مبدئيًا لا يوجد تشريع أو قانون أو أي عاقل أو حتى مجنون يرضى أن يُحرم الإنسان من أبسط حقوقه في العيش والحياة، وخاصة من خلال تجويعه ومنع الماء والغذاء عنه حتى يقر بالاستسلام والهزيمة.
وسياسة التجويع جريمة محظورة بموجب الإطار القانوني وعديد من الاتفاقيات الدولية، ويُنظر إليها على أنها انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ومن أبرز الأطر القانونية التي تناولت هذه الجريمة:
{ اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية.
{ اتفاقية جنيف الرابعة (1949) وتحظر استهداف المدنيين بحرمانهم من المواد الضرورية لحياتهم.
{ البروتوكول الإضافي الأول الصادر عام 1977، ويؤكد حظر استخدام التجويع سلاحًا في النزاعات الدولية المسلحة.
{ البروتوكول الإضافي الثاني وينص على حماية المدنيين من آثار النزاعات غير الدولية، بما في ذلك منع استخدام سلاح التجويع ضدهم.
{ القانون الدولي العرفي ويحظر استخدام التجويع ضد السكان المدنيين في جميع أشكال النزاعات المسلحة، سواء كانت دولية أو غير دولية.
{ القرار 2417 الذي تبنته الأمم المتحدة.
وغيرها الكثير، ولكن اليوم نجد أن دولة الاحتلال والدول التي تقف من ورائها تضع كل هذه القوانين والأنظمة تحت أقدامها غير آبهة، وخاصة أنها تعلم أن العالم جبان ومنافق ولن يفعل أي شيء حيال مخالفاتها المتراكمة منذ عقود من الزمن.
لنحاول أن نستعرض من خلال بحثنا في المراجع والوثائق بعض الحروب وخاصة التي استخدمت فيه دولة الاحتلال التجويع كسلاح جبان في حربها لاحتلال فلسطين، منها:
أولاً: لم نجد الكثير من الوثائق التي توثق استخدام التجويع كسلاح بشكل ممنهج من قبل دولة الاحتلال أو الحركة الصهيونية، قبل عام 1967. ولكن يسجل التاريخ هذه الحوادث:
{ خلال فترة النكبة (1948) تم تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني، عانى كثيرون من نقص الغذاء والماء أثناء الفرار أو في المخيمات، لكن ذلك كان نتيجة التهجير القسري والحصار العسكري وليس سياسة تجويع معلنة أو موثقة أو ممنهجة. وتشير بعض التقارير إلى منع وصول الإمدادات إلى قرى محاصرة، لكن لا توجد وثائق رسمية تثبت نية استخدام التجويع كسلاح.
{ فرضت دولة الاحتلال خلال الحكم العسكري على فلسطينيي الداخل (1948 – 1966) نظامَ حكم عسكري على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، شمل قيودًا على التنقل والعمل. ولم يُسجل استخدام التجويع كسلاح، لكن كانت هناك قيود اقتصادية ومعيشية أثرت في الأمن الغذائي.
ثانيًا: ولكن بعد سنة 1967، بدأت تظهر سياسات الحصار والقيود الاقتصادية، وتطورت لاحقًا إلى استخدام التجويع كسلاح حرب، إذ بدأت سياسات السيطرة الاقتصادية، بما في ذلك فرض تصاريح العمل، والتحكم في التجارة والزراعة، مما أثر في الأمن الغذائي، خاصة في غزة بعد 2007.
لنذكر بعض الأمثلة:
{ الانتفاضة الأولى (1987 – 1993)؛ فرضت دولة الاحتلال قيودًا شديدة على التنقل والعمل للفلسطينيين، مما أدى إلى تدهور اقتصادي ومعيشي حاد، وتم إغلاق مناطق بأكملها، ومنع دخول المواد الغذائية أحيانًا، خاصة خلال فترات التصعيد.
{ الانتفاضة الثانية (2000 – 2005)؛ فرضت دولة الاحتلال إغلاقات عسكرية متكررة على مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة، وتم تقييد دخول المواد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء، خاصة خلال الاجتياحات مثل عملية (السور الواقي) عام 2002. وتشير تقارير منظمات حقوقية مثل بتسيلم وهيومن رايتس ووتش أنها وثّقت آثار هذه السياسات على الأمن الغذائي.
{ سياسة (السعرات الحرارية) (2006)؛ في وثائق كشفت لاحقًا، اعترفت دولة الاحتلال أنها حسبت عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها سكان غزة للبقاء على قيد الحياة، وسمحت بدخول كميات غذاء بالكاد تكفي، في محاولة للضغط على حماس بعد فوزها بالانتخابات، هذه السياسة وُصفت بأنها تجويع محسوب دون الوصول إلى حد المجاعة الكاملة، وأشارت الوثائق أن الحكومة كانت تحسب السعرات الحرارية التي يحتاجها سكان غزة لتفادي المجاعة، لكنها قللت الكميات عمدًا لإحداث (ضغط اقتصادي).
{ العدوان على غزة (2008 – 2009)؛ عملية (الرصاص المصبوب)، إذ إنه خلال الحرب، منعت دولة الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية، وأغلقت المعابر، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء، وتشير التقارير الحقوقية أن السكان كانوا يعيشون على الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية.
{ العدوان على غزة (2014)؛ عملية (الجرف الصامد)، استُخدم الحصار كوسيلة لإضعاف المقاومة، واستمرت القيود على دخول المواد الغذائية والوقود، ودُمّرت البنية التحتية، مما زاد من انعدام الأمن الغذائي.
{ أكتوبر 2023؛ أعلنت دولة الاحتلال حصارا كاملا على قطاع غزة، ومنعت دخول الغذاء، الماء، الدواء، الوقود والكهرباء. وصرّح وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك (يوآف غالانت) بأنهم يفرضون (حصارًا كاملاً) على ما وصفه بالحيوانات البشرية.
{ طوال 17 شهرًا من الحرب استخدمت دولة الاحتلال المساعدات الإنسانية كأداة ضغط، حيث منعت دخولها أو سمحت بدخول كميات محدودة جدًا، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء وانتشار المجاعة، خاصة في شمال غزة، حيث يعاني 70% من السكان من الجوع الكارثي.
{ فبراير 2024 وقعت (مجزرة الطحين)، حيث قتلت قوات الاحتلال أكثر من 100 فلسطيني وأصابت المئات أثناء انتظارهم للمساعدات الغذائية.
{ في مارس 2025 عاد الاحتلال لاستخدام التجويع كسلاح بعد خرق وقف إطلاق النار، ومنعت مجددًا دخول المساعدات، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني.
{ واليوم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم تشمل جريمة الحرب المتمثلة في استخدام التجويع كأسلوب حرب.
ما حاولنا ذكره جزء يسير من الأحداث الكثيرة التي لم نتمكن من حصرها أو حتى التأكد من مصداقيتها، ولكن الذي نعتقده أنه من المهم حصر كل تلك الأحداث، فالتاريخ لا يرحم الضعفاء لذلك من المهم أن نبين للعالم أجمع كل الذي حدث والذي ربما سيحدث. كل ذلك حتى لا يحاول العالم أو بعض المخدوعين سواء في الشرق أو في الغرب أن يحصر الأحداث من بعد 7 أكتوبر 2023.
تعريف للمجاعة الحربية والسياسية
في الحقيقة لم نجد تعريفًا محددًا وواضحًا ومتفقًا عليه للمجاعة، ولكن وجدنا أن خبراء الأمم المتحدة وضعوا عدة شروط التي إن توفرت في منطقة ما، فإنه يعلن وجود مجاعة فيها، وأهم هذه الشروط:
{ أن تواجه 20% من الأسر على الأقل نقصًا شديدًا في الغذاء مع قدرة محدودة على التعامل مع الأزمة.
{ أن يتجاوز معدل الوفيات يوميًا حالتي وفاة من كل 10 آلاف شخص.
يقول خبير الأمن الغذائي في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو FAO) أرمينيو ساكا إنه في عام 2007 بات مصطلح (المجاعة) يستخدم في إطار نظام عالمي للتصنيف (IBC) صاغته عدة هيئات إنسانية، وهو تصنيف علمي يساعد في تفادي استخدام مصطلح المجاعة (لأغراض سياسية).
أضرار المجاعة الحربية والسياسية
تشير التقارير العلمية أن المجاعة الحربية والسياسية ذات آثار سلبية مدمرة على الأفراد والمجتمعات، وتشمل نقص الغذاء، وتفشي الأمراض، وارتفاع معدلات الوفيات، وتدهور البنية التحتية، وزيادة النزوح والتنقل، بالإضافة إلى ذلك، تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد، لنحاول أن نلخص ذلك:
{ نقص الغذاء وارتفاع معدلات الوفيات؛ يؤدي انعدام الأمن الغذائي إلى الجوع وسوء التغذية، مما يزيد من احتمالية الوفاة من الأمراض، وخاصة بين الأطفال.
{ تفشي الأمراض؛ سوء التغذية يضعف جهاز المناعة، مما يزيد من عرضة الأفراد للإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا والحصبة، فضلاً عن انتشار الأمراض المرتبطة بالصرف الصحي غير الكافي.
{ تدهور البنية التحتية؛ تدمير البنية التحتية الحيوية مثل المرافق الصحية والمياه والصرف الصحي يؤدي إلى تفاقم المشاكل الصحية والإنسانية.
{ نزوح السكان؛ يؤدي الجوع وعدم الاستقرار إلى نزوح السكان، مما يزيد من الضغط على الموارد المتاحة ويؤدي إلى ظروف معيشية صعبة في المخيمات والمناطق المجاورة.
{ اضطرابات اجتماعية واقتصادية؛ المجاعة الحربية يمكن أن تؤدي إلى انهيار النظام الاجتماعي والاقتصادي، وزيادة التوترات الاجتماعية، مما يجعل من الصعب استعادة الاستقرار بعد انتهاء النزاع.
{ آثار على الصحة النفسية؛ تعرض الأفراد للصدمات الجسدية والنفسية بسبب الجوع والنزوح والعنف، مما يزيد من خطر اضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب.
{ آثار على الأجيال القادمة؛ يمكن أن يكون للأضرار الناجمة عن المجاعة الحربية آثار طويلة الأمد على الأجيال القادمة، مثل التأثير على النمو البدني والعقلي للأطفال المصابين بسوء التغذية، وتغيرات فسيولوجية وجينية دائمة.
نحن نعرف تمامًا أن العالم كله يشهد ويعرف ما الذي يجري في غزة من مجاعة غير إنسانية، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرا من دول الأرض لا يهمها كل الذي يجري، كل الذي يهمهم أنهم بعيدون عن كل تلك الأحداث، التي تجري في أرض بعيدة، وهذا هو واقع الحال. ولكن في المقابل وجدنا أن عددا من الدول وشعوبها بدأت تأخذ الأمور بجدية وتحاول أن ترمي بحجر في تلك البحيرة لعلها تحرك ساكنًا، ولكن متى نشاهد الحقيقة والتغيير، لا نعرف، عسى أن يكون قريبًا.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك