العدد : ١٧٢٣٦ - الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٦ - الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ما احتمالات اعتراف فرنسا بقيام دولة فلسطينية؟

بقلم: د. رمزي بارود {

السبت ٣١ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

إن‭ ‬المعارضة‭ ‬الشديدة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬لقيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬تتوافق‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬أيديولوجية‭ ‬صهيونية‭ ‬راسخة‭ ‬اعتبرت‭ ‬باستمرار‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬بمثابة‭ ‬تهديد‭ ‬مباشر‭ ‬لأساس‭ ‬ووجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬كمشروع‭ ‬استعماري‭ ‬استيطاني‭.‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬مجرد‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ذات‭ ‬حدود‭ ‬جغرافية‭ ‬محددة‭ ‬بوضوح‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬حتماً‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬دولياً‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬جغرافية‭ ‬ثابتة‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تستمر‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬واللبنانية‭ ‬وتواصل‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬توسعها‭ ‬الاستعماري‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي،‭ ‬فإن‭ ‬فكرة‭ ‬قبول‭ ‬إسرائيل‭ ‬الحقيقي‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصوره‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬العقلية‭ ‬الصهيونية‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬تطورًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬دائمًا‭ ‬يشكل‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكامنة‭. ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬يكشف‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬أن‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬عقودًا‭ ‬كانت‭ ‬سرابًا،‭ ‬حُبكت‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة‭ ‬لترويج‭ ‬الأوهام‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬ما‭ ‬عزز‭ ‬الانطباع‭ ‬الخاطئ‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬جادة‭ ‬أخيرًا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬والقبول‭ ‬بوجود‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭.‬

ولذلك،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئا‭ ‬أن‭ ‬يتفاعل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬بغضب‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬إعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬مؤخرا‭ ‬نية‭ ‬فرنسا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬المقبل‭.‬

وفي‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬ماكرون‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬15‭ ‬أبريل،‭ ‬لجأ‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬متوقعا،‭ ‬إلى‭ ‬خطابه‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬المألوف،‭ ‬حيث‭ ‬ساوى‭ ‬بشكل‭ ‬مثير‭ ‬للسخرية‭ ‬بين‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ومكافأة‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭.‬

وبنفس‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬والاستسهال،‭ ‬استبق‭ ‬نتنياهو‭ ‬مزاعمه‭ ‬المبتذلة‭ ‬وغير‭ ‬المثبتة‭ ‬حول‭ ‬وجود‭ ‬صلة‭ ‬إيرانية،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬مكتبه‭ ‬بيانا‭ ‬قال‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬دقائق‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬سيُصبح‭ ‬معقلًا‭ ‬للإرهاب‭ ‬الإيراني‮»‬‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬كرر‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬ماكرون،‭ ‬بأسلوبه‭ ‬المعتاد‭ ‬والمألوف‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الموازنة،‭ ‬التزام‭ ‬بلاده‭ ‬بـدعم‭ ‬‮«‬أمن‮»‬‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أكد‭ ‬بشكل‭ ‬فاتر‭ ‬أن‭ ‬المعاناة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬أكثر‭ ‬عدلاً‭ ‬وحكمة‭ ‬وعقلانية‭ ‬ومنطقا،‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬للرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أمن‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬بل‭ ‬وجودهم‭ ‬ذاته،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬بشكل‭ ‬حاد،‭ ‬وأن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عنفها‭ ‬واحتلالها‭ ‬المتواصلين،‭ ‬تشكل‭ ‬أكبر‭ ‬خطر‭ ‬يتهدد‭ ‬الوجود‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وربما‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬يظل‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭.‬

ونظرا‭ ‬للدعم‭ ‬الثابت‭ ‬والمتذلل‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬ماكرون‭ ‬وفرنسا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬وخاصة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬يرحب‭ ‬البعض‭ ‬بحذر‭ ‬بتصريح‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬باعتباره‭ ‬تحولا‭ ‬إيجابيا‭ ‬محتملا‭ ‬في‭ ‬السياسة‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬نحذر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تفاؤل‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتعرض‭ ‬فيه‭ ‬عائلات‭ ‬فلسطينية‭ ‬بأكملها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬للتقتيل‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المستمرة،‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تقرأون‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭.‬

ومن‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬قد‭ ‬لعبت‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتسليحها‭ ‬وتبرير‭ ‬جرائمها‭ ‬الشنيعة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

ولكي‭ ‬تتراجع‭ ‬فرنسا‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬الراسخ،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المسار‭ ‬الحالي،‭ ‬فإنها‭ ‬تتطلب‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬لفتات‭ ‬رمزية‭ ‬فارغة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭. ‬ومن‭ ‬المفهوم‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬بالتعب‭ ‬والإحباط‭ ‬من‭ ‬الانتصارات‭ ‬الرمزية،‭ ‬والخطابات‭ ‬الجوفاء،‭ ‬واللفتات‭ ‬غير‭ ‬الصادقة‭.‬

لقد‭ ‬قدمت‭ ‬الاعترافات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إيرلندا‭ ‬والنرويج‭ ‬وإسبانيا‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2024‭ ‬شرارة‭ ‬عابرة‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬محتمل،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬محدودا،‭ ‬في‭ ‬المشاعر‭ ‬الغربية،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يمارس‭ ‬بعض‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لوقف‭ ‬أفعالها‭ ‬الإجرامية‭ ‬المدمرة‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬الأولي‭ ‬الهش‭ ‬قد‭ ‬تلاشى‭ ‬وفشل‭ ‬ولم‭ ‬تتم‭ ‬بالتالي‭ ‬ترجمته‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬أوروبي‭ ‬أوسع‭ ‬نطاقا‭ ‬وأكثر‭ ‬أهمية‭.‬

ونتيجة‭ ‬لهذا،‭ ‬فقد‭ ‬قوبل‭ ‬إعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬فرنسا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬القادم‭ ‬برد‭ ‬فعل‭ ‬أكثر‭ ‬هدوءا‭ ‬وتشككا‭ ‬وفتورا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬المكلومين‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بالفعل‭ ‬بفلسطين‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬أقوى‭ ‬بكثير‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬فإن‭ ‬سجل‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يتسم‭ ‬بضعف‭ ‬كبير‭ ‬لا‭ ‬تخطئه‭ ‬عين‭. ‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬صدق‭ ‬الموقف‭ ‬الفرنسي‭ ‬المعلن‭ ‬هو‭ ‬موضع‭ ‬تساؤل‭ ‬عميق،‭ ‬نظراً‭ ‬لقمعها‭ ‬المستمر‭ ‬والمثير‭ ‬للقلق‭ ‬للناشطين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬الذين‭ ‬يجرؤون‭ ‬على‭ ‬الاحتجاج‭ ‬على‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬داخل‭ ‬فرنسا‭ ‬نفسها‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬والاعتقالات‭ ‬والقمع‭ ‬الأوسع‭ ‬نطاقاً‭ ‬للآراء‭ ‬السياسية‭ ‬المعارضة‭ ‬داخل‭ ‬فرنسا‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬صورة‭ ‬دولة‭ ‬مستعدة‭ ‬حقاً‭ ‬لتغيير‭ ‬مسارها‭ ‬بالكامل‭ ‬بشأن‭ ‬دعم‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والتحريض‭ ‬عليها‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬تناقض‭ ‬صارخ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬بين‭ ‬المواقف‭ ‬المبدئية‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬إسبانيا‭ ‬والنرويج‭ ‬وأيرلندا‭ ‬ودعم‭ ‬فرنسا‭ ‬الثابت‭ ‬للحملة‭ ‬العسكرية‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها،‭ ‬وهو‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬أكدته‭ ‬زيارة‭ ‬ماكرون‭ ‬المبكرة‭ ‬والرمزية‭ ‬للغاية‭ ‬لتل‭ ‬أبيب‭.‬

وكان‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أوائل‭ ‬زعماء‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يتعرضون‭ ‬بالفعل‭ ‬لأشد‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭ ‬فظاعة‭. ‬

وخلال‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بتاريخ‭ ‬24‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬أكد‭ ‬ماكرون‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬أن‭ ‬‮«‬فرنسا‭ ‬تقف‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭. ‬نشارككم‭ ‬آلامكم،‭ ‬ونؤكد‭ ‬التزامنا‭ ‬الراسخ‭ ‬بأمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحقها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‮»‬‭.‬

وهذا‭ ‬يثير‭ ‬سؤالا‭ ‬أساسيا‭ ‬وخطيرا‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬اعتراف‭ ‬فرنسا‭ ‬المتأخر‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬تضامن‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تظل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬داعما‭ ‬عالميا‭ ‬كبيرا‭ ‬للكيان‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين؟

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬اعتراف‭ ‬أوروبي‭ ‬بفلسطين‭ ‬هو‭ ‬خطوة‭ ‬مرحب‭ ‬بها،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬متأخرة،‭ ‬فإن‭ ‬أهميتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬تتضاءل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتراف‭ ‬شبه‭ ‬العالمي‭ ‬بفلسطين‭ ‬داخل‭ ‬الأغلبية‭ ‬العالمية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬والذي‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ويتوسع‭ ‬باطراد‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

إن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬ستكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬آخر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تعترف‭ ‬رسميا‭ ‬بفلسطين‭ (‬حاليا،‭ ‬اعترفت‭ ‬147‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬193‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭)‬،‭ ‬تتحدث‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬فرنسا‭ ‬الواضحة‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الإجماع‭ ‬العالمي‭ ‬السائد،‭ ‬وربما‭ ‬تبييض‭ ‬تاريخها‭ ‬الطويل‭ ‬من‭ ‬التواطؤ‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬الصهيونية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تجد‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬معزولة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬ومدانة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

يمكن‭ ‬القول‭ ‬بثقة‭ ‬كبيرة‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وخاصة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصورها‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬يعطون‭ ‬الأولوية‭ ‬لوقف‭ ‬فوري‭ ‬لهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والمساءلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬عن‭ ‬تصرفات‭ ‬إسرائيل‭ ‬فوق‭ ‬الأفعال‭ ‬الرمزية‭ ‬للاعتراف‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تهدف‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬أهمية‭ ‬فرنسا‭ ‬كقوة‭ ‬عالمية‭ ‬فاعلة‭ ‬وداعمة‭ ‬لجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭.‬

وأخيرا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يحرص‭ ‬ماكرون‭ ‬على‭ ‬طمأنة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأن‭ ‬أمنها‭ ‬يظل‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولويات‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬فإنه‭ ‬يتعين‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتذكر‭ ‬أن‭ ‬استمراره‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬يشكل‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬انتهاكا‭ ‬محتملا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭.‬

إن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬مطلوب‭ ‬ومتهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬ومن‭ ‬مسؤولية‭ ‬فرنسا،‭ ‬مثلها‭ ‬كمثل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬دولة‭ ‬موقعة‭ ‬على‭ ‬ميثاق‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وليس‭ ‬العمل‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬استرضائه‭.‬

ولا‭ ‬يهدف‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬إلى‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬المحتملة‭ ‬لاعتراف‭ ‬فرنسا‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬باعتباره‭ ‬انعكاسا‭ ‬للتضامن‭ ‬العالمي‭ ‬المتزايد‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ولكن‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬ذا‭ ‬معنى‭ ‬وتأثير‭ ‬حقيقي،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬الاحترام‭ ‬الحقيقي‭ ‬والاهتمام‭ ‬العميق‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬نفسه،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬حسابات‭ ‬كامنة‭ ‬يهدف‭ ‬أصحابها‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬‮«‬أمن‮»‬‭ ‬معذبيه‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا