العدد : ١٧٢٤٠ - الخميس ٠٥ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٠ - الخميس ٠٥ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

استراتيجية استخدام القوة في سياسات ترامب

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الثلاثاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

نحن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬ولكن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭ ‬المتقدم‭ ‬والمتطور‭ ‬بعقلية‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬وبفكر‭ ‬الرجل‭ ‬الأوحد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحكم‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬الرقي‭ ‬العلمي‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أحد،‭ ‬ولم‭ ‬يتخيل‭ ‬أحد‭ ‬وقوعها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يُرجع‭ ‬العالم‭ ‬فكرياً‭ ‬وعقلياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬قرونا‭ ‬طويلة‭ ‬مضت،‭ ‬وأكل‭ ‬عليها‭ ‬الدهر‭ ‬وشرب،‭ ‬فلا‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المتحضر‭ ‬مادياً‭ ‬وعلمياً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬متحضراً‭ ‬ومتنوراً‭ ‬ثقافياً‭ ‬وخُلقياً‭ ‬وإنسانياً‭ ‬فيلحق‭ ‬بركب‭ ‬التقدم،‭ ‬ويجاري‭ ‬بتنوع‭ ‬فكره‭ ‬وعقله‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭.‬

وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المستجدة‭ ‬نراها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بكل‭ ‬وضوح،‭ ‬بزعامة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭. ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬الدامغة،‭ ‬وليست‭ ‬مؤشرات‭ ‬بسيطة‭ ‬فحسب،‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬عقلية‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهيمنة‭ ‬ثقافة‭ ‬وفكر‭ ‬الرجل‭ ‬الأوحد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تجوز‭ ‬مناقشة‭ ‬أوامره،‭ ‬ويُحرم‭ ‬قطعياً‭ ‬مخالفة‭ ‬سياساته‭ ‬ومواقفه،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭. ‬

فالسياسة‭ ‬التي‭ ‬ينفذها‭ ‬ترامب‭ ‬حالياً‭ ‬وأعلنها‭ ‬في‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬وجعلها‭ ‬شعاراً‭ ‬يرفعه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬هي‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولاً‮»‬،‭ ‬وشعار‭ ‬‮«‬اجعل‭ ‬أمريكا‭ ‬عظيمة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬سياسة‭ ‬شعبوية‭ ‬حمائية‭ ‬انعزالية‭ ‬تخالف‭ ‬سياسة‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬أجمع‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬انتخابه‭ ‬رئيساً‭ ‬أكد‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬الماكرة،‭ ‬ودَعَمَها‭ ‬بعقيدة‭ ‬قديمة‭ ‬ومستجدة،‭ ‬وهي‭ ‬فكرة‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭. ‬وهذا‭ ‬مفهوم‭ ‬قديم‭ ‬طبَّقه‭ ‬الرومان،‭ ‬ثم‭ ‬بعض‭ ‬رؤساء‭ ‬أمريكا‭ ‬كالرئيس‭ ‬الجمهوري‭ ‬الأسبق‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭.‬

ولكن‭ ‬ترامب‭ ‬استغل‭ ‬هاتين‭ ‬الفكرتين‭ ‬أسوأ‭ ‬استغلال،‭ ‬وجعلهما‭ ‬يصبان‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬سلطته‭ ‬الشخصية،‭ ‬وتعميق‭ ‬سيطرته،‭ ‬وانتقامه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬معه،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعظيم‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الاتحادي‭ ‬الأمريكي‭ ‬والدولي‭. ‬فباستخدام‭ ‬حُجة‭ ‬أمريكا‭ ‬أولاً،‭ ‬وتحت‭ ‬مبرر‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬الدوليين‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة،‭ ‬الناعمة‭ ‬والعسكرية،‭ ‬فَرضَ‭ ‬مواقفه‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬المتشددة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬وضيَّق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬وشدَّد‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬والمجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬برمته،‭ ‬كما‭ ‬أشعل‭ ‬نيران‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬رفع‭ ‬الرسوم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬إعلان‭ ‬رفع‭ ‬التعرفة‭ ‬الجمركية‭ ‬بنسبة‭ ‬50%‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬مايو‭ ‬غيَّر‭ ‬موعد‭ ‬بدء‭ ‬التنفيذ‭ ‬إلى‭ ‬9‭ ‬يوليو،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬قراراته‭ ‬غير‭ ‬مدروسة،‭ ‬ومبنية‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬إظهار‭ ‬القوة‭ ‬والتنمر‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭.‬

‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬مُشاركته‭ ‬واسهاماته‭ ‬المباشرة‭ ‬العسكرية‭ ‬والمالية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الشاملة‭ ‬للبشر‭ ‬والشجر‭ ‬والحجر‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬أيضاً‭ ‬جاء‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬بالقوة‭. ‬فهو‭ ‬بهذه‭ ‬الحجة،‭ ‬والمنطق‭ ‬الأعوج‭ ‬قدَّم‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬التي‭ ‬تزن‭ ‬2000‭ ‬رطل،‭ ‬والتي‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أُلقيت‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬تساوي‭ ‬قوتها‭ ‬وشدتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية‭ ‬كالتي‭ ‬ألقتها‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬مدينتي‭ ‬هيروشيما‭ ‬وناجازاكي‭. ‬وبهذا‭ ‬المبرر‭ ‬أيضاً‭ ‬سمح‭ ‬لأكبر‭ ‬مجاعة‭ ‬جماعية‭ ‬من‭ ‬صُنع‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تنزل‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مليوني‭ ‬إنسان‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتحرك‭ ‬بجدية‭ ‬وصدق‭ ‬فيوقف‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭. ‬والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬والأمر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المجاعة‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يموت‭ ‬منها‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬تدريجي‭ ‬وبطيء،‭ ‬كانت‭ ‬أيضاً‭ ‬تواجه‭ ‬الجحيم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسقط‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفتاكة،‭ ‬والقنابل‭ ‬المدمرة‭ ‬التي‭ ‬أهداها‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬

ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يطبق‭ ‬ترامب‭ ‬فكرة‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الضعيف‭ ‬الأعزل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬إلا‭ ‬الأسلحة‭ ‬البسيطة‭ ‬المصنوعة‭ ‬محلياً؟‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يضغط‭ ‬ترامب‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بالقوة‭ ‬والسلاح‭ ‬التدميري،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالضغط‭ ‬السياسي‭ ‬والمالي‭ ‬لكي‭ ‬يرضخ‭ ‬للسلام‭ ‬ويوقف‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬الشاملة؟‭ ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬ازدواجية‭ ‬في‭ ‬المعايير،‭ ‬والتحيز‭ ‬الكامل‭ ‬للجانب‭ ‬الصهيوني؟‭ ‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فقد‭ ‬استغل‭ ‬هذه‭ ‬العقيدة‭ ‬الشخصية‭ ‬الأنانية‭ ‬والانتقامية،‭ ‬والفكرة‭ ‬الاستغلالية‭ ‬الإرهابية‭ ‬لنهب‭ ‬وسرقة‭ ‬ثروات‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬النهار،‭ ‬ونقل‭ ‬خيراتها‭ ‬ومواردها‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬جلب‭ ‬الاستثمار‭ ‬الخارجي،‭ ‬ومنها‭ ‬باسم‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النفط‭ ‬واستخراج‭ ‬المعادن‭ ‬الأرضية‭ ‬النادرة‭ ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭. ‬كما‭ ‬أيضاً‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬أمريكا‭ ‬أولاً،‭ ‬وشعار‭ ‬الأمن‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬دعا‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬غزو‭ ‬واحتلال‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ذات‭ ‬السيادة،‭ ‬مثل‭ ‬جزيرة‭ ‬جرينلاند،‭ ‬وكندا،‭ ‬وبنما‭.  ‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬التأكيد‭ ‬أكثر،‭ ‬وبيان‭ ‬ثقافة‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها‭ ‬عند‭ ‬ترامب،‭ ‬وسعيه‭ ‬للانتقام‭ ‬وإرضاخ‭ ‬وإذلال‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يطيعه،‭ ‬ويتبع‭ ‬سياسته،‭ ‬ويسير‭ ‬على‭ ‬نهجه‭ ‬وهداه،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أُقدم‭ ‬لكم‭ ‬مثالاً‭ ‬مازلنا‭ ‬نشهد‭ ‬فصوله‭ ‬أمامنا‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وهو‭ ‬تهديد‭ ‬ترامب‭ ‬بفرض‭ ‬ثقافته‭ ‬الأحادية‭ ‬على‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة،‭ ‬ورفض‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬والتعددية‭ ‬الفكرية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬أقدم،‭ ‬وأغنى،‭ ‬وأكثر‭ ‬جامعة‭ ‬تتمتع‭ ‬بسمعة‭ ‬علمية‭ ‬وبحثية‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والدولي،‭ ‬وهي‭ ‬جامعة‭ ‬هارفرد،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬على‭ ‬الجامعة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجبهات‭ ‬واتهمها‭ ‬بأنها‭ ‬معقل‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬والفكر‭ ‬اليساري‭ ‬والماركسي‭. ‬وهدد‭ ‬الجامعة‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تتبعي‭ ‬أوامري‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬وإلا‭ ‬سأُحرم‭ ‬عليك‭ ‬كل‭ ‬المنح‭ ‬والعقود‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الحكومة‭ ‬الاتحادية‭ ‬للجامعة‭. ‬ومع‭ ‬رفض‭ ‬الجامعة‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬لترامب‭ ‬في‭ ‬تسييس‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬وتغيير‭ ‬المناهج‭ ‬لصالح‭ ‬أفكار‭ ‬ترامب،‭ ‬والرضوخ‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬توظيف‭ ‬أعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬وقبول‭ ‬الطلاب،‭ ‬بدأ‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬تجميد‭ ‬وإلغاء‭ ‬المنح‭ ‬والعقود‭ ‬التي‭ ‬تعطى‭ ‬للجامعة،‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬قرابة‭ ‬3‭ ‬بلايين‭ ‬دولار،‭ ‬كما‭ ‬أمر‭ ‬ترامب‭ ‬الوزارات‭ ‬الحكومية‭ ‬بإلغاء‭ ‬أية‭ ‬عقود‭ ‬بحثية‭ ‬مع‭ ‬الجامعة،‭ ‬مثل‭ ‬وزارة‭ ‬الطاقة،‭ ‬ثم‭ ‬أشهر‭ ‬سيف‭ ‬مقاضاة‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬لإفلاسها‭ ‬وممارسة‭ ‬الضغوط‭ ‬عليها،‭ ‬وبعدها‭ ‬ألغى‭ ‬تأشيرات‭ ‬الطلاب‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭. ‬ولمزيد‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬يمكن‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬المقال‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬‮«‬بلومبيرج‮»‬‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬مايو‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الطرق‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬يهاجم‭ ‬فيها‭ ‬ترامب‭ ‬هارفرد‮»‬‭.‬

وهذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنها‭ ‬ترامب‭ ‬ضد‭ ‬هارفرد‭ ‬خاصة،‭ ‬والجامعات‭ ‬عامة،‭ ‬هي‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬حرباً‭ ‬ضروساً‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬العلم‭ ‬والعلماء،‭ ‬وتنوع‭ ‬واستقلالية‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭. ‬ولذلك‭ ‬حذَّر‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬تدهور‭ ‬العلم‭ ‬وهروب‭ ‬العلماء‭ ‬والعقول‭ ‬المبدعة‭ ‬من‭ ‬أمريكا،‭ ‬كما‭ ‬بدا‭ ‬هذا‭ ‬واضحاً‭ ‬لكل‭ ‬مراقب‭ ‬خارج‭ ‬أمريكا‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬خصصت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الإيكونومست‮»‬‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المرموقة‭ ‬عددها‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬مايو‭ ‬2025‭ ‬للتحذير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬ستصل‭ ‬تداعياتها‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬أمريكا‭ ‬أيضاً،‭ ‬فكان‭ ‬العنوان‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬الغلاف‭: ‬‮«‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬الأمريكي‮»‬‭. ‬واحتوى‭ ‬العدد‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مقالات‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬العقيمة،‭ ‬منها‭ ‬المقال‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الإيذاء‭ ‬الذاتي‭ ‬الخطير‮»‬،‭ ‬والمقال‭: ‬‮«‬هجوم‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬أصبح‭ ‬شرساً‭ ‬وعشوائياً‭ ‬بشكلٍ‭ ‬متزايد‮»‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المقال‭ ‬المعنون‭: ‬‮«‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬التعرض‭ ‬لهجرة‭ ‬الأدمغة‭ ‬الأكاديمية‮»‬،‭ ‬والمقال‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬يؤثر‭ ‬قطع‭ ‬التمويل‭ ‬للعلم‭ ‬على‭ ‬الأمريكي‭ ‬العادي؟‮»‬‭.‬

ومما‭ ‬سبق‭ ‬يتأكد‭ ‬أن‭ ‬منهجية‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬والخارج‭ ‬هي‭ ‬تبني‭ ‬ثقافة‭ ‬القوة‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها‭ ‬لقيادة‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬والمجالات،‭ ‬وتهميش‭ ‬دور‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬قطب‭ ‬واحد‭ ‬حَاكِم‭ ‬هو‭ ‬القطب‭ ‬الأمريكي‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تُرد‭ ‬له‭ ‬كلمة،‭ ‬ولا‭ ‬يُرفض‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬قرار‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا