العدد : ١٧٢٤٢ - السبت ٠٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٢ - السبت ٠٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هنا البحرين.. الإنجاز الدبلوماسي والنهج الحضاري

بقلم: نبيلة رجب

الجمعة ٠٦ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬نُحقّق‭ ‬فيها‭ ‬إنجازًا‭ ‬دوليا،‭ ‬لكنها‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬فيها‭ ‬البحريني‭ ‬أن‭ ‬اسم‭ ‬بلاده‭ ‬يتداول‭ ‬بثقة‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الرفيعة‭. ‬عضويتنا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ليست‭ ‬حدثا‭ ‬عابرا،‭ ‬بل‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬تراكم‭ ‬جهود،‭ ‬وعلى‭ ‬نهج‭ ‬سياسي‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬يضع‭ ‬خطواته‭. ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬تقدير‭ ‬لهذا‭ ‬الإنجاز،‭ ‬يبقى‭ ‬ما‭ ‬نرجوه‭ ‬أكبر‭: ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النجاحات‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬وأن‭ ‬تمضي‭ ‬البحرين‭ ‬بثبات‭ ‬نحو‭ ‬توازن‭ ‬يليق‭ ‬بتاريخها‭ ‬ومكانتها‭.‬

ما‭ ‬يميز‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حجمها،‭ ‬بل‭ ‬وعي‭ ‬أهلها‭. ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬نختلف‭ ‬بهدوء،‭ ‬ونعرف‭ ‬متى‭ ‬نضع‭ ‬اختلافاتنا‭ ‬جانبا‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬الصورة‭ ‬أكبر‭ ‬منا‭ ‬جميعا‭. ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مررنا‭ ‬بتحديات‭ ‬واضحة‭: ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬المعيشة،‭ ‬إلى‭ ‬تطلعات‭ ‬الشباب،‭ ‬إلى‭ ‬متغيرات‭ ‬الاقتصاد‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أبقانا‭ ‬متماسكين‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الحس‭ ‬المشترك‭ ‬بأن‭ ‬قوة‭ ‬البحرين‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬البيوت،‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬الأم،‭ ‬ومن‭ ‬صبر‭ ‬العامل،‭ ‬ومن‭ ‬حرص‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يظهرون‭ ‬في‭ ‬الأخبار‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ينتظره‭ ‬الناس‭ ‬بصبر،‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬القوانين‭ ‬بوتيرة‭ ‬تواكب‭ ‬إيقاع‭ ‬الحياة‭ ‬المتغير،‭ ‬وخصوصا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأسرة؛‭ ‬فالعلاقات‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا،‭ ‬والأعباء‭ ‬اليومية‭ ‬أثقل‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬تحسين‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغوط‭ ‬هدفا‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬طموحات‭ ‬الكثيرين‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمل‭ ‬عند‭ ‬صيانة‭ ‬الحقوق،‭ ‬بل‭ ‬يتجاوزها‭ ‬نحو‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬أكثر‭ ‬طمأنينة‭ ‬داخل‭ ‬البيوت؛‭ ‬فالقانون،‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬مرنا‭ ‬وعادلا،‭ ‬لا‭ ‬يحفظ‭ ‬النظام‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يصنع‭ ‬فرقا‭ ‬حقيقيا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬ويمنح‭ ‬كل‭ ‬أسرة‭ ‬بحرينية‭ ‬فرصة‭ ‬لحياة‭ ‬مستقرة‭ ‬وآمنة،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬مساحة‭ ‬للسكن‭.‬

بعض‭ ‬المواقف‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭. ‬حين‭ ‬هزت‭ ‬حادثة‭ ‬وفاة‭ ‬زوجين‭ ‬بحرينيين‭ ‬إثر‭ ‬حادث‭ ‬أليم‭ ‬مشاعر‭ ‬الناس،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الغضب‭ ‬وحده‭ ‬حاضرا،‭ ‬بل‭ ‬الحزن‭ ‬الذي‭ ‬خيم‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬بصمت‭ ‬ثقيل‭. ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬الألم‭ ‬جاء‭ ‬حضور‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬لمواساة‭ ‬الأسرة،‭ ‬ليس‭ ‬بصفته‭ ‬الرسمية،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬حمله‭ ‬من‭ ‬شعور‭ ‬إنساني‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬الجميع‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى،‭ ‬لكن‭ ‬وقعها‭ ‬كان‭ ‬مختلفا،‭ ‬لأن‭ ‬الحادثة‭ ‬مست‭ ‬وجدان‭ ‬الناس‭ ‬بعمق،‭ ‬ولأن‭ ‬البحريني‭ ‬بطبعه‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬معه‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬الكلمات‭.‬

ومثل‭ ‬هذا‭ ‬الحس‭ ‬الجماعي‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬فراغ‭. ‬البحرين،‭ ‬كما‭ ‬يعرفها‭ ‬من‭ ‬عاش‭ ‬فيها،‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬بلدا‭ ‬صغيرا‭ ‬على‭ ‬الخارطة،‭ ‬بل‭ ‬مساحة‭ ‬تعايش‭ ‬نادرة‭. ‬تنوّعها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عبئا‭ ‬يوما،‭ ‬بل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬صورتها‭ ‬اليومية‭: ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬في‭ ‬طوابير‭ ‬الانتظار،‭ ‬وفي‭ ‬المجالس‭ ‬المفتوحة‭ ‬للجميع‭. ‬هذا‭ ‬الامتزاج‭ ‬الهادئ‭ ‬بين‭ ‬المختلفين،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬صنع‭ ‬شخصيتها،‭ ‬وجعلها‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تنصت‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬القرار‭.‬

ومع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تحقق،‭ ‬تتعزز‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬المزيد‭. ‬البحرين‭ ‬تمضي‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬رسمته‭ ‬برؤية‭ ‬واضحة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬رؤية‭ ‬2030،‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬التنمية،‭ ‬وتستند‭ ‬إلى‭ ‬العدالة‭ ‬والتنافسية‭ ‬والاستدامة‭. ‬والطموح‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬واقعية،‭ ‬وخدمات‭ ‬ترتقي‭ ‬بالحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬وتفتح‭ ‬مسارات‭ ‬أوسع‭ ‬أمام‭ ‬تطلعات‭ ‬الأفراد‭ ‬والعائلات‭.‬

وكإشارة‭ ‬إلى‭ ‬نضج‭ ‬المسار‭ ‬القانوني‭ ‬أيضا،‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتطبيق‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة،‭ ‬كأحد‭ ‬أوجه‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬العدالة‭ ‬الجنائية‭. ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬القانون‭ ‬والكرامة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتدل‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬متقدمة‭ ‬للواقع،‭ ‬وبأن‭ ‬الغاية‭ ‬ليست‭ ‬العقاب‭ ‬لذاته،‭ ‬بل‭ ‬الإصلاح‭ ‬ودمج‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كسر‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬تعني‭ ‬الكثير،‭ ‬لأنها‭ ‬تعيد‭ ‬تعريف‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمواطن،‭ ‬لا‭ ‬بوصفها‭ ‬سلطة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬جهة‭ ‬تراعي‭ ‬الظروف‭ ‬وتعطي‭ ‬فرصة‭ ‬ثانية‭ ‬لمن‭ ‬يستحقها‭.‬

ونحن‭ ‬نراقب‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬نكتب‭ ‬عن‭ ‬البحرين‭ ‬لأنها‭ ‬كاملة،‭ ‬بل‭ ‬لأنها‭ ‬وطننا،‭ ‬ولأننا‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بُني‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭. ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬أن‭ ‬تُصفّق،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬أن‭ ‬يُجرّح،‭ ‬بل‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬تليق‭ ‬بوطن‭ ‬نحبه،‭ ‬ونريده‭ ‬أفضل‭.‬

هنا‭ ‬تبقى‭ ‬البحرين‭.. ‬لا‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬التي‭ ‬تخاف‭ ‬عليها‭ ‬بصمت،‭ ‬وفي‭ ‬الأيادي‭ ‬التي‭ ‬تبنيها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنتظر‭ ‬التصفيق‭. ‬وما‭ ‬دام‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬موجودًا‭ ‬فإن‭ ‬الطريق،‭ ‬مهما‭ ‬طال،‭ ‬سيبقى‭ ‬مفتوحا‭.‬

rajabnabeela@‭ ‬gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا