العدد : ١٧٢٤٢ - السبت ٠٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٢ - السبت ٠٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا الخوف من الغزو (2)

شكوت‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬إحدى‭ ‬المجلات،‭ ‬الذي‭ ‬وصفني‭ ‬بأنني‭ ‬‮«‬مثقف‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬الغزو‭ ‬الثقافي‭ ‬الغربي‭ ‬لديارنا،‭ ‬وأود‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬مجددا‭ ‬اعتقادي‭ ‬بأن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬ثقافي‭ ‬مزعوم‭ ‬منشأه‭ ‬إحساس‭ ‬بالضآلة‭ ‬والضعف‭ ‬والعجز،‭ ‬وهو‭ ‬إحساس‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يبرره،‭ ‬لأنه‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬إحساس‭ ‬أكبر‭ ‬بالهزال‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬أخرى‭ ‬منها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعلمية،‭ ‬ومنشأه‭ ‬أيضا‭ ‬تقليد‭ ‬عربي‭ ‬عريق‭ ‬يقضي‭ ‬بإيجاد‭ ‬مشاجب‭/ ‬شماعات‭ ‬لتعليق‭ ‬عجزنا‭ ‬وقعودنا‭ ‬عليها،‭ ‬وطالما‭ ‬ان‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاستغلال‭ ‬والظلم‭ ‬والحروب‭ ‬الكونية‭ ‬فهو‭ ‬افضل‭ ‬شماعة‭ ‬للخيبات‭ ‬العربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬ان‭ ‬الشيوعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬آفة‭ ‬الآفات‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬انكمشت‭ ‬وتقوقعت‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬جديدة،‭ ‬فقد‭ ‬ولّى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬نقول‭  ‬فيه‭ ‬ان‭ ‬الشعر‭ ‬الحر‭ ‬مؤامرة‭ ‬شيوعية‭ ‬تستهدف‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬مكتسبات‭ ‬ومقدرات‭ ‬امتنا‭ ‬الناهضة‭ (‬متى‭ ‬تستكمل‭ ‬نهوضها؟‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فان‭ ‬وصفها‭ ‬بالناهضة‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬وصفها‭ ‬بالفتية‭ ‬لان‭ ‬الأخيرة‭ ‬تعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬بالمراهقة‭ ‬وعدم‭ ‬اكتمال‭ ‬النضج‭!)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬الطامة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬اننا‭ ‬صرنا‭ ‬نلطم‭ ‬الخدود‭ ‬ونشق‭ ‬الجيوب‭ ‬كلما‭ ‬اكتشف‭ ‬او‭ ‬اخترع‭ ‬الغرب‭ ‬شيئا‭ ‬جديدا،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬شغل‭ ‬او‭ ‬مشغلة‭ ‬غير‭ ‬التآمر‭ ‬علينا‭.. ‬لأننا‭ ‬‭ ‬اسم‭ ‬الله‭ ‬علينا‭ ‬‭ ‬القوة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تخيف‭ ‬الغرب‭. ‬وننسى‭ ‬أننا‭ ‬كأفراد‭ ‬ومجتمعات‭ ‬فئران‭ ‬نخاف‭ ‬من‭ ‬امثال‭ ‬القذافي‭ ‬وشين‭ ‬الهاربين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬وبقية‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬بالي‭ ‬وبالك‭.‬

واسترسل‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وأقول،‭ ‬إنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬الغزو‭ ‬الثقافي‭ ‬الغربي‮»‬‭ ‬بل‭ ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬تأثيرا‭ ‬كاسحا‭ ‬وجارفا‭ ‬للثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الثقافات‭ ‬الأخرى‭ ‬بفضل‭ ‬قوة‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية،‭ ‬ولأن‭ ‬هناك‭ ‬منتوجا‭ ‬ثقافيا‭ ‬غربيا‭ ‬ضخما‭ ‬يجد‭ ‬القبول‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬الشعوب،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬العولمة‭ ‬تجلت‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬تجلت‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الثقافة‭: ‬قمصان‭ ‬نايكي‭ ‬وقبعة‭ ‬البيسبول‭ ‬المقلوبة‭ ‬وجينفر‭ ‬لوبيز‭ ‬ومايكل‭ ‬جاكسون‭ ‬ومايكل‭ ‬جوردان‭ ‬وشارل‭ ‬جوردان‭ ‬وتايتانيك،‭ ‬وتوم‭ ‬كروز‭ ‬وروبنسون‭ ‬كروزو،‭ ‬والبيرغر‭   ‬والتبغ‭ ‬الفرجيني‭ ‬الفاجر‭.. ‬نعم‭ ‬بالجيم‭!! ‬والشباب‭ ‬ذوو‭ ‬الأقراط‭ ‬في‭ ‬الآذان،‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬موجودون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم،‭  ‬وكلها‭ ‬أشياء‭ ‬من‭ ‬انتاج‭ ‬الغرب‭ ‬ووجدت‭ ‬السوق‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬ذات‭ ‬البنية‭ ‬الثقافية‭ ‬والحضارية‭ ‬الهشة،‭ ‬وواهم‭ ‬من‭ ‬يحسب‭ ‬اننا‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬غرس‭ ‬جذورهم‭ ‬في‭ ‬تربتنا‭ ‬بالاتكال‭ ‬على‭ ‬راغب‭ ‬علامة‭ ‬وفيفي‭ ‬عبده‭ ‬وباسكال‭ ‬مشعلاني‭ ‬وتامر‭ ‬حسني،‭ ‬فكل‭ ‬هذا‭ ‬حشف‭ ‬لا‭ ‬يورث‭ ‬إلا‭ ‬الأسف،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬للصمود‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬العولمة‭ ‬الا‭ ‬بإطلاق‭ ‬حرية‭ ‬الإبداع،‭ ‬وانتاج‭ ‬ثقافة‭ ‬تحمل‭ ‬ملامحنا،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬متأثرة‭ ‬شكلا‭ ‬بنظيراتها‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬او‭ ‬الشمال،‭ ‬فالتأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬أمران‭ ‬لا‭ ‬مهرب‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬المعرفة‭ ‬كلها،‭ ‬وقديما‭ ‬طرح‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬لكم‭ ‬تُغْزَون‭ (‬بضم‭ ‬التاء‭) ‬ولا‭ ‬تَغْزُون‭ (‬بفتح‭ ‬التاء‭)‬؟‭ ‬استفهام‭ ‬استنكاري،‭ ‬والمطلوب‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالموضوع‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬بصدده‭ ‬الآن،‭ ‬ان‭ ‬نزيل‭ ‬الاستنكار‭ ‬بإنتاج‭ ‬ثقافة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الأخذ‭ ‬والعطاء‭. ‬لا‭ ‬تتقوقع،‭ ‬ولا‭ ‬تعيش‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬الاخرين،‭ ‬ولنفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬مكنسة‭ ‬كهربائية‭ (‬يابانية‭ ‬الصنع‭ ‬درءا‭ ‬لشبهة‭ ‬العمالة‭ ‬للغرب‭) ‬ننظف‭ ‬بها‭ ‬ساحاتنا‭ ‬وعقولنا‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬وأوهام‭ ‬عششت‭ ‬فيها‭ ‬طويلا‭ ‬وجعلتنا‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬الفعل‭ ‬والتفاعل‭ ‬وان‭ ‬كنا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬سادة‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭!! ‬واسأل‭ ‬نفسك‭: ‬بم‭ ‬ستواجه‭ ‬عدوا‭ ‬غربيا‭ ‬يتعمد‭ ‬فعلا‭ -‬لا‭ ‬توهماً‭- ‬إيذاءك‭ ‬والمس‭ ‬بسيادة‭ ‬بلادك؟‭ ‬الرد‭ ‬هو‭: ‬ستتأهب‭ ‬بطائرات‭ ‬هارير‭ ‬أو‭ ‬ميراج‭ ‬او‭ ‬فانتوم‭ ‬وستجمع‭ ‬عنه‭ ‬المعلومات‭ ‬مستخدما‭ ‬منتجات‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬وأبل‭.. ‬وستستخدم‭ ‬أجهزة‭ ‬سيمنز‭ ‬الألمانية‭ ‬لبث‭ ‬الأناشيد‭ ‬الوطنية‭!! ‬لا‭ ‬تثريب‭ ‬عليك‭ ‬إذن‭ ‬لو‭ ‬استخدمت‭ ‬نتاج‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬لإثراء‭ ‬ثقافتك‭ ‬الخاصة‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬المظلمة‭ ‬عندما‭ ‬نهل‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬‭ ‬الإسلامية‭ ‬واستخدمها‭ ‬لدخول‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا