العدد : ١٧٢٣٢ - الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٢ - الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الصدِّيق.. والعفو العام!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٥ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

‏يقول‭ ‬تعالى‭: (‬نحن‭ ‬نقص‭ ‬عليك‭ ‬أحسن‭ ‬القصص‭ ‬بما‭ ‬أوحينا‭ ‬إليك‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬لمن‭ ‬الغافلين‭) ‬يوسف‭ / ‬3‭.‬

هذه‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬تؤكد‭ ‬أولًا‭ ‬أنها‭ ‬قصصا‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬القصص،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬شبه‭ ‬بالقصص‭ ‬التي‭ ‬يكتبها‭ ‬البشر،‭ ‬والفرق‭ ‬هو‭ ‬بوصف‭ ‬قصص‭ ‬القرآن‭ ‬بأنها‭ ‬أحسن‭ ‬القصص‭ ‬هذا‭ ‬أولًا،‭ ‬وثانيًا‭ ‬لأن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬قَصَّ‭ ‬‮«‬هي‭ ‬اتباع‭ ‬للأثر،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬حديثًا‭ ‬مفترى،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حقائق‭ ‬لا‭ ‬أوهام،‭ ‬وجاء‭ ‬هذا‭ ‬التأكيد‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وهذه‭ ‬القصص‭ ‬بمثابة‭ ‬الميزان‭ ‬الذي‭ ‬توزن‭ ‬به‭ ‬الأخبار‭ ‬والأنباء،‭ ‬فإذا‭ ‬اختلف‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬من‭ ‬الأخبار،‭ ‬أو‭ ‬نبأ‭ ‬من‭ ‬الأنباء‭ ‬نجد‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يسارع‭ ‬إلى‭ ‬حسم‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬أهل‭ ‬الكهف،‭ ‬وما‭ ‬دار‭ ‬حولهم‭ ‬من‭ ‬خلاف‭: (‬نحن‭ ‬نقص‭ ‬عليك‭ ‬نبأهم‭ ‬بالحق‭ ‬إنهم‭ ‬فتية‭ ‬آمنوا‭ ‬بربهم‭ ‬وزدناهم‭ ‬هدى‭ (‬13‭) ‬وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭ ‬إذ‭ ‬قاموا‭ ‬فقالوا‭ ‬ربنا‭ ‬رب‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭ ‬لن‭ ‬ندعو‭ ‬من‭ ‬دونه‭ ‬إلهًا‭ ‬لقد‭ ‬قلنا‭ ‬إذًا‭ ‬شططا‭ ‬14‭)) ‬سورة‭ ‬الكهف‭).‬

إذًا،‭ ‬فالقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ ‬معجزة‭ ‬تؤكد‭ ‬صدق‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬بلاغه‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فهو‭ ‬أيضًا‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬سجل‭ ‬حافل‭ ‬بقصص‭ ‬الأولين،‭ ‬وأنبيائهم‭ ‬مع‭ ‬أقوامهم،‭ ‬وكذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬إشارات‭ ‬علمية‭ ‬من‭ ‬تدبرها،‭ ‬و‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬استنطاق‭ ‬النصوص‭ ‬القرآنية‭ ‬بحثًا‭ ‬عنها‭ ‬فسيجدها‭ ‬في‭ ‬مظانها،‭ ‬لهذا‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬وهو‭ ‬يوجِّه‭ ‬خطابه‭ ‬إلى‭ ‬المؤمنين‭ ‬الذين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بألوهية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬المعجزة،‭ ‬فإنه‭ ‬وحي‭ ‬أنزله‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬رسله‭ ‬وخاتمهم‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬ولقد‭ ‬تناولت‭ ‬سورة‭ ‬يوسف‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭: ‬قصة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬مع‭ ‬إخوته،‭ ‬وكيف‭ ‬كادوا‭ ‬له‭ ‬ليبعدوه‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬اهتمام‭ ‬أبيهم،‭ ‬وما‭ ‬جرى‭ ‬منهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬غيرتهم‭ ‬من‭ ‬أخيهم،‭ ‬وكيف‭ ‬حاولوا‭ ‬التخلص‭ ‬منه،‭ ‬وحرصهم‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬سلامته،‭ ‬ورجاؤهم‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬له‭ ‬السلامة‭ ‬على‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬بعيدًا‭ ‬عنهم،‭ ‬وذلك‭ ‬لينالوا‭ ‬حظهم‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬أبيهم‭ ‬ورعايته‭ ‬وحبه،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬تنبيه‭ ‬إلى‭ ‬الآباء‭ ‬ألا‭ ‬يبالغوا‭ ‬في‭ ‬تفضيل‭ ‬بعض‭ ‬الأبناء‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأبناء‭ ‬الآخرين‭ ‬لأن‭ ‬الآباء‭ ‬حريصون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأبناء‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬بهم،‭ ‬وهذه‭ ‬كانت‭ ‬نصيحة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬الصحابة‭ ‬عندما‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يهب‭ ‬أحد‭ ‬أبنائه‭ ‬دون‭ ‬الآخرين،‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬أتحب‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬برهم‭ ‬بك‭ ‬سواء‭ ‬؟‭ ! ‬قال‭: ‬أجل‭ ! ‬قال‭ ‬له‭: ‬إذن‭ ‬ساو‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬العطية‭!.‬

وسورة‭ ‬يوسف‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬قصص‭ ‬القرآن‭ ‬حق،‭ ‬فهي‭ ‬القصة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المتكاملة‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬النهاية،‭ ‬ولقد‭ ‬تناولت‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭: ‬أخباره‭ ‬هو‭ ‬وإخوته،‭ ‬وما‭ ‬جرى‭ ‬منهم،‭ ‬وكيف‭ ‬حاولوا‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬وسيلة،‭ ‬والغيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشوب‭ ‬علاقتهم‭ ‬به،‭ ‬ثم‭ ‬تحدثت‭ ‬السورة‭ ‬عن‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬أمر‭ ‬يوسف‭ ‬وإخوته،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العزيز،‭ ‬والمحاولات‭ ‬اليائسة‭ ‬من‭ ‬زوج‭ ‬العزيز‭ ‬والنسوة‭ ‬اللواتي‭ ‬استنكرن‭ ‬عليها‭ ‬فعلها،‭ ‬ثم‭ ‬دور‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬يوسف،‭ ‬وكيف‭ ‬حَلَّ‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العزيز،‭ ‬وقصة‭ ‬السبع‭ ‬بقرات‭ ‬السمان،‭ ‬والسبع‭ ‬بقرات‭ ‬الـعجاف‭.‬

وتعرضت‭ ‬السورة‭ ‬إلى‭ ‬الرؤيا‭ ‬التي‭ ‬رآها‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬والتي‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬وأخلاق‭ ‬كشفت‭ ‬المستور‭ ‬من‭ ‬عزم‭ ‬إخوة‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬الخلاص‭ ‬منه‭ ‬لما‭ ‬رأوا‭ ‬من‭ ‬تفضيل‭ ‬أبيهم‭ ‬يعقوب‭ ‬ليوسف،‭ ‬فطلبوا‭ ‬من‭ ‬أبيهم‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لهم‭ ‬بأخذ‭ ‬أخيهم‭ ‬ليلعب‭ ‬ويرتع‭ ‬معهم،‭ ‬ورغم‭ ‬الوساوس‭ ‬التي‭ ‬انتابت‭ ‬يعقوب‭ ‬لكنه‭ ‬استجاب‭ ‬لهم،‭ ‬واستمرت‭ ‬آيات‭ ‬السورة‭ ‬تروي‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬يوسف‭.‬

ثم‭ ‬كشف‭ ‬إخوة‭ ‬يوسف‭ ‬عن‭ ‬نيتهم‭ ‬بإلقائه‭ ‬في‭ ‬الجب،‭ ‬وكانوا‭ ‬يتمنون‭ ‬له‭ ‬السلامة‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفوسهم،‭ ‬ولقد‭ ‬تحقق‭ ‬لهم‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬جاءت‭ ‬سيارة‭-‬أي‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬المسافرين‭- ‬فأنقذوه‭ ‬من‭ ‬الموت،‭ ‬وباعوه‭ ‬بثمن‭ ‬بخس‭ ‬دراهم‭ ‬معدودة‭ ‬وكانوا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الزاهدين‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬السورة‭.‬

واستمرت‭ ‬السورة‭ ‬تخبرنا‭ ‬عما‭ ‬جرى‭ ‬ليوسف،‭ ‬ودخوله‭ ‬السجن‭ ‬رغم‭ ‬براءته‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬العزيز‭ ‬نفسه‭ ‬لكن‭ ‬العزيز‭ ‬رأى‭ ‬من‭ ‬المصلحة،‭ ‬وقطعًا‭ ‬للألسنة‭ ‬أن‭ ‬يغيب‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬رغم‭ ‬براءته‭.‬

ومع‭ ‬اعتراف‭ ‬العزيز‭ ‬ببراءة‭ ‬يوسف‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستعمله‭ ‬أمينًا‭ ‬على‭ ‬خزائن‭ ‬مصر،‭ ‬وطلب‭ ‬أن‭ ‬يحضروه‭ ‬إليه‭ ‬لكن‭ ‬يوسف‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬بعفو‭ ‬عام‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬متهمًا‭ ‬حتى‭ ‬أقر‭ ‬العزيز‭ ‬ببراءته‭ ‬حين‭ ‬أقرت‭ ‬امرأة‭ ‬العزيز‭ ‬والنسوة‭ ‬ببراءته،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وقال‭ ‬الملك‭ ‬ائتوني‭ ‬به‭ ‬فلما‭ ‬جاءه‭ ‬الرسول‭ ‬قال‭ ‬ارجع‭ ‬إلى‭ ‬ربك‭ ‬فاسأله‭ ‬ما‭ ‬بال‭ ‬النسوة‭ ‬اللاتي‭ ‬قطعن‭ ‬أيديهن‭ ‬إن‭ ‬ربي‭ ‬بكيدهن‭ ‬عليم‭) ‬يوسف‭ / ‬50‭. ‬ولما‭ ‬سأل‭ ‬العزيز‭ ‬النسوة‭ ‬وقصتهم‭ ‬مع‭ ‬يوسف‭ ‬اعترفوا‭ ‬ببراءته،‭ ‬وخرج‭ ‬بريئًا‭ ‬مما‭ ‬اتهموه‭ ‬به‭ ‬ولم‭ ‬يخرج‭ ‬بالعفو‭ ‬العام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتمناه‭ ‬يوسف‭ ‬ويرجوه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعيروه‭ ‬بتهمة‭ ‬هو‭ ‬بريء‭ ‬منها‭.‬

وهذا‭ ‬بعض‭ ‬عطاءات‭ ‬سورة‭ ‬يوسف،‭ ‬وما‭ ‬نجنيه‭ ‬من‭ ‬تدبر‭ ‬آياتها،‭ ‬والغوص‭ ‬في‭ ‬نصوصها‭ ‬الدينية‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬فيها‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬التدبر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا