زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
إعجاب مقرون بالنفور
الإعجاب بإنجازات الغرب في مجالات العلوم والمخترعات والاكتشافات أمر مطلوب ومحمود، ولكن الإعجاب بأساليب الحياة في الغرب، أمر أراه مذموما. بل أسال الله ألا يضطرني إلى العيش في أي دولة غربية لأكثر من بضعة أسابيع، فرغم إيجابيات الحياة الكثيرة هناك، وربما بسببها، تحول الإنسان في الغرب إلى ما يشبه الروبوت، فهو معني فقط بعمله وزيادة دخله المادي وما عليه أحيانا بأم أو أب او خال أو عمة، وإيقاع الحياة في الغرب لا يسمح لشخص شرقي مسلم ان يعيش ويمارس النشاط الاجتماعي الذي نشأ عليه، وأذكر أنني وخلال عملي في بي بي سي في لندن كنت اخرج من البيت في السابعة والنصف صباحا ولا أعود إليه قبل حلول المساء وبالتالي لم يكن لدي وقت للتواصل مع من في لندن من أقارب وأصدقاء، ولهذا فإن كثير من الغربيين يفضل مصادقة كلب أو قطة على مصادقة البشر، وتجد صغارهم يربون الفئران والضفادع والسحالي ويأنسون إليها لأنه لا وجود ملموسا لأب أو لأم أو أقارب في حياتهم، وبسبب فقدان الحنان والأمان تظهر في المجتمعات الغربية مثيلات أندريا ييتس.
سأسرد حكايتها بالتفصيل الممل عسى أن تمثل صدمة للذين يحلمون بالهجرة نهائيا إلى أمريكا أو أوروبا: السيدة اندريا ييتس زوجة وأم أمريكية، كانت متفوقة في مراحل الدراسة وتنشط في مجالات الخدمة الاجتماعية وشديدة التدين، وتذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد، وتجمع التبرعات للأعمال الخيرية وزوجها راسل ييتس مهندس مرموق في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وقد قررا منذ اليوم الأول لزواجهما أن ينجبا عددا كبيرا من الأطفال وأن يتولوا تربيتهم وتعليمهم من دون عون خارجي، أي من دون الاستعانة بخادمة أو دادة أو إحدى الجدات، وهكذا كرست اندريا كل وقتها لتعليم عيالها مبادئ القراءة والكتابة في البيت، وكانت تحرص على زيارة والدها المريض يوميا لتغير له ثيابه وتنظف جسمه، وذات يوم نادت ولدها لوك البالغ من العمر سنتين ليستحم وما إن دخل الحوض (البانيو) حتى أمسكت به بعنف وخنقته وغمرت رأسه تحت الماء حتى مات، ونادت بول الذي يكبره بسنة وقامت أيضا بقتله خنقا تحت الماء، ثم جاء الدور على جون وتبعته ميري ذات الأشهر الستة، وبعد أن تأكدت أن أربعتهم ماتوا غرقا، حملتهم ووضعتهم في نفس الفراش وغطتهم جيدا وكأنها تخاف عليهم ان يصابوا بالبرد، ثم اتصلت بالشرطة وزوجها لتبلغهم بما حدث. الأطباء النفسانيون يقولون إنها مصابة بنوع من نادر من الاكتئاب، يحمل اسم postpartum يصيب عادة النساء بعد الولادة مباشرة، ولكنهم يعترفون بأن ارتفاع معدلات الأمراض النفسية بين الأمريكيين عموما، نتج عن تسارع وتيرة الحياة وازدياد الضغوط على الناس بعد أن أصبح لكل دقيقة قيمتها وبعد أن أصبحت الحياة منافسة في غابة الكترونية، البقاء فيها لمن يتحمل ساعات عمل أطول، ويضحي بحياته العائلية والاجتماعية ولا يعرف الترفيه إلا مرة كل سنة أو اثنتين عندما يأخذ إجازة.
وقد استوردنا من الغرب ضمن ما استوردنا نمط الحياة السريع رغم أنه لا قيمة للوقت عندنا: نتحرك بسيارات ذات محركات صاروخية ونتناول وجباتنا خلال دقيقة أو اثنتين. إلى عهد قريب كان من «العيب» أن يأكل الإنسان وهو يمشي في الشارع، واليوم صرنا نأكل ونحن نقود سياراتنا، وصرنا نتبادل تهاني العيد بالمسجات السكند هاند (عادة أنتظر حتى تصلني رسالة معايدة حلوة لأقوم بتحويلها على المعارف والأهل)، وفي زمان العجلة ع الفاضي إذا اتصلت أم الواحد منا معاتبة: ليه يا ولدي لك اسبوعين ما اتصلت فيني وأنا وياك في نفس البلد قال لها: مشغول يا يمه أجيك في العيد إن شاء الله! ثم نتساءل لماذا بدأت بلداننا تعرف الانتحار!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك