إيليا أبو ماضي.. أحد شعراء المهجر، وهو شاعر بليغ لا يشق له غبار، ولقد انعكست أشعاره على حالته النفسية في الغربة، وشغله البحث عن أجوبة حائرة في الوجود والعدم، ومن قصائده المعبرة عن ذاته الحزينة، وأحواله التي يبحث لها عن أجوبة شافية، وخير قصائده، المعبرة عن قلقه، وحيرته قصيدته «الطلاسم» التي شغلته أسئلته المطلقة، وكلما طرح سؤالًا يود الإجابة عنه يعود من رحلته خالي الوفاض، ولنتأمل حالته النفسية، وهو يبدأ تساؤلاته:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقًا فمشيت
وسأبقى ماشيًا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري
تساؤل عجيب، وحيرة تبحث عن الغاية، لكنها تجهل الوسيلة والمصير، فكيف لسائل هذا حاله وحائر همه أن يجد الطريق الذي يحقق له الغاية التي يبحث عنها، ويشفي صدره ونفسه الحائرة الحزينة.
إن شاعرنا رغم بلاغته، ورغم فصاحته إلا أنه قد أخطأ الطريق في البحث عن الوسيلة المؤدية إلى الغاية المطلوبة، ورغم ثقافته التي استقاها من مصادرها الغربية، والتي بلغت ما بلغت في التقدم والعصرنة، فاته نقص في تكوينه الثقافي إذ لم يعرض أسئلته على الإسلام، ولو فعل هذا لوجد في الحضارة الإسلامية ما يرجوه، ويبحث عنه.
إذًا، لو فتح الشعراء والمثقفون العرب أبواب عقولهم على ما قدمته الحضارة الإسلامية بشقيها الروحي والمدني لوجدوا فيها معينا لا ينضب، ولحققوا بها الأمن والاطمئنان النفسي الذي ينشدونه، والذي لن يجدوه في الفكر العَلْماني أو الليبرالي أو اليساري، وهذا ما جعل بعض هؤلاء المثقفين ينهي حياتهم بالانتحار: (راجع كتاب الدكتور محمد جابر الأنصاري / انتحار المثقفين العرب.. لماذا؟).
ويحزننا نحن المسلمين أن ينفتح العلماء المفكرون الغربيون على الحضارة الإسلامية ويأخذوا منها زادًا لرحلتهم العلمية والفكرية، فتنشط حضارتهم من جديد، وتفتح لهم آفاقًا جديدة، ليستكملوا تكوينهم الثقافي، ونحن لا نحمل غير المسلمين فوق طاقتهم، فنطلب منهم أن يأخذوا العقيدة الإسلامية، بل نكتفي منهم بالانفتاح على الإسلام، ولهم بعد ذلك الحرية بالدخول في الإسلام أو الاكتفاء بالجانب المدني دون الروحي أما العقدي فإن الإسلام لا يجبر أحدًا على الدخول فيه بدليل أن الدول التي فتحها المسلمون لم يجبروا أهل هذه البلاد على الدخول فًي الإسلام ، وظلت شعوب هذه البلاد خليطًا من القوميات وخاصة أصحاب الديانتين: اليهودية والمسيحية بل هناك ما هو أكثر من ذلك، فقد استوزر بعض الخلفاء في الدولة الإسلامية بعض هؤلاء، وكان منهم الـعلماء والأطباء.
ولقد عاش المسلمون الموحدون وأصحاب التثليث الذين يقول عنهم القرآن: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) التوبة / 30. هذا ما يقوله اليهود والنصارى أما ما يقوله الإسلام، فهو قوله تعالى: (قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد) الإخلاص.
ورغم كل هذا الخلاف أو الاختلاف عاشت شعوب هذه البلاد في تسامح.
إذًا، فالداء العضال الذي يعاني منه الأدباء والشعراء وأصحاب الفكر هو النقص في تكوينهم الثقافي بسبب رفضهم الأخذ من معين الثقافة الإسلامية الذي لا يتوقف عن العطاء والبذل فيما يتعلق بأصل الموجودات، ولو تسلح هؤلاء الشعراء والأدباء بشيء من الثقافة الإسلامية التي تملك الأجوبة الشافية عن هذه الأسئلة الحائرة لارتاحت نفوسهم، ولهدأت قلوبهم خاصة أن هذه المعارف والعلوم تأتي عن طريق الوحي الذي أنزله الله تعالى على قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم، واقرأ قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) النساء / 113.
والقرآن العظيم مليء بمثل هذه الأسئلة وهي كثيرة لا يحصيها عَدّْ ولا حصر، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورا (1) إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا (2) إنّا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورا (3) إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالًا وسعيرا (4) إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5)) الإنسان.
ومن العجب أن السورة التي تتحدث عن وجود الإنسان من العدم جاءت تحمل اسم «الإنسان» والآيات في هذه السورة المباركة تتداعى لتقدم لنا أو للبشرية الأجوبة الشافية التي تبحث عنها البشرية، وتجتهد في معرفة أصل هذا الإنسان أو أصل المخلوقات.
هذه الآيات تسعى في غير توانٍ إلى معرفة أصل هذا الإنسان، ومصيره الذي ينتظره، ومآل حياته في هذه الدنيا في بيان واضح وصريح، وفي يقين لا يتطرق إليه الشك.
وهذه السورة الجليلة تقدم لنا معرفة يقينية عن حقيقة هذا الإنسان والغاية التي خلق من أجلها، والمقاصد التي يجب عليه أن يحققها، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات / 56.
وأيضًا هناك غاية أخرى هي تحقيق إنسانية الإنسان ككائن خلق من العدم وترقى في سلم الإنسانية حتى أنه بلغ منزلة جعلته يتسلم مفاتيح الجنان، ثم يبلغ مرتبة لا تدانيها مرتبة حين يتسلم من الله تعالى خطاب الشكر والتقدير، يقول تعالى بعدما بين له مقامه في الجنة (إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا) الإنسان / 22.
هذا شيء يسير من دائرة المعارف الإسلامية والتي يستطيع كل إنسان أن يأخذ منها قدر طاقته وحسب احتياجاته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك