خلال زيارته التي استمرت أربعة أيام لمنطقة الخليج في منتصف مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -الذي سبق أن انسحب من الاتفاق النووي الإيراني- رغبته في عقد صفقة، مع طهران بشأن مستقبل برنامجها النووي، وهو تطور كتب عنه روبرت ساتلوف، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأنه أثار بلا شك شعورًا بالارتياح بين المسؤولين الإيرانيين.
وبينما واصل ترامب تبني أمل متجدد بصياغة حل دبلوماسي مع الإيرانيين؛ تستمر حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية المتطرفة في معارضتها للمفاوضات، وتدعو إلى شن هجمات مسلحة ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهي حقيقة تتضح من خلال ما أفاد به الإعلام الغربي، بشأن امتلاك وكالات الاستخبارات الأمريكية، أدلة على تكثيف إسرائيل استعداداتها لشن مثل هذا الهجوم.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز، إلى كيف رفض ترامب، في مكالمة هاتفية في 22 مايو، مطالب نتنياهو، بمهاجمة إيران حتى أثناء سير المفاوضات. وعلى الرغم من أن المعلقين الغربيين يعتقدون أن إسرائيل لن تتصرف دون موافقة أو دعم واشنطن؛ إلا أن الرئيس الأمريكي قد تحدث أيضًا عن أن موقفه تجاه المحادثات النووية مع إيران يمكن أن يتغير في أي لحظة.
ويرى كل من باتريك سايكس، وإيثان برونر، وأنتوني كاباتشيو، من وكالة بلومبرج، أن خطر الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين اثنتين من أبرز القوى العسكرية في المنطقة، يُعد احتمالًا حقيقيًا؛ ونتيجة مباشرة لمسألة الانتشار النووي، وهو ما ينذر بتداعيات خطيرة على مجمل منطقة الشرق الأوسط -بما في ذلك دول الخليج- وتُفسر هذه المخاطر كيف أن دول الخليج تحثّ إدارة ترامب على مواصلة الخيار الدبلوماسي.
وحتى الآن، عقد المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون خمس جولات من المحادثات، بوساطة عمانية في كل من مسقط، وروما. وعلى الرغم من عدم تحديد موعد للجولة السادسة حتى الآن؛ فقد أصر الرئيس الأمريكي على إحراز تقدم كبير، وأعرب عن تفاؤله بإمكانية الإعلان عن اتفاق نهائي في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما هي المطالب الأمريكية بالضبط بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني. وأشار ساتلوف، إلى تركيز الرئيس الأمريكي أحيانًا على الهدف المتمثل في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، مع السماح لها بتخصيب اليورانيوم بشكل محدود. بينما بدا في أحيان أخرى مؤيدا لفكرة أن الطريقة الوحيدة لمنعها من الحصول على قنبلة نووية هي الإصرار على عدم تخصيب اليورانيوم مُطلقًا.
وبحسب باتريك وينتور، في صحيفة الجارديان، فإن صفقة ترامب تتضمن عنصرًا جوهريًا يتمثل في استعداد إيراني مسبق ومُخطط يُسوغ لمفتشي الولايات المتحدة -وليس فقط الأمم المتحدة- زيارة المنشآت النووية الإيرانية لضمان عدم قيامها بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تسمح لها بصنع قنبلة نووية. وبالنسبة إلى تعليقات ترامب، الأخيرة برغبته في عقد اتفاق قوي للغاية يخول للأمريكيين الدخول مع المفتشين، وأخذ ما نرغبه، والتخلص مما نريد؛ فهو ما رآه وينتور، يشير إلى أنه سيتم السماح لإيران بالفعل بمواصلة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ما. غير أن ذلك يتناقض في الوقت ذاته مع إصرار ستيف ويتكوف، مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط -الذي يقود الوفد الأمريكي المفاوض- على أن البيت الأبيض، لا يمكنه السماح حتى بنسبة 1% من قدرة التخصيب.
وعلى الرغم من الغموض المستمر بشأن مواقف ومطالب كل جانب، فقد أكد رافائيل غروسي، من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على إيجابية بوادر الاستعداد للتوصل إلى اتفاق من كلا الطرفين، حتى لو كانت هيئة المحلفين لا تزال في حيرة، بشأن ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق نهائي ليحل محل الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، التي سبق وانسحب منه ترامب.
ومع ذلك، هناك عواقب تؤثر على مستقبل هذه الدبلوماسية، تتمثل في تكثيف حكومة نتنياهو، جهودها لإقناع الأمريكيين بالموافقة على شن هجوم عسكري. وأوضح باراك رافيد، من موقع أكسيوس، أن إسرائيل تستعد لضرب المواقع النووية الإيرانية، في حال انهارت المحادثات بين واشنطن، وطهران، في الأسابيع المقبلة. ووثّقت شبكة سي إن إن، كيف تشير الاتصالات الإسرائيلية التي اعترضتها وكالات الاستخبارات الأمريكية، بقوة إلى أن مثل هذا الهجوم قد يكون وشيكًا.
من جانبه، رأى دينيس روس، من معهد واشنطن، أن تسريب هذه المعلومات قد يكون مقصودًا لزيادة النفوذ التفاوضي الأمريكي تجاه الإيرانيين، من خلال إرسال رسالة واضحة مفادها أن عليهم التوصل إلى اتفاق، وإلا فإن إسرائيل ستتصرف بالقوة المسلحة. ومع ذلك، فإن إثارة نتنياهو، مجددًا لموضوع الهجوم على إيران خلال مكالمته الهاتفية مع ترامب في 22 مايو، تؤكد أن نيته المعلنة هي مهاجمة إيران، بغض النظر عن الجهود الدبلوماسية.
ويأتي هذا على النقيض من تحليل جوناثان بانيكوف، من المجلس الأطلسي، الذي رأى أن تصرفات إسرائيل ستكون مبنية على قرارات السياسة الأمريكية، والاتفاقيات التي يتوصل إليها ترامب، أو لا يتوصل إليها مع إيران.
ولا يمكن تجاهل الضغط الهائل الذي تمارسه إسرائيل -ومؤيدو داخل الولايات المتحدة- على إدارة ترامب، وخاصة أن طبيعة الرئيس الأمريكي المتقلبة، وغير المتوقعة تعني أنه قد يغيّر موقفه فجأة. وكتب بن أرمبروستر، في مجلة ريسبونسبل ستيتكرافت، عن كيفية إقالة ترامب لمستشاره السابق للأمن القومي مايك والتز، في بداية شهر مايو، بسبب تآمره مع نتنياهو لتنظيم هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وأوضحت شبكة سي إن إن، أن البيت الأبيض، بدأ أيضًا في تكثيف جمع المعلومات الاستخباراتية حول أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الإيرانية للمساعدة إذا قررت إسرائيل توجيه ضربة.
وتساءل روس، عن سبب غياب ما وصفه بـالدعم التلقائي، من إدارة ترامب، لأي تحرك إسرائيلي لاستخدام القوة ضد البرنامج النووي الإيراني. ورغم ذلك، يبقى تدخل واشنطن، لعرقلة هجوم محتمل -في حال قرر نتنياهو تنفيذه- موضع شك. ويعزز هذا الغموض ما أورده رافيد، بأن ترامب، أبلغ نتنياهو، بشكل مباشر خلال مكالمة هاتفية بينهما أن الخيار الآخر، لا يزال مطروحًا على الطاولة، في إشارة إلى أن الخيار العسكري لم يُستبعد بالكامل.
في ضوء ذلك، حذّر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، من أن اندلاع صراع عنيف بين إيران وإسرائيل من شأنه أن يُلحق أضرارًا جسيمة بالمنطقة بأكملها. وهو تحذير يجد صدى واسعًا، لاسيما لدى دول الخليج، التي عملت خلال السنوات الماضية على إصلاح علاقاتها مع طهران، وتسعى في الوقت نفسه إلى ترسيخ موقعها كـمرساة استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفق توصيف جوزيه بيلايو، من المجلس الأطلسي. ويتفق كل من سايكس، وبرونر، وكاباتشيو، على أن دول مجلس التعاون الخليجي مجمعة على ضرورة تجنب التورط، في أي تصعيد قد يجرّ المنطقة إلى عواقب وخيمة.
وبالتالي، تمارس الدول الإقليمية ضغوطًا خاصة على الرئيس ترامب؛ بهدف ثنيه عن تنفيذ أي هجوم أمريكي، أو تقديم دعم لهجوم إسرائيلي محتمل. وبحسب صحيفة فاينانشيال تايمز، فإن دول الخليج تضع في مقدمة أولوياتها الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، والتركيز على النمو الاقتصادي. وكما أشار رافيد، فإن تصريح ترامب بشأن اعتماد النهج الدبلوماسي، الذي يمكن أن ينقذ الكثير من الأرواح؛ يعكس إدراكه للمخاطر التي ينطوي عليها منع هجوم إسرائيلي محتمل على إيران، والذي قد يؤدي إلى اندلاع صراع إقليمي واسع يصعب احتواؤه.
وفي الوقت الراهن، يعتمد نهج البيت الأبيض، على تعزيز الدبلوماسية لحل مسألة مستقبل إيران النووي؛ لكن روس، يسلط الضوء على أن الصبر ليس من سمات ترامب بوضوح، ما يعني أن أي تعثر في المحادثات، أو رفض إيراني لقبول مطالب واشنطن المتغيرة، قد يفتح الباب أمام تنفيذ إسرائيل لهجمات ضد إيران، وهو أمر حذّر منه الخبراء مرارًا، لما له من عواقب كارثية على الأمن الإقليمي، بما في ذلك أمن دول الخليج.
ولطالما يُدلي ترامب، بتصريحات مفادها أن أي هجوم على طهران سيكون غير مناسب. لكن هذه التصريحات لا تبعث على الثقة بأن الولايات المتحدة تعارض بشدة مثل هذا السيناريو. ويشير معلقون غربيون، مثل ساتلوف، إلى أن أي اتفاق مؤقت -كما يصفه- يمكن أن يحقق جميع أهداف التفاوض الأساسية لإيران، دون أن تضطر إلى الاستسلام في ملف تخصيب اليورانيوم. وبالتالي، فإن هشاشة هذا المسار الدبلوماسي تحمل مخاطر أكبر بكثير مما يقدّره الرئيس الأمريكي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك