العدد : ١٧٢٤٣ - الأحد ٠٨ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٣ - الأحد ٠٨ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ما أحلى العبث مع الأطفال (1)

ظللت‭ ‬أحلم‭ ‬وأخطط‭ ‬لزمن‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬رواية‭ ‬مصورة‭ ‬أو‭ ‬قصة‭ ‬طويلة‭ ‬للأطفال،‭ ‬ولا‭ ‬يحملني‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كوني‭ ‬واثقا‭ ‬من‭ ‬قدراتي‭ ‬الفنية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تكنيك‭ ‬وفنيات‭ ‬الكتابة،‭ ‬فواقع‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬جاهل‭ ‬تماما‭ ‬بهذه‭ ‬المسائل‭ ‬عن‭ ‬عمد،‭ ‬ولا‭ ‬التفت‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬إبداعي‭ ‬أقرأه‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الميكانيكي‭ ‬فيه،‭ ‬لا‭ ‬يهمني‭ ‬كيف‭ ‬لجأ‭ ‬المؤلف‭ ‬لهذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬ليقول‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬قوله،‭ ‬بل‭ ‬يهمني‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أساسي‭ ‬مقدار‭ ‬المتعة‭ ‬التي‭ ‬أجدها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العمل،‭ ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬ضمنا‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أعبأ‭ ‬كثيرا‭ ‬بما‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬اقرأه‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالأدب‭ ‬أو‭ ‬الفن‭ ‬الهادف‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬الإبداع‭ ‬هادفا‭ ‬أو‭ ‬زاحفا،‭ ‬ولا‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬حصولي‭ ‬على‭ ‬المتعة‭ ‬منه‭ ‬‮«‬هدفا»؟

المهم‭ ‬أنني‭ ‬أحس‭ ‬بأنني‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬شيء‭ ‬يقرأه‭ ‬الأطفال‭ ‬ويستسيغون،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬أنني،‭ ‬فيما‭ ‬أحسب،‭ ‬أجيد‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬واستطيع‭ ‬مجاراتهم‭ ‬في‭ ‬طفوليتهم‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬هواياتي‭ ‬العجيبة‭ ‬قراءة‭ ‬الكلام‭ ‬المكتوب‭ ‬بخط‭ ‬رديء،‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬حافلا‭ ‬بالأخطاء‭ ‬الإملائية‭  ‬والنحوية،‭ ‬ومنها‭ ‬أيضا‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬تطويع‭ ‬الأطفال‭ ‬كثيري‭ ‬البكاء‭ ‬والطنطنة،‭ ‬واذكر‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬مسافرا‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬لندن‭ ‬إلى‭ ‬الدوحة‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬إبلاغنا‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬المغادرة‭ ‬بمطار‭ ‬هيثرو‭ ‬بأن‭ ‬الطائرة‭ ‬ستتأخر‭ ‬قليلا،‭ ‬ولأن‭ ‬الطائرة‭ ‬عربية‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬قليلا‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬تعني‭ ‬بضع‭ ‬ساعات،‭ ‬ولأن‭ ‬الطائرة‭ ‬كانت‭ ‬عربية‭ ‬لم‭ ‬يحفل‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬أمرها‭ ‬بأمر‭ ‬الركاب‭ ‬وتركونا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬مناخا‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والعكننة‭. ‬وكان‭ ‬زوجان‭ ‬بريطانيان‭ ‬يجلسان‭ ‬إلى‭ ‬جواري‭ ‬في‭ ‬الصالة،‭ ‬ومعهما‭ ‬طفلة‭ ‬تجاوزت‭ ‬عامها‭ ‬الأول‭ ‬بقليل،‭ ‬وفتحت‭ ‬الطفلة‭ ‬حلاقيمها‭ ‬وبلاعيمها‭ ‬بالبكاء‭ ‬والنشيج،‭ ‬ولم‭ ‬تؤدِ‭ ‬هدهدة‭ ‬أبويها‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬إسكاتها،‭ ‬فاقتربت‭ ‬منها‭ ‬حاملا‭ ‬سلاحا‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬الصغار‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬مقاومته‭: ‬نظارتي‭ ‬الطبية،‭ ‬مددت‭ ‬إليها‭ ‬النظارة‭ ‬وانا‭ ‬أهزها‭ ‬يمنة‭ ‬ويسرة،‭ ‬فمدت‭ ‬يدها‭ ‬إليها‭ ‬فسحبتها‭  ‬منها،‭ ‬فقدمت‭ ‬عرضي‭ ‬مجددا‭ ‬لأسحبه‭ ‬بمجرد‭ ‬مدها‭ ‬ليدها،‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بأن‭ ‬رضيت‭ ‬بأن‭ ‬احملها‭ ‬مقابل‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬النظارة،‭ ‬وتحايلت‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬استرددت‭ ‬النظارة،‭ ‬وحملتها‭ ‬على‭ ‬ظهري‭ ‬وطفت‭ ‬بها‭ ‬أركان‭ ‬الصالة‭ ‬وهي‭ ‬تقهقه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬طلبوا‭ ‬منا‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرة،‭ ‬وحاول‭ ‬والدا‭ ‬الطفلة‭ ‬استردادها‭ ‬ولكنها‭ ‬رفضت‭ ‬تركي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬مناص‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تجلس‭ ‬فوق‭ ‬ركبتي،‭ ‬وكانت‭ ‬بضعة‭ ‬مقاعد‭ ‬تفصل‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬والدي‭ ‬الطفلة‭ ‬اللذين‭ ‬أحسا‭ ‬بحرج‭ ‬بالغ‭ ‬لأن‭ ‬ابنتهما‭ ‬ارهقتني،‭ ‬ولكنهما‭ ‬لمسا‭ ‬مني‭ ‬رغبة‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬ملاعبة‭ ‬البنية‭ ‬فاستسلما‭ ‬للنوم،‭ ‬خاصة‭ ‬انهما‭ ‬كانا‭ ‬قادمين‭ ‬من‭ ‬ادنبرة،‭ ‬وما‭ ‬أدراك‭ ‬ما‭ ‬أدنبرة،‭ ‬التي‭ ‬يتحول‭ ‬أهلها‭ ‬إلى‭ ‬حمر‭ ‬مستنفرة‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬تعاطي‭ ‬بعض‭ ‬المشروبات‭ ‬ذات‭ ‬الروائح‭ ‬غير‭ ‬العطرة‭.‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬الطفلة‭ ‬ظلت‭ ‬تقهقه‭ ‬وتنطط‭ ‬فوقي‭ ‬لنحو‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬حتى‭ ‬هدت‭ ‬حيلي‭ ‬وقواي،‭ ‬فهي‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬دون‭ ‬الثانية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تزن‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬كيلوغراما‭: ‬تخيل‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬مقعد‭ ‬ضيق‭ ‬في‭ ‬طائرة‭ ‬لعدة‭ ‬ساعات،‭ ‬حاملا‭ ‬جهاز‭ ‬تكييف‭ ‬هواء‭ ‬او‭ ‬تلفزيون‭ ‬18‭ ‬بوصة‭ ‬نصفه‭ ‬الأسفل‭ ‬ملفوف‭ ‬بالبامبرز‭ ‬وانت‭ ‬تسنده‭ ‬بكلتا‭ ‬يديك‭ (‬لا‭ ‬تخافوا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬عيني‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬عين‭ ‬حسود،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أباها‭ ‬رأف‭ ‬بحالي‭ ‬ونبهني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البنت‭ ‬سترهقني‭ ‬لأنها‭ ‬‮«‬فات‮»‬‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره،‭ ‬فقلت‭ ‬في‭ ‬سري‭: ‬هذه‭ ‬فاتت‭ ‬‮«‬فات‮»‬‭ ‬بعدة‭ ‬كيلوغرامات‭).. ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬حصل‭ ‬خير‭ ‬ونامت‭ ‬البنت‭ ‬وتسلمها‭ ‬أهلها‭ ‬لنحو‭ ‬ساعتين‭ ‬مارست‭ ‬خلالهما‭ ‬الرياضة‭ ‬لتسترد‭ ‬عضلاتي‭ ‬مرونتهما‭ ‬تأهبا‭ ‬لحملها‭ ‬بعد‭ ‬استيقاظها‭. ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تبق‭ ‬معي‭ ‬طويلا‭ ‬خلال‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭: ‬فكلما‭ ‬مدت‭ ‬يدها‭ ‬إلى‭ ‬نظارتي‭ ‬صحت‭ ‬فيها‭ ‬بهدوء‭: ‬نو‭.. ‬نو‭ ‬وإذا‭ ‬حشرت‭ ‬رجلها‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬صحت‭: ‬نو‭..‬نو،‭ ‬فاضطرت‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬ذويها‭ ‬لتمارس‭ ‬معهم‭ ‬الحركات‭ ‬التي‭ ‬تعلمتها‭ ‬مني‭. ‬وللحديث‭ ‬بقية‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬بقية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا