ليست المرة الأولى التي نُحقّق فيها إنجازًا دوليا، لكنها من اللحظات التي يشعر فيها البحريني أن اسم بلاده يتداول بثقة في المحافل الرفيعة. عضويتنا في مجلس الأمن ليست حدثا عابرا، بل علامة على تراكم جهود، وعلى نهج سياسي يعرف أين يضع خطواته. ومع كل تقدير لهذا الإنجاز، يبقى ما نرجوه أكبر: أن تنعكس مثل هذه النجاحات أكثر على تفاصيل الحياة اليومية، وأن تمضي البحرين بثبات نحو توازن يليق بتاريخها ومكانتها.
ما يميز البحرين عبر تاريخها، لم يكن حجمها، بل وعي أهلها. نعرف كيف نختلف بهدوء، ونعرف متى نضع اختلافاتنا جانبا حين تكون الصورة أكبر منا جميعا. في السنوات الأخيرة، مررنا بتحديات واضحة: من ضغوط المعيشة، إلى تطلعات الشباب، إلى متغيرات الاقتصاد. لكن ما أبقانا متماسكين هو هذا الحس المشترك بأن قوة البحرين لا تأتي فقط من مؤسساتها، بل أيضا من داخل البيوت، من صوت الأم، ومن صبر العامل، ومن حرص الناس العاديين الذين لا يظهرون في الأخبار.
من بين ما ينتظره الناس بصبر، أن تتطور القوانين بوتيرة تواكب إيقاع الحياة المتغير، وخصوصا فيما يتعلق بالأسرة؛ فالعلاقات أصبحت أكثر تعقيدا، والأعباء اليومية أثقل من ذي قبل، ما يجعل تحسين مستوى المعيشة وتخفيف الضغوط هدفا حاضرا في طموحات الكثيرين. وفي هذا السياق لا يتوقف الأمل عند صيانة الحقوق، بل يتجاوزها نحو خلق بيئة أكثر طمأنينة داخل البيوت؛ فالقانون، حين يكون مرنا وعادلا، لا يحفظ النظام فقط، بل يصنع فرقا حقيقيا في حياة الناس، ويمنح كل أسرة بحرينية فرصة لحياة مستقرة وآمنة، لا مجرد مساحة للسكن.
بعض المواقف لا تحتاج إلى تعليق. حين هزت حادثة وفاة زوجين بحرينيين إثر حادث أليم مشاعر الناس، لم يكن الغضب وحده حاضرا، بل الحزن الذي خيم على الجميع بصمت ثقيل. وفي خضم هذا الألم جاء حضور سمو ولي العهد لمواساة الأسرة، ليس بصفته الرسمية، بل بما حمله من شعور إنساني شارك فيه الجميع. لم تكن هذه هي المرة الأولى، لكن وقعها كان مختلفا، لأن الحادثة مست وجدان الناس بعمق، ولأن البحريني بطبعه لا ينسى من يقف معه حين لا تكفي الكلمات.
ومثل هذا الحس الجماعي الذي يظهر في الأزمات لا يأتي من فراغ. البحرين، كما يعرفها من عاش فيها، ليست فقط بلدا صغيرا على الخارطة، بل مساحة تعايش نادرة. تنوّعها لم يكن عبئا يوما، بل جزءًا من صورتها اليومية: في السوق، في المدرسة، في طوابير الانتظار، وفي المجالس المفتوحة للجميع. هذا الامتزاج الهادئ بين المختلفين، هو ما صنع شخصيتها، وجعلها تعرف كيف تنصت حتى وهي في موقع القرار.
ومع كل ما تحقق، تتعزز الرغبة في المزيد. البحرين تمضي على طريق رسمته برؤية واضحة منذ سنوات، رؤية 2030، التي تضع الإنسان في صميم التنمية، وتستند إلى العدالة والتنافسية والاستدامة. والطموح اليوم هو أن يستمر هذا التوجه في الترجمة إلى فرص واقعية، وخدمات ترتقي بالحياة اليومية، وتفتح مسارات أوسع أمام تطلعات الأفراد والعائلات.
وكإشارة إلى نضج المسار القانوني أيضا، ما يتعلق بتطبيق العقوبات البديلة، كأحد أوجه التطور في منظومة العدالة الجنائية. هذه السياسة، التي تقوم على التوازن بين القانون والكرامة الإنسانية، وتدل على قراءة متقدمة للواقع، وبأن الغاية ليست العقاب لذاته، بل الإصلاح ودمج الفرد في مجتمعه من دون كسر. مثل هذه الخطوات تعني الكثير، لأنها تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن، لا بوصفها سلطة فقط، بل جهة تراعي الظروف وتعطي فرصة ثانية لمن يستحقها.
ونحن نراقب كل ذلك، لا نكتب عن البحرين لأنها كاملة، بل لأنها وطننا، ولأننا نعرف أن ما بُني حتى الآن هو بداية لما يمكن أن يكون. لا نريد من المقالات أن تُصفّق، ولا من النقد أن يُجرّح، بل نبحث عن اللغة التي تليق بوطن نحبه، ونريده أفضل.
هنا تبقى البحرين.. لا في المناسبات فقط، بل في تفاصيل كل يوم، في القلوب التي تخاف عليها بصمت، وفي الأيادي التي تبنيها من دون أن تنتظر التصفيق. وما دام هذا الحب موجودًا فإن الطريق، مهما طال، سيبقى مفتوحا.
rajabnabeela@ gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك