عندما استيقظتَ هذا الصباح، لم تتناول وجبة الإفطار على طبق من البلاستيك، وهذا الصواب. من المحتمل أن يحتوي جسمك على البلاستيك على أي حال، فقد تم العثور على مواد بلاستيكية دقيقة في الشرايين والرئتين والأدمغة والمشيمة وحليب الأم لدى الناس في جميع أنحاء العالم.
مازلنا لا نعرف بالضبط ما تفعله هذه المواد البلاستيكية الدقيقة بأجسامنا، على الرغم من ظهور أبحاث جديدة في هذا الخصوص طوال الوقت. ونحن نعلم أننا لم نختَر تناولها. ونُدرك أنها لا تنتمي إلى أجسامنا. ونعي أن إنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية فقط هو الذي سيوقف تراكم هذه المواد البلاستيكية داخلنا.
تجلب المواد البلاستيكية العديد من الفوائد للبشرية – في مجالات الرعاية الصحية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة وأكثر من ذلك بكثير. ويُعدّ البلاستيك مادة مفيدة ومتينة تلعب دورًا في المجتمعات والاقتصادات، وكذلك في أطوار انتقالنا إلى عالم أكثر مراعاة للبيئة وأكثر أمانًا. والمشكلة هي أن الطريقة التي ننتهجها لإنتاج العديد من المواد البلاستيكية واستخدامها والتخلص منها – لا سيما المنتجات الأحادية الاستخدام والسريعة التلف التي تُستخدم بدافع الراحة وليس الضرورة – قد أغرقت العالم في التلوث.
يتسرب ما يُقدَّر بنحو 11 مليون طن من المواد البلاستيكية إلى النُظم البيئية المائية كل عام، بينما يتراكم حوالي 13 مليون طن منها في التربة سنويًا. وينتشر هذا التلوث في كل مكان – من خندق ماريانا وهو أعمق نقطة في المحيط، إلى جبل إيفرست الذي يمثّل أعلى قمة جبلية – ويتحلل تدريجيًا إلى جسيمات متناهية الصغر، تتسلل إلى أجسامنا من خلال الطعام والماء وحتى الهواء.
إن الأضرار الناجمة عن التلوث بالمواد البلاستيكية على الأنواع الحية والنظم البيئية والاقتصادات موثقة جيدًا. وقد ترتفع تكاليف التلوث بالمواد البلاستيكية لتبلغ 281 تريليون دولار أمريكي بشكل تراكمي خلال الفترة بين 2016 و2040. إننا نتحدث عن فقدان الدخل من قطاع السياحة، والشواطئ التي تحتاج إلى تنظيف، والأنهار الملوثة، والمجتمعات التي تتعرض للفيضانات بسبب انسداد المصارف بمخلفات البلاستيك، ومجتمعات الصيد التي أصبحت تصطاد القليل من الأسماك مقابل الكثير من الزجاجات والأكياس البلاستيكية - وغير ذلك الكثير.
من الواضح أن إنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية بات ضرورة حتمية لصحة الإنسان والكوكب والاقتصاد والأعمال. لهذا السبب، وفي اليوم العالمي للبيئة، يقوم برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والبلد المستضيف، جمهورية كوريا، بحشد المجتمعات في جميع أنحاء العالم من أجل حملة #BeatPlasticPollution (#أوقفوا-التلوث-البلاستيكي).
لا شك في ذلك: العالم يمضي قدمًا نحو إنهاء التلوث البلاستيكي. وقد تجاوز عدد الدول التي فرضت قيودًا على الأكياس البلاستيكية التي تُستخدم مرة واحدة 90 دولة حول العالم. التزمت أكثر من 500 جهة، من شركات وحكومات ومنظمات، ضمن مبادرة مشتركة بين مؤسسة إلين ماك آرثر (Ellen MacArthur Foundation) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ببناء اقتصاد دائري يَحول دون تحوّل المواد البلاستيكية إلى تلوث. وفي عام 2022، وفي اجتماع الجمعية العامة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، شرعت دول العالم في إجراء المفاوضات حول إبرام صكّ عالمي ملزم قانونًا بشأن التلوث بالمواد البلاستيكية، بما في ذلك في البيئة البحرية. ويعمل المفاوضون الآن جاهدين للتوصل إلى اتفاق في الجولة المقبلة من المفاوضات المنعقدة في جنيف، سويسرا، في شهر أغسطس المقبل.
لكن إذا أردنا تحويل هذه الحركة العالمية إلى مستقبل خالٍ من التلوث بالمواد البلاستيكية، فعلينا أن نطبّق نهجًا دائريًا يشمل دورة الحياة الكاملة للمواد البلاستيكية – لضمان بقاء البلاستيك ضمن الاقتصاد، حيث ينبغي أن يكون، وليس في محيطاتنا أو تربتنا أو أجسامنا.
إعادة التدوير وحدها لن تكون كافية. ولا يُعدّ سوى 21 في المائة فقط من المواد البلاستيكية المستخدمة اليوم قابلًا لإعادة التدوير بشكل مُجدٍ اقتصاديًا، أي عندما تكون قيمة المادة المُعاد تدويرها مرتفعة بما يكفي لتغطية تكاليف جمعها وفرزها ومعالجتها. وهذا يفسّر جزئيًا سبب إعادة تدوير 9 في المائة فقط من المواد البلاستيكية.
علينا أن نعيد التفكير بشكل كامل في كيفية تصميم المواد البلاستيكية وتصنيعها واستخدامها وإعادة استخدامها. إذ ينبغي أن تُصمَّم المنتجات بحيث تُستخدم أكثر من مرة واحدة، ويُعاد تدويرها في نهاية عمرها. وعلينا أن نفكّر في التحول إلى أنظمة إعادة التعبئة، وأكثر من ذلك. يجب أن يكون التحول عادلًا: لحماية سبل عيش جامعي النفايات والمجتمعات المتأثرة، وإيجاد بدائل ميسورة الكلفة للمجتمعات الفقيرة التي تعيش يومًا بيوم – وهُم الأشخاص الذين لا يستطيعون سوى شراء كميات صغيرة من منتج معين أو الاعتماد على مياه الشرب النظيفة المتاحة في أكياس بلاستيكية.
صحيح أن أمامنا شوطًا من العمل، لكن مكافآت إنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية ستكون وفيرة: نظافة المحيطات والأراضي، وتحسّن صحة الأشخاص والنظم البيئية، وزيادة القدرة على التكيف مع المناخ، وتوافر فرص عمل جديدة، وتعزيز قوة الاقتصادات.
تضطلع الحكومات والشركات بدور قيادي رئيسي، من خلال الاستثمار والابتكار في نُهج جديدة، لكنّ بِيَدِ كل واحد منا أن يحدث فرقًا. إذ يمكن لما نتخذه من خيارات أن يشكل الصناعات ويغير الأسواق ويعيد تعريف مستقبلنا الجماعي. وفي اليوم العالمي للبيئة، ابذل كل ما في وسعك، كلما استطعت، للحد من التلوث بالمواد البلاستيكية والمساعدة في دفع الجميع نحو عالم أنظف وأكثر أمانًا وازدهارًا.
{ المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك