العدد : ١٧٢٣٢ - الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٢ - الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صدام الحضارات ومخاطر استمرار الجهل بالآخر

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

الثلاثاء ٢٧ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬صدام‭ ‬الحضارات‭ ‬The‭ ‬Clash‭ ‬of‭ ‬Civilizations‭ ‬الذي‭ ‬نُشر‭ ‬سنة‭ ‬1996‭ ‬توقع‭ ‬المفكر‭ ‬الأمريكي‭ ‬صامويل‭ ‬هنتنجتون‭ ‬أن‭ ‬النزاعات‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬بسبب‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬أو‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬بل‭ ‬ستكون‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬والثقافات،‭ ‬فالصراعات‭ ‬المستقبلية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجيات‭ ‬كالرأسمالية‭ ‬أو‭ ‬الشيوعية،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬حضارات‭ ‬وثقافات‭ ‬مختلفة‭!‬

ربما‭ ‬الظاهر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬سياسي‭ ‬اقتصادي‭ ‬في‭ ‬ظاهره،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬صراعا‭ ‬ثقافيا‭ ‬دينيا‭ ‬عميقا‭ ‬خفيا‭ ‬ينشط‭ ‬بقوة،‭ ‬ومنها‭ ‬الصراع‭ ‬الغربي‭ ‬ضد‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والصين‭ ‬وصعودها‭ ‬كقوة‭ ‬حضارية‭ ‬منافسة،‭ ‬كذلك‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬الروسية‭ ‬والثقافات‭ ‬الغربية،‭ ‬والتوترات‭ ‬بين‭ ‬الهندوس‭ ‬والمسلمين‭.‬

قديماً‭ ‬كان‭ ‬يُقسم‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬حضارات‭ ‬رئيسية‭ ‬كالحضارة‭ ‬الغربية،‭ ‬والحضارة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والحضارة‭ ‬الكونفوشيوسية‭ (‬الصين‭)‬،‭ ‬والحضارة‭ ‬الأرثوذكسية‭ (‬روسيا‭)‬،‭ ‬والحضارة‭ ‬الهندوسية،‭ ‬وحضارات‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬ثقل‭ ‬حضاري‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬نظرية‭ ‬صدام‭ ‬الحضارات‭ ‬فقد‭ ‬انقسمت‭ ‬الآراء‭ ‬حولها،‭ ‬فالبعض‭ ‬يرى‭ ‬انها‭ ‬واقعية‭ ‬ولكنها‭ ‬متقمصة‭ ‬شكل‭ ‬حروب‭ ‬اقتصادية‭ ‬وجيوسياسية‭ ‬ومصالح‭ ‬مادية‭ ‬ونفوذ،‭ ‬ويرى‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬أن‭ ‬صراع‭ ‬الحضارات‭ ‬الحقيقي‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬بعد،‭ ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬واقع‭ ‬ملموس‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬وملامحه‭ ‬تُرى‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وصعود‭ ‬الصين،‭ ‬والمتمعن‭ ‬في‭ ‬بواطن‭ ‬الاحداث‭ ‬يرى‭ ‬أننا‭ ‬فعلاً‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الصدامات‭ ‬تلبس‭ ‬جلباب‭ ‬الصراعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬الدول‭ ‬المستضعفة‭.‬

ان‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬غير‭ ‬شكل‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬الغرب‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬كـتهديد‭ ‬ثقافي،‭ ‬وكذلك‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بدأ‭ ‬يشعر‭ ‬أنه‭ ‬مستهدف‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية،‭ ‬والحروب‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬والربيع‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬تحديداً‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬سلبية‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬تجاه‭ ‬المسلمين‭ ‬بسبب‭ ‬الإعلام‭ ‬والتصريحات‭ ‬السياسية‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬عنصرية‭ ‬تجاه‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬الإسلاموفوبيا،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أكد‭ ‬وعزز‭ ‬نظرية‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يتبناه‭ ‬الغرب‭ ‬تجاه‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭.‬

الصراع‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬صراع‭ ‬له‭ ‬أبعاد‭ ‬دينية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬والمسجد‭ ‬الاقصى،‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان‭ ‬صراع‭ ‬ديني،‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬اذربيجان‭ ‬وارمينيا‭ ‬صراع‭ ‬ديني،‭ ‬القتل‭ ‬والتنكيل‭ ‬بشعب‭ ‬الروهينجا‭ ‬في‭ ‬ميانمار‭ ‬صراع‭ ‬ديني،‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك‭ ‬صراع‭ ‬ديني،‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬تستعر‭ ‬نيرانها‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬هي‭ ‬صراعات‭ ‬حضارية‭ ‬ثقافية،‭ ‬هكذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نُسمي‭ ‬الاسماء‭ ‬بمسمياتها‭ ‬الحقيقية،‭ ‬اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الصدامات‭ ‬أصبحت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬أكثر‭ ‬توتراً‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هناك‭ ‬وعي‭ ‬متزايد‭ ‬وحوارات‭ ‬ثقافية‭ ‬ومحاولات‭ ‬لفهم‭ ‬أعمق‭ ‬للطرفين،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬الإعلام‭ ‬والخطابات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تحرف‭ ‬صورة‭ ‬الآخر‭.‬

على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المفكر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأمريكي‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مغايرة‭ ‬لنظرية‭ ‬صامويل‭ ‬هنتنجتون،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬ليست‭ ‬صراعا‭ ‬أو‭ ‬صدام‭ ‬حضارات‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬جهل‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬كتب‭ ‬مقالا‭ ‬بعنوان‭: ‬صراع‭ ‬الجهل‭ ‬The‭ ‬Clash‭ ‬of‭ ‬Ignorance‭ ‬سنة‭ ‬2001،‭ ‬ونُشر‭ ‬في‭ ‬مجلةThe‭ ‬Nation‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬ذكر‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬نظرية‭ ‬صدام‭ ‬الحضارات‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الحضارات‭ ‬كأنها‭ ‬جدران‭ ‬سميكة‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬ولا‭ ‬تتغير،‭ ‬وكأن‭ ‬جميع‭ ‬المسلمين‭ ‬متشابهون‭ ‬وكل‭ ‬الغربيين‭ ‬نسخة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭.‬

ويذهب‭ ‬سعيد‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬متنوع‭ ‬بشكل‭ ‬رهيب‭ ‬وينحدر‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬ثقافات‭ ‬واعراق‭ ‬مختلفة‭ ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬له‭ ‬ثقافته‭ ‬وتاريخه‭ ‬وحتى‭ ‬فهمه‭ ‬الخاص‭ ‬للإسلام،‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الإسلام‭ ‬ضد‭ ‬الغرب‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شعب‭ ‬إسلامي‭ ‬واحد‭ ‬أي‭ ‬ذات‭ ‬ثقافة‭ ‬واحدة،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬غرب‭ ‬واحد،‭ ‬إذاً‭ ‬فالجهل‭ ‬المتبادل‭ ‬هو‭ ‬المشكلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬الشعوب‭ ‬وهي‭ ‬أساس‭ ‬الصدام‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬فالغرب‭ ‬يجهل‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬والإعلام‭ ‬يصوّرهم‭ ‬كأنهم‭ ‬متطرفون‭ ‬كلهم،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬يجهلون‭ ‬الغرب‭ ‬ويرون‭ ‬ممارساته‭ ‬العدائية‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬والنتيجة‭ ‬خوف‭ ‬وكراهية‭ ‬وحروب‭ ‬والضحية‭ ‬دائماً‭ ‬الشعوب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا