في كتابه الشهير صدام الحضارات The Clash of Civilizations الذي نُشر سنة 1996 توقع المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون أن النزاعات في القرن الحادي والعشرين لن تكون بسبب الأيديولوجيا أو الاقتصاد، بل ستكون بين الحضارات والثقافات، فالصراعات المستقبلية بعد الحرب الباردة لن تكون بين دول أو أيديولوجيات كالرأسمالية أو الشيوعية، بل بين حضارات وثقافات مختلفة!
ربما الظاهر في الوقت الحالي أن الصراع سياسي اقتصادي في ظاهره، لكن هناك صراعا ثقافيا دينيا عميقا خفيا ينشط بقوة، ومنها الصراع الغربي ضد العالم الإسلامي، والصين وصعودها كقوة حضارية منافسة، كذلك الصراع بين الثقافة الأرثوذكسية الروسية والثقافات الغربية، والتوترات بين الهندوس والمسلمين.
قديماً كان يُقسم العالم إلى حضارات رئيسية كالحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية، والحضارة الكونفوشيوسية (الصين)، والحضارة الأرثوذكسية (روسيا)، والحضارة الهندوسية، وحضارات أمريكا اللاتينية وإفريقيا وإن كانت ذات ثقل حضاري أقل مما سبق ذكره.
أما بخصوص نظرية صدام الحضارات فقد انقسمت الآراء حولها، فالبعض يرى انها واقعية ولكنها متقمصة شكل حروب اقتصادية وجيوسياسية ومصالح مادية ونفوذ، ويرى بعض المحللين أن صراع الحضارات الحقيقي لم يبدأ بعد، بينما يرى آخرون أن هذا الصراع واقع ملموس منذ زمن بعيد وملامحه تُرى في صراعات الشرق الأوسط وصعود الصين، والمتمعن في بواطن الاحداث يرى أننا فعلاً نعيش في عالم فيه من التوترات الحضارية والثقافية أكثر من ذي قبل وإن كانت هذه الصدامات تلبس جلباب الصراعات الاقتصادية والهيمنة على ثروات الدول المستضعفة.
ان التوتر بين الغرب والعالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 غير شكل العالم، حيث بدأ الغرب ينظر إلى الإسلام كـتهديد ثقافي، وكذلك العالم الإسلامي بدأ يشعر أنه مستهدف من الحضارة الغربية، والحروب التي تلت ذلك في العراق وأفغانستان، والربيع العربي وما خلفه من دمار في عدد من البلدان العربية تحديداً وما نتج عنها من نظرة سلبية من الغرب تجاه المسلمين بسبب الإعلام والتصريحات السياسية خصوصاً في أمريكا وأوروبا وما تلاها من ممارسات عنصرية تجاه المسلمين في إطار ما يُسمى الإسلاموفوبيا، كل ذلك أكد وعزز نظرية الصراع الذي يتبناه الغرب تجاه الحضارة الإسلامية.
الصراع في فلسطين صراع له أبعاد دينية وخاصة في القدس والمسجد الاقصى، الصراع بين الهند وباكستان صراع ديني، الصراع بين اذربيجان وارمينيا صراع ديني، القتل والتنكيل بشعب الروهينجا في ميانمار صراع ديني، الصراع في البوسنة والهرسك صراع ديني، وهناك العديد من الصراعات التي تستعر نيرانها بين الفينة والأخرى هي صراعات حضارية ثقافية، هكذا يجب أن نُسمي الاسماء بمسمياتها الحقيقية، اليوم وبعد كل هذه الصدامات أصبحت العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي أكثر توتراً من ذي قبل، لكن في الوقت نفسه هناك وعي متزايد وحوارات ثقافية ومحاولات لفهم أعمق للطرفين، لكن يبقى التحدي الأكبر هو الإعلام والخطابات السياسية التي تحرف صورة الآخر.
على النقيض من ذلك، فإن المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد كانت له وجهة نظر مغايرة لنظرية صامويل هنتنجتون، حيث اعتبر أن المشكلة بين الغرب والمسلمين ليست صراعا أو صدام حضارات إنما هو صراع جهل بين الشعوب، كتب مقالا بعنوان: صراع الجهل The Clash of Ignorance سنة 2001، ونُشر في مجلةThe Nation بعد أسابيع قليلة من أحداث 11 سبتمبر، ذكر فيه أن نظرية صدام الحضارات تتعامل مع الحضارات كأنها جدران سميكة لا تتحرك ولا تتغير، وكأن جميع المسلمين متشابهون وكل الغربيين نسخة طبق الأصل.
ويذهب سعيد إلى القول بأن العالم الإسلامي متنوع بشكل رهيب وينحدر المسلمون من ثقافات واعراق مختلفة وكل واحد له ثقافته وتاريخه وحتى فهمه الخاص للإسلام، بمعنى آخر لا يصح القول بأن الإسلام ضد الغرب لأنه لا يوجد شعب إسلامي واحد أي ذات ثقافة واحدة، كما لا يوجد غرب واحد، إذاً فالجهل المتبادل هو المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الشعوب وهي أساس الصدام الذي نعيشه اليوم، فالغرب يجهل الإسلام والمسلمين والإعلام يصوّرهم كأنهم متطرفون كلهم، وفي المقابل كثير من المسلمين يجهلون الغرب ويرون ممارساته العدائية ضد الإسلام والمسلمين والنتيجة خوف وكراهية وحروب والضحية دائماً الشعوب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك