صدرت عدة تقييمات غربية قبل وبعد زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، إلى منطقة الخليج في منتصف مايو2025، حيث اعتبرها «بول سالم»، من «معهد الشرق الأوسط»، قد «تُغير المشهد الاقتصادي والجيوسياسي في المنطقة»، وتم تسليط الضوء على عدم زيارته لإسرائيل، باعتباره مؤشرًا على تنامي الخلاف بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، خاصة فيما يتعلق بالملفين الإيراني والسوري، والموقف من الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.
من جانبه، رأى «مايكل شير»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن ترامب يعمل حاليًا على «إعادة تشكيل عقود من السياسة الخارجية»، تجاه الشرق الأوسط، و«المُضي قدمًا» في صياغة القرار الإقليمي من «دون إسرائيل»، مستشهدًا بالتصريحات الأخيرة التي أدلى بها، والتي أقر فيها بالحاجة إلى «إنهاء هذا الصراع الوحشي» و«مساعدة الشعب الفلسطيني في غزة»، واعترافه بـ«تضور الفلسطينيين جوعًا»؛ جراء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أشهر على وصول المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، فإن هذا التقييم يتجاهل الواقع في ظل استمرار «واشنطن» في تزويد التحالف اليميني المتطرف بقيادة «نتنياهو»، بالأسلحة والدعم اللازمين لمواصلة حربه الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين، إلى جانب الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي يحول دون أي مساءلة دولية. وتساءل «يوسي ميكلبيرج»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، عمّا إذا كانت تصريحات «ترامب»، وأفعاله خلال زيارته الأخيرة للمنطقة تعني أنه «نسي غزة»، وهو أمر «يسعد نتنياهو كثيرًا»، على حد تعبيره.
علاوة على ذلك، ففي أعقاب حملة قصف عنيفة وغزو بري جديد، أعلنت إسرائيل نيتها «السيطرة الكاملة على قطاع غزة»، لم تكتفِ «الإدارة الأمريكية»، بإرسال شحنات ضخمة من الذخائر الفتاكة – وهي تدرك تمامًا أنها ستُستخدم ضد المدنيين– بل تستعد أيضًا للموافقة على خطة تهجير قسري لما يصل إلى مليون فلسطيني إلى ليبيا، وهو بلد آخر دمره التدخل السياسي والعسكري الغربي.
وفي الوقت الذي أشاد فيه بعض المراقبين الغربيين بنجاح الرئيس الأمريكي في إبرام صفقات تجارية مهمة مع دول الخليج، وتزايد الحديث عن اقتراب التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، بالإضافة إلى لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع؛ فإن امتناعه عن زيارة إسرائيل والاجتماع بنتنياهو؛ اعتُبر مؤشرًا على تحول أوسع في أولويات واشنطن تجاه قضايا المنطقة، وتركيزها على مسارات التعاون الإقليمي. وسلط «سالم»، الضوء على أن قيام رئيس أمريكي بأول زيارة رسمية له إلى الخارج تمتد عدة أيام في الشرق الأوسط، دون أن تشمل إسرائيل، يُعد أمرًا غير مسبوق إلى حد بعيد، معتبرًا ذلك مؤشرًا واضحًا على رؤية ترامب لدول الخليج، باعتبارها مركزًا محوريًا للاهتمام والشراكة الأمريكية في المنطقة.
وفي ضوء إبرام صفقة مباشرة مع حركة حماس للإفراج عن المواطن الأمريكي مزدوج الجنسية «عيدان ألكسندر»؛ رأت «إيما آشفورد»، من «مركز ستيمسون»، أن البيت الأبيض في عهد ترامب «يبدو أنه يرقى بالفعل إلى شعار حملته الانتخابية أمريكا أولاً». وعلّق «بريان كاتوليس»، من «معهد الشرق الأوسط»، بأن نهج الزيارة أظهر بوضوح «مدى استعداده لتقديم مصالح بلاده على أي من شركائها الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل». وأشار «شير»، إلى أن لقاءه بالرئيس السوري، وإشادته به باعتباره «رجلًا قويًا»، صاحب «ماضٍ حافل»، إلى جانب إعلانه نية رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، يعكس كيف أن ترامب كان «يقاوم بفعالية»، اعتراضات نتنياهو والحكومة الإسرائيلية.
وعلى نطاق أوسع، بدا أن الحفاوة التي قوبل بها الرئيس الأمريكي في السعودية، وقطر، والإمارات، قد وضعت «نتنياهو»، في «عزلة متزايدة»، بحسب «كسينيا سفيتلوفا»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، والتي رأت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بات أمام «خيار صعب»: إما تهدئة الحرب على غزة، أو المجازفة بـ«مزيد من العزلة الدولية»، وهذه المرة من أقرب حلفائه، الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من ذلك، مازالت «إدارة ترامب»، تواصل دعمها للحرب التدميرية التي تشنها إسرائيل على غزة، مع استعداد دائم لحماية حكومة نتنياهو من أي مساءلة دولية عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة. واعتبرت «آشفورد»، أن من المهم «عدم المبالغة» في تفسير ما يبدو وكأنه تحول في تركيز «البيت الأبيض»، الإقليمي، مشيرة إلى أنه «ما زال يواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة لاستخدامها في غزة»، كما أنه «لم يُبدِ سوى القليل من الجهد للضغط على الإسرائيليين»، من أجل تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.
وردًا على التصعيد الواسع الذي نفذه الجيش الإسرائيلي ضد غزة، غداة مغادرة الرئيس الأمريكي للمنطقة، وإعلان التزامه بـ«السيطرة الكاملة» على القطاع، وأصدر أوامر إخلاء إضافية، واستهداف المستشفيات عمدًا، ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص؛ تساءل «ميكلبيرج»، عن سبب صمت «ترامب»، وتناقض أفعاله مع تصريحاته السابقة في 16 مايو، التي قال فيها إنهم «ينظرون إلى غزة»، وإنه «سيتم الاعتناء بها».
من جهتها، شدّدت «آشفورد»، على أن أي مؤشرات على حدوث قطيعة محتملة بين «البيت الأبيض»، و«إسرائيل»، «لا علاقة لها بدوافع إنسانية»، مؤكدة أن واشنطن لا تزال تساند الخطة الإسرائيلية التي وصفها «نتنياهو»، بأنها تقتصر على «تقديم الحد الأدنى من المساعدات لأكثر من مليوني فلسطيني»، في مشهد يعكس تواطؤًا ضمنيًا مع سياسات الحصار والتجويع المستمرة.
وخلال «قمة مجلس التعاون الخليجي» في الرياض، تحدث ترامب عن «سلامة وكرامة الشعب الفلسطيني في غزة». وفي السياق ذاته، صرح مبعوثه الإقليمي «ستيف ويتكوف» – الذي سبق وأقنع إسرائيل بالتراجع عن اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت مع حماس وتقديم مطالب جديدة – بأن «واشنطن»، «لا تريد أن ترى أزمة إنسانية في غزة»، وأنه «لن نسمح بحدوثها في عهد الرئيس ترامب».
وبشكل واضح، يتناقض هذا التصريح مع التحذيرات التي أطلقتها الوكالات الإنسانية منذ بداية الحرب حول الأوضاع الكارثية في غزة، حيث حذّرت «منظمة الصحة العالمية»، من أن السكان بأكملهم يواجهون «نقصًا غذائيًا طويل الأمد»، ويعاني نصف مليون شخص، بمن فيهم الأطفال، من «الجوع وسوء التغذية الحاد والمجاعة والمرض والموت». فيما أدان «ستيفن كاتس»، رئيس مؤسسة المساعدات الطبية للفلسطينيين، الخطة التي فرضتها حكومة نتنياهو، والتي تقتصر على تقديم كميات ضئيلة من المساعدات، واصفًا إياها بأنها «محاولة خطيرة لتسليح المساعدات الإنسانية»، ووسيلة تستخدمها إسرائيل «لمواصلة التطهير العرقي للفلسطينيين».
من ناحية أخرى، أثار تصريح وزير الخارجية الأمريكي، «ماركو روبيو»، موجة من الانتقادات، عندما قال إن الولايات المتحدة «منفتحة على البديل إذا كان لدى شخص ما بديل أفضل»، في إشارة واضحة إلى رفض واشنطن للجهود الحالية التي تبذلها «الأمم المتحدة»، والمنظمات الدولية الكبرى، والتي تعرقلها إسرائيل عمدًا.
وفي المقابل، أكد «توم فليتشر»، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أن المنظمة وشركاءها «يمتلكون الخبرة، والعزيمة، والوضوح الأخلاقي لتقديم المساعدات»، مشيرًا إلى أن رفض إدارة ترامب التعاون معهم يؤكد أنها «ليست جادة على الإطلاق»، في تقديم إغاثة إنسانية حقيقية لملايين المدنيين.
وبدلًا من ذلك، كرر «ترامب»، نواياه بإخلاء السكان الفلسطينيين من قطاع غزة. وخلال زيارته إلى الشرق الأوسط، أعرب مجددًا عن فخره بـ«استحواذ»، الولايات المتحدة على القطاع، ووصفه بأنه «منطقة حرة».
وأشارت وسائل إعلام غربية إلى أن «البيت الأبيض»، يدرس بجدية دعم خطة لنقل ما يصل إلى مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا. ووصف «سام كيلي»، في صحيفة «الإندبندنت»، تلك الخطة بأنها «تمتزج بالغباء بقدر ما تتشح بالشر»، معتبرًا أنها جزء من جهود أمريكية لتبرير حملة إسرائيلية تستخدم أدوات الموت والدمار – من القنابل والرصاص إلى التجويع والتدمير المنهجي– تستهدف المدنيين الفلسطينيين، والمستشفيات والكوادر الطبية؛ بهدف تحويل غزة إلى منطقة لا تُطاق، ولا تصلح للحياة.
وفي خضم هذه التحولات المتسارعة، رأى «شير»، أن زيارة ترامب إلى الخليج كشفت عن «ديناميكية جديدة» باتت تُهمِّش إسرائيل، وتجعلها «أمرًا ثانويًا في الحسابات». غير أن تعليق «آشفورد»، جاء أكثر توازنًا ووضوحًا، حيث أشار إلى أن «البيت الأبيض»، «لا يُبدي أي اعتراض فعلي على ما تقوم به إسرائيل في غزة»، وبالتالي فإنه «لن يمارس أي ضغط جاد لوقف الحرب»، بل يواصل تبني موقف متواطئ، رغم ما قد يبدو من حياد أو صمت في المظهر العام.
ورغم التصريحات العلنية لـ«ترامب»، حول دعمه لـ«سلامة وكرامة» الفلسطينيين المحاصرين في غزة، فقد تجاهل تمامًا التصعيد الإسرائيلي الأخير، في حين واصلت إدارته تزويد قوات الاحتلال بذخائر بمليارات الدولارات، رغم إدراكها بأنها ستُستخدم ضد المدنيين. ولم تكتف بذلك، بل مضت في العمل على خطط أشد كارثية تستهدف التهجير القسري والدائم لسكان غزة إلى مناطق بعيدة، تحت غطاء مشروع يُطلق عليه «منطقة للحرية» داخل القطاع.
ومع تبني وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، «بتسلئيل سموتريتش»، دعوات إلى «تدمير غزة بالكامل»، و«إجبار سكانها على المغادرة بأعداد كبيرة»؛ وصف «فيكتور قطان»، من جامعة «نوتنغهام»، هذه التصريحات بأنها «دعوة صريحة» لارتكاب جرائم ضد الإنسانية، من خلال الترحيل القسري للمدنيين، كما أنها تمثل «دليلًا خطيرًا للغاية» على نيات إسرائيل، معتبرًا أن دعم البيت الأبيض لهذه السياسات يُعد تواطؤًا مباشرًا في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
واختتمت «آشفورد»، تقييمها بتأكيد أن ترامب «ليس داعمًا لإسرائيل دون قيد أو شرط»، لكن دعمه هذا لا يستند إلى «اعتبارات إنسانية»، أو إلى «الحقوق الفلسطينية»؛ بل هو مدفوع برغبة في تحقيق مصالحه الخاصة، والسعي إلى «أفضل صفقة» ممكنة، وهي صفقة تصب بشكل مباشر في مصلحة إسرائيل، وتشمل تدمير غزة، وتهجير سكانها قسرًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك