يقول تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) يوسف / 3.
هذه الآية الجليلة تؤكد أولًا أنها قصصا مختلفة عن غيرها من القصص، وإن كان هناك شبه بالقصص التي يكتبها البشر، والفرق هو بوصف قصص القرآن بأنها أحسن القصص هذا أولًا، وثانيًا لأن كلمة «قَصَّ «هي اتباع للأثر، وأنه ليس حديثًا مفترى، بل هي حقائق لا أوهام، وجاء هذا التأكيد في قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وهذه القصص بمثابة الميزان الذي توزن به الأخبار والأنباء، فإذا اختلف الناس في خبر من الأخبار، أو نبأ من الأنباء نجد القرآن الكريم يسارع إلى حسم هذا الخلاف، يقول تعالى عن قصة أهل الكهف، وما دار حولهم من خلاف: (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13) وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذًا شططا 14)) سورة الكهف).
إذًا، فالقرآن الكريم إضافة إلى كونه معجزة تؤكد صدق رسول الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه في بلاغه عن الله تعالى، فهو أيضًا وفي نفس الوقت سجل حافل بقصص الأولين، وأنبيائهم مع أقوامهم، وكذلك نجد أن في القرآن إشارات علمية من تدبرها، و حرص على استنطاق النصوص القرآنية بحثًا عنها فسيجدها في مظانها، لهذا قال تعالى وهو يوجِّه خطابه إلى المؤمنين الذين يؤمنون بألوهية هذا الكتاب المعجزة، فإنه وحي أنزله الله تعالى على آخر رسله وخاتمهم محمد (صلى الله عليه وسلم) ولقد تناولت سورة يوسف قضايا كثيرة مثل: قصة نبي الله يوسف مع إخوته، وكيف كادوا له ليبعدوه عن دائرة اهتمام أبيهم، وما جرى منهم بعد ذلك بسبب غيرتهم من أخيهم، وكيف حاولوا التخلص منه، وحرصهم الشديد في نفس الوقت على سلامته، ورجاؤهم في ذات الوقت أن تكتب له السلامة على يكون ذلك بعيدًا عنهم، وذلك لينالوا حظهم من اهتمام أبيهم ورعايته وحبه، وفي هذا تنبيه إلى الآباء ألا يبالغوا في تفضيل بعض الأبناء على حساب الأبناء الآخرين لأن الآباء حريصون على أن يكون الأبناء سواء في البر بهم، وهذه كانت نصيحة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى أحد الصحابة عندما أراد أن يهب أحد أبنائه دون الآخرين، قال له: أتحب أن يكونوا في برهم بك سواء ؟ ! قال: أجل ! قال له: إذن ساو بينهم في العطية!.
وسورة يوسف التي أكدت أن قصص القرآن حق، فهي القصة الوحيدة المتكاملة من البداية إلى النهاية، ولقد تناولت قضايا كثيرة مثل: أخباره هو وإخوته، وما جرى منهم، وكيف حاولوا التخلص منه بأكثر من وسيلة، والغيرة التي كانت تشوب علاقتهم به، ثم تحدثت السورة عن المصير الذي آل إليه أمر يوسف وإخوته، ثم ما جرى له في بيت العزيز، والمحاولات اليائسة من زوج العزيز والنسوة اللواتي استنكرن عليها فعلها، ثم دور نبي الله يوسف، وكيف حَلَّ الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها مصر في زمن العزيز، وقصة السبع بقرات السمان، والسبع بقرات الـعجاف.
وتعرضت السورة إلى الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام، والتي فتحت الباب على قيم وأخلاق كشفت المستور من عزم إخوة يوسف في الخلاص منه لما رأوا من تفضيل أبيهم يعقوب ليوسف، فطلبوا من أبيهم أن يسمح لهم بأخذ أخيهم ليلعب ويرتع معهم، ورغم الوساوس التي انتابت يعقوب لكنه استجاب لهم، واستمرت آيات السورة تروي الأحداث التي تعرض لها يوسف.
ثم كشف إخوة يوسف عن نيتهم بإلقائه في الجب، وكانوا يتمنون له السلامة في قرارة نفوسهم، ولقد تحقق لهم ذلك حين جاءت سيارة-أي جماعة من المسافرين- فأنقذوه من الموت، وباعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين كما قالت السورة.
واستمرت السورة تخبرنا عما جرى ليوسف، ودخوله السجن رغم براءته التي أعلنها العزيز نفسه لكن العزيز رأى من المصلحة، وقطعًا للألسنة أن يغيب يوسف في السجن رغم براءته.
ومع اعتراف العزيز ببراءة يوسف إلا أن هذا لم يمنعه من أن يستعمله أمينًا على خزائن مصر، وطلب أن يحضروه إليه لكن يوسف رفض أن يخرج بعفو عام لأن هذا يعني أنه لا يزال متهمًا حتى أقر العزيز ببراءته حين أقرت امرأة العزيز والنسوة ببراءته، يقول تعالى: (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) يوسف / 50. ولما سأل العزيز النسوة وقصتهم مع يوسف اعترفوا ببراءته، وخرج بريئًا مما اتهموه به ولم يخرج بالعفو العام، وهذا ما كان يتمناه يوسف ويرجوه حتى لا يعيروه بتهمة هو بريء منها.
وهذا بعض عطاءات سورة يوسف، وما نجنيه من تدبر آياتها، والغوص في نصوصها الدينية شريطة أن تكون هذه القراءة فيها شيء من التدبر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك