العدد : ١٧٢٣٦ - الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٦ - الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سياسة إخفاء الحقائق في واشنطن!

بقلم: د. منار الشوربجي {

السبت ٣١ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

أحداث‭ ‬عدة‭ ‬جرت‭ ‬وقائعها‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬تربط‭ ‬بينها‭ ‬المفارقة‭ ‬بين‭ ‬إبادة‭ ‬الحقيقة‭ ‬الواقعة‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬الجميع،‭ ‬واختراع‭ ‬وقائع‭ ‬أخرى،‭ ‬والإمعان‭ ‬في‭ ‬تكرارها‭ ‬لعلها‭ ‬تشغل‭ ‬العالم‭ ‬فتصبح‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الحقيقة‮»‬‭!.‬

فليس‭ ‬سرًا‭ ‬أنه‭ ‬يسهل‭ ‬على‭ ‬السياسيين‭ ‬إدانة‭ ‬العنف‭ ‬السياسي‭ ‬دون‭ ‬خلط‭ ‬الأوراق‭ ‬وتهديد‭ ‬الحريات‭. ‬لكن‭ ‬مضمون‭ ‬الإدانات‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬السياسيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لمقتل‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬بالسفارة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بواشنطن‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شاب‭ ‬أمريكي،‭ ‬يدعى‭ ‬إلياس‭ ‬وردريجاز،‭ ‬هتف‭ ‬‮«‬الحرية‭ ‬لفلسطين‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬إدانة‭ ‬الفعل‭ ‬والفاعل،‭ ‬وإنما‭ ‬امتدت‭ ‬لتشمل‭ ‬إدانة‭ ‬الحركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬السلمية‭ ‬لمناصرة‭ ‬فلسطين‭! ‬

‭ ‬النائب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬جوش‭ ‬جوتيمر،‭ ‬مثلا،‭ ‬زعم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سمَّاه‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬الانتفاضة‭ ‬التقدمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬واقعة‭ ‬القتل‭. ‬بل‭ ‬اعتبرت‭ ‬سلطات‭ ‬الأمن‭ ‬الحدث‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬‮«‬العداء‭ ‬للسامية‮»‬‭. ‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬بينما‭ ‬رودريجز‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬في‭ ‬بيانه‭ ‬مطلقًا‭ ‬لليهود،‭ ‬وإنما‭ ‬ربط‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬صراحة‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬واعتبار‭ ‬أكثر‭ ‬السياسيين‭ ‬الأمريكان‭ ‬لأي‭ ‬موقف‭ ‬مناهض‭ ‬لإسرائيل‭ ‬موقفا‭ ‬معاديًا‭ ‬بالضرورة‭ ‬لليهود‭ ‬وهذا‭ ‬نقل‭ ‬حرفي‭ ‬لما‭ ‬قاله‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتهم‭ ‬‮«‬زعماء‭ ‬ومسؤولين‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬ومنظمات‭ ‬دولية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬أوروبا‮»‬‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬التحريض‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭!‬

أما‭ ‬المفارقة،‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬أحدًا‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬كلمات‭ ‬إدانة‭ ‬أمريكية‭ ‬وقت‭ ‬أطلقت‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬وفد‭ ‬دبلوماسي‭ ‬زار‭ ‬جنين‭ ‬بالضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الأسبوع‭ ‬نفسه‭!.‬

ولعلها‭ ‬مفارقة‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬أن‭ ‬يتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬بمفارقاته‭ ‬تلك‭ ‬مع‭ ‬حدث‭ ‬يحمل‭ ‬مفارقاته‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭. ‬فقد‭ ‬تحول‭ ‬استقبال‭ ‬رئيس‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالبيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لمهرجان‭ ‬لعقاب‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بسبب‭ ‬موقفها‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والقانوني‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ولحملة‭ ‬دعاية‭ ‬لإسعاد‭ ‬العنصريين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬البيض‭ ‬المؤمنين‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬ضحية‮»‬‭ ‬للتمييز‭ ‬والقهر‭.‬

فقد‭ ‬تحول‭ ‬اللقاء‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬ورئيس‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬إلى‭ ‬معرض‭ ‬للصور‭ ‬والفيديوهات‭ ‬الملفقة،‭ ‬إذ‭ ‬اشتمل‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬التقطت‭ ‬في‭ ‬الكونجو،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وشريط‭ ‬فيديو‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬لموقع‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودًا‭ ‬أصلًا‭ ‬للزعم‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬إبادة‮»‬‭ ‬للبيض‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭.‬

وقصة‭ ‬‮«‬إبادة‭ ‬البيض‮»‬‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬يعتبرها‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقيين‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬نكتة‭ ‬سخيفة‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يصدقها‭ ‬حتى‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬هناك،‭ ‬وكان‭ ‬وراء‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬وعبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬غلاة‭ ‬المتطرفين‭ ‬منهم‭ ‬الذين‭ ‬يقتلهم‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬المقيت‭.‬

ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬اللافتة‭ ‬للنظر‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬التي‭ ‬تلاحق‭ ‬حتى‭ ‬المهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬دخلوا‭ ‬أمريكا‭ ‬بشكل‭ ‬قانوني‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬أبوابها‭ ‬لاستقبال‭ ‬‮«‬لاجئين‮»‬‭ ‬بيض‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭. ‬

أما‭ ‬المفارقة‭ ‬الأخرى‭ ‬فكانت‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬وقتها‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬حكومة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬تسيء‭ ‬معاملة‭ ‬هؤلاء‭. ‬فهي‭ ‬تهددهم‭ ‬بسرقة‭ ‬أرضهم‭ ‬وتخضعهم‭ ‬لتفرقة‭ ‬عنصرية‭ ‬وضيعة‮»‬‭.‬

وليس‭ ‬هناك‭ ‬نكتة‭ ‬أكثر‭ ‬سخافة‭ ‬من‭ ‬نكتة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬سوى‭ ‬جريمة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭. ‬ومن‭ ‬المثير‭ ‬للدهشة‭ ‬فعلا‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬نفسه‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬عبر‭ ‬علنًا‭ ‬عن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬تطهير‭ ‬غزة‭ ‬عرقيًّا‭ ‬لتحويلها‭ ‬لما‭ ‬سمَّاه‭ ‬‮«‬ريفييرا‮»‬‭ ‬الشرق‭.‬

‭ ‬كذلك‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬سخافة‭ ‬من‭ ‬نكتة‭ ‬‮«‬سرقة‭ ‬الأرض‮»‬‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬سوى‭ ‬إعلان‭ ‬استعداد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬أراضي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وانخراطها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مخطط‭ ‬نتنياهو‭ ‬لتجويع‭ ‬غزة‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬مخطط‭ ‬توزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الذي‭ ‬أعلنته‭ ‬إسرائيل‭ ‬باعتباره‭ ‬مشروعًا‭ ‬إسرائيليًا‭ ‬أمريكيًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬توزيع‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬مناطق،‭ ‬بعينها‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬تحددها‭ ‬إسرائيل‭ ‬وبنسب‭ ‬محدودة‭ ‬لكل‭ ‬أسرة‭ ‬هو‭ ‬سياسة‭ ‬موضع‭ ‬استنكار‭ ‬عالمي‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والهيئات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتولى‭ ‬توزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬تتسم‭ ‬بالنزاهة‭ ‬والحياد‭ ‬والشفافية‭. ‬

أما‭ ‬من‭ ‬حاولت‭ ‬القيام‭ ‬بتوزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬فهي‭ ‬مؤسسة‭ ‬أنشئت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬مؤسسة‭ ‬غزة‭ ‬الخيرية‮»‬‭ ‬تديرها‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬خاصة‭ ‬كالشركات‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬فظائع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭.‬

 

{‭ ‬باحثة‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية‭.‬

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا