة زراعية لـ 19 مزارعًا بحرينيًا بموجب عقود انتفاع لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد، وقد تم اختيارهم من بين من لا يملكون أراضٍ زراعية. وامتد الدعم ليشمل أيضًا تسويق المنتجات الزراعية، سواء بشكل موسمي أو دائم، من خلال إنشاء سوق دائم للمزارعين في مركز «هورة عالي».
على العموم، تتضافر الجهود نحو استنهاض قطاع الزراعة البحريني؛ ليقوم بدوره الحيوي في الأمن الغذائي وحماية البيئة، وتعظيم هذا الدور بتبني استخدام التقنيات الحديثة، حيث أخذ كثير من البحوث التطبيقية تأتي بثمارها في التعامل مع تحديات مماثلة للوضع البحريني، كالزراعة بدون تربة، والتعامل مع ملوحة التربة، فيما أخذت الزراعة في البيوت المحمية في البحرين تحقق معدلات مرتفعة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك