إن إصرار دولة الاحتلال إسرائيل على استمرار عدوانها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإمعانها في المضي قدما في سياسات الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وتجويع سكان قطاع غزة، والعمل على تهجيرهم قسرا من القطاع، أدى الى دفع العديد من الدول الأوروبية لإعادة التفكير استراتيجيا بقيمة إسرائيل في المصالح الأوروبية المتعددة.
وفي إطار هذه المراجعة النقدية وجدنا خلال الأشهر السابقة حراكا أوروبيا واسعا شعبيا ورسميا للمطالبة بوقف الحرب في القطاع وإدخال المساعدات إلى سكانه. لقد أصبحت المظاهرات الشعبية والطلابية المساندة للفلسطينيين حدثا أسبوعيا مهما في كل العواصم الأوروبية، وتتجه فرنسا قائدة الاتحاد الأوروبي الى تنظيم مؤتمر دولي بالتعاون مع المملكة العربية السعودية في نيويورك خلال شهر يونيو الجاري يسعى إلى تجسيد حل الدولتين بعدما أدركت أوروبا مجتمعة أن هذا الحل لن يتأتى من خلال التفاوض لغياب الشريك الاسرائيلي.
ليس هذا فقط، وإنما وافقت مؤخرا 17 دولة أوروبية من بينها فرنسا على المقترح الهولندي المفضي إلى مراجعة اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل نتيجة لعدم امتثال الأخيرة للمادة الثانية من الاتفاق، التي تنص على ضرورة احترام حقوق الإنسان.
كما لاقى البيان الثلاثي الذي أصدرته فرنسا وبريطانيا وكندا حول ضرورة وقف الحرب وفرض عقوبات على إسرائيل نتيجة استمرارها في هذا العدوان ترحيبا دوليا واسعا، حيث بات من المؤكد أن موجة ثانية من الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية ستكون قريبة المنال، ويتوقع أن تتصدر هذه الموجة دول أوروبية مهمة مثل فرنسا وهولندا وبريطانيا.
وفي هذا السياق، أدركت الدول الأوروبية أن اقامة الدولة الفلسطينية تعتبر مصلحة عليا لكل دول الاتحاد الأوروبي، وذلك للأسباب الآتية:
1- إن إقامة دولة للشعب الفلسطيني ستؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما أيضا في أوروبا المجاورة للمنطقة العربية.
2- استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتغوله في سياسة الإبادة الجماعية الممارسة ضد الشعب الفلسطيني سيؤدي إلى خلق بؤر إرهابية واسعة في مناطق الشرق الأوسط وأوروبا.
3- إن إنشاء الدولة الفلسطينية ووقف الإبادة الجماعية سيزيد من فرص انتخاب الأحزاب الحاكمة في أوروبا خلال الموجة القادمة من الانتخابات، نظرا إلى وجود جاليات واسعة ومؤثرة في أوروبا مناصرة للقضية الفلسطينية مثل الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية وغيرها.
4- إن تمتع الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره ووقف المجازر المرتكبة بحقه سيمكن الدول الأوروبية من مواءمة قيمها المتمثلة باحترام حقوق الانسان مع السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ولا سيما فيما يخص سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية.
5- إن نجاح الاتحاد الأوروبي بفرض حل الدولتين سيمكن دول الاتحاد من الاستفادة من مليارات الدولارات كاستثمارات عربية فيها، بحيث يصبح الاتحاد منطقة جاذبة وآمنة للاستثمارات العربية.
6- إن نجاح الاتحاد الأوروبي في فرض حل الدولتين سيسهل على الشركات الأوروبية الفوز بعقود استثمارية كبيرة في المنطقة العربية بشكل عام وفي الدولة الفلسطينية الناشئة بشكل خاص.
7- إن تحقيق حل الدولتين سيمنع إسرائيل الفاشية من التغول أكثر وأكثر ضد العديد من دول الشرق الأوسط التي يوجد بها مصالح أوروبية واسعة.
في إطار السياق السابق، نجد أن اسرائيل تعيش في عزلة دولية تتسع شيئا فشيئا، وبدت أوروبا في الآونة الأخيرة أكثر استعدادا لفرض عقوبات على إسرائيل وليس فقط الاكتفاء بالإدانة؛ فعلى سبيل المثال، دعا الرئيس الفرنسي ماكرون إلى حظر توريد الأسلحة الى إسرائيل، وأبدت السويد استعدادا للتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على بعض الوزراء الاسرائيليين.
ويبدو أن حمى «عزلة إسرائيل» بدأت تنتقل من أوروبا إلى الولايات المتحدة التي لم يزر رئيسها إسرائيل أثناء جولته في الشرق الأوسط، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل بشكل واضح على أن الولايات المتحدة بدأت تستشعر أن إسرائيل تشكل عبئا عليها أكثر من كونها منفعة لها، وهو الأمر الذي يجعلنا نتوقع أن الولايات المتحدة لن تضع العقبات أمام دول الاتحاد الأوروبي في حال فرضت عقوبات على إسرائيل أو اعترفت بالدولة الفلسطينية.
{ كاتب من فلسطين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك