لا بد أن المتابعين للسياسات والتطورات السياسية في كل من فلسطين وإسرائيل يندهشون وهم يرون مدى انفصال التكتيكات التي تستخدمها السلطات الحاكمة عن الغايات المرجو تحقيقها.
ولا بد أن المتابعين سوف يحتارون وهم يرون أيضاً كيف أن هوس بعض الزعماء والحركات بمسارهم الخاطئ يصرف انتباههم بينما يقودون أنفسهم وأتباعهم إلى الهاوية بشكل خطير.
ومع التركيز تحديدًا على تكتيكات وسلوكيات حركة حماس وإسرائيل، تتبادر إلى الذهن ثلاث قصص من تقاليد دينية مختلفة. ورغم أنها ليست جزءًا من نصوصها المقدسة، إلا أن الدروس العملية المستفادة منها جديرة بالتأمل.
أولاً، هناك حكاية بوذية قديمة رائعة تحكي ما يلي: في أحد الأيام، اقتربت مجموعة من التلاميذ من بوذا طالبين منه أن يدلهم على الطريق إلى القمر. أشار بوذا إليه بصمت، وبعد سنوات، كان التلاميذ لا يزالون يدرسون إصبع بوذا.
الدرس البسيط هو ألا تُصبح مهووسًا بما يُفترض أن يُساعدك في الوصول إلى هدفك، أو أن تُشتت انتباهك به، لدرجة أن تغفل الهدف نفسه. فالأمر يتعلق بالربط بين الوسائل والغايات، وليس الخلط بينهما.
فعلى سبيل المثال، أعلنت حركة حماس في بداية الأمر أن هدفها الأساسي يتمثل في العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، في حين أعلنت إسرائيل أن هدفها الأساسي هو تحقيق السلام والأمن لشعبها.
وبعد عقود من الزمن وإزهاق أرواح كثيرة، أصبحت تكتيكات حماس وحروب إسرائيل غايات في حد ذاتها، حيث تم نسيان الأهداف النهائية الآن – ولم يتم إيلاء أي اهتمام لما إذا كانت سلوكيات حماس أو إسرائيل تحقق أي شيء آخر غير تحريك الأهداف التي سعوا إليها في السابق بعيدًا عن التحقق.
وعلى نفس المنوال، هناك حكاية قديمة أخرى تتعلق بحاخام كان قد أنهى تعليمه في بلدة وكان في طريقه إلى بلدة أخرى، فأدرك أنه لم يكن متأكدًا من الطريق الذي يجب أن يسلكه.
وبينما كان يغادر المدينة، رأى صبيًا صغيرًا فسأله عن كيفية الوصول إلى وجهته التالية. أجاب الصبي: «هناك طريق قصير يمر عبر الغابة. المدينة على الجانب الآخر. أو هناك طريق طويل يمر عبر الغابة. لكن...».
ولأن الوقت كان متأخرًا، وبدلًا من انتظار الصبي لينتهي، فقد الحاخام صبره، وقطع عليه الطريق، وانطلق إلى الغابة. حلّ الليل، وضاع الحاخام تمامًا.
وعندما خرج من الغابة صباحًا وجد نفسه في نفس المكان الذي كان فيه الليلة الماضية، والصبي نفسه يلعب في نفس المكان. صرخ في الصبي قائلًا: «توجيهاتك كانت بلا فائدة».
أجاب الصبي: «لم تدعني أكمل. كنت على وشك أن أخبرك أن الذهاب إلى الغابة هو الطريق الأقصر، ولكن بسبب كثافة الغابة وحلول الظلام، خشيت أن تضيع، فيصبح هذا هو الطريق الأطول. لكن التجول في الغابة، مع أنه الطريق الأطول، كان في النهاية هو الطريق الأقصر».
خلاصة الأمر، إن مجرد معرفة المكان الذي تريد الذهاب إليه أو ما تريد تحقيقه ليس كافيًا دائمًا. فالتكتيكات التي تستخدمها أو المسار الذي تسلكه مهم. فكما أن التركيز على من يشير إليك لن يوصلك إلى القمر، فإن تجاهل جدوى الخطوات التي يجب عليك اتخاذها للوصول إلى هدفك أمر مهم أيضًا.
يجب أن يكون هناك رابط بين هدفك ومسارك – لا يوجد طريق مختصر. عندما ينتهي بك الأمر إلى استبدال أعداد القتلى والمباني المدمرة والغضب والخوف بالأهداف الأصلية المتمثلة في إنهاء الاحتلال أو تحقيق السلام والأمن لشعبك، فإنك تجد نفسك تائها في الغابة وتنتهي إلى حيث بدأت، وتحتاج إلى البدء من جديد.
هناك أيضا قصة مأخوذة من التراث الهندي، وهي تذكر أنه في أحد الأيام، صادف أربعة أشخاص ضريرين فيلًا فبادر أحدهم بالسؤال: «ما هذا؟» فأجاب أحدهم، ممسكًا بذيل الفيل: «أعتقد أنه حبل».
قال آخر، وهو يحيط بساق الفيل: «لا، أعتقد أنها شجرة». وأعلن آخر، وهو يتحسس جانب الفيل الضخم: «لا، إنها بالتأكيد صخرة كبيرة وناعمة». وأعلن الرجل الضرير الرابع، وهو يفرك يده على ناب الفيل: «ليس أيًا من هذه الأشياء. إنه أشبه بسلاح طويل منحني».
الجواب بالطبع هو أن الفيل ليس واحدًا منهم. بل هو جميعهم، إن صح التعبير. في هذا الصدد، تُعدّ هذه الحكاية تحريفًا للمثل القديم الذي يُحذّر من خطر «إضاعة الغابة من أجل الأشجار».
وعندما ننظر إلى الواقع المعقد، من المهم ألا نصبح مهووسين بجانب واحد من الوضع إلى حد استبعاد الكل.
ينطبق الأمر على إسرائيل بشكل خاص. فمنذ تأسيس مشروعها في فلسطين، كانت لديها رؤيةٌ قاصرةٌ للواقع، حيث اعتبرت النكبة وإقامة الدولة انتصارات، لكنها تجاهلت العداء الذي خلقته تلك الأحداث.
إن الإسرائيليين لا يرون إلا ما يريدون رؤيته. فبعد تدمير قطاع غزة، ها هم يوجهون اهتمامهم الآن إلى عمليات الإخلاء القسري ومصادرة الأراضي المتزايدة في الضفة الغربية.
لكن الإسرائيليين يتجاهلون طوال الوقت حقيقة أن الفيل ليس مجرد ذيل أو ساق. وهكذا، بينما يُحققون انتصارات صغيرة، يتزايد الغضب الذي يثيرونه، مخلفًا عواقب وخيمة. في كل فترة، أسفرت الوسائل التي استخدموها عن آلاف القتلى – من شعبهم ومن ضحاياهم الفلسطينيين.
وقد أدى تراكم قصر النظر القاتل هذا إلى مزيد من الغضب الفلسطيني والعربي، كما أفضى إلى مزيد من انعدام الأمن وتشويهٍ قبيحٍ لثقافتهم السياسية. فالعبرة إذا هو أن التركيز فقط على الذيل أو الساق قد يُؤدي إلى نتائج وخيمة.
إن الدروس المستفادة من هذه القصص الثلاث واضحة: التكتيكات ليست غاية في حد ذاتها، بل يجب أن تؤدي إلى الهدف المنشود. وإذا لم تفعل ذلك لتجنب الكارثة فالتغيير في المسار يصبح ضروريا.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك