العدد : ١٧٢٣١ - الثلاثاء ٢٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣١ - الثلاثاء ٢٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

نحن لنا الله فحسب

نعم‭ ‬حسبنا‭ ‬الله‭ ‬ونعم‭ ‬الوكيل،‭ ‬وما‭ ‬علينا‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬نصبر‭ ‬ونحتسب،‭ ‬ونحن‭ ‬نعاني‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬وننتظر‭ ‬الأجر‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭. ‬فانظر‭ ‬يا‭ ‬هداك‭ ‬الله،‭ ‬حالك‭ ‬مع‭ ‬حال‭ ‬الحيوانات‭ ‬البرية‭ ‬في‭ ‬‮«‬بلاد‭ ‬الكفر‮»‬‭. ‬حيث‭ ‬يواجه‭ ‬البريطانيون‭ ‬حرجا‭ ‬بالغا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬جمعية‭ ‬‮«‬بورن‭ ‬فري‮»‬‭ ‬وتعني‭ ‬‮«‬وُلِد‭ ‬حُرا‮»‬،‭ ‬بنشر‭ ‬تقرير‭ ‬يكشف‭ ‬مدى‭ ‬قسوة‭ ‬قلوبهم،‭ ‬وهذه‭ ‬الجمعية‭ ‬معنية‭ ‬أساسا‭ ‬بحقوق‭ ‬الحيوانات‭ ‬المحتجزة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بحدائق‭ ‬الحيوان،‭ ‬فبعد‭ ‬رصد‭ ‬للأوضاع‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحدائق‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬لاحظت‭ ‬الجمعية‭ ‬ان‭ ‬معظم‭ ‬الحيوانات‭ ‬تقضي‭ ‬يومها‭ ‬وهي‭ ‬تروح‭ ‬وتجيء‭ ‬في‭ ‬حظائرها،‭ ‬وهي‭ ‬متجهمة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬انها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الملل‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬وأن‭ ‬القرود‭ ‬والشمبانزي‭- ‬وهي‭ ‬عندهم‭ ‬أجدادهم‭- ‬تقضي‭ ‬وقتها‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬تفلِّي‮»‬‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬القمل‭ ‬والبق،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬يعني‭ ‬لا‭ ‬تلفزيون‭ ‬ولا‭ ‬بلاي‭ ‬ستيشن‭ ‬ولا‭ ‬واتساب‭ ‬ولا‭ ‬زوم‭. ‬والطعام‭ ‬المكرر‭ ‬والممل‭: ‬علف‭ ‬للحيوانات‭ ‬النباتية‭ ‬ولحوم‭ ‬عادية‭ ‬غير‭ ‬مطبوخة‭ (‬ييع‭) ‬لآكلات‭ ‬اللحوم‭. ‬يعني‭ ‬لا‭ ‬بيرغر‭ ‬ولا‭ ‬بيتزا‭ ‬ولا‭ ‬آيسكريم‭ ‬لا‭ ‬أليز‭ ‬مظر‭ (‬أم‭ ‬علي‭)!! ‬واكتشفت‭ ‬الجمعية‭ ‬ان‭ ‬معظم‭ ‬حدائق‭ ‬الحيوان‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬تخالف‭ ‬الميثاق‭ ‬الأوربي‭ ‬لرعاية‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬الأَسر،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬سكن‭ ‬لائق‭ ‬لها،‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بممارسة‭ ‬سلوكها‭ ‬الطبيعي‭!! ‬كما‭ ‬لاحظت‭ ‬ان‭ ‬فرس‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬لندن‭ ‬الشهيرة‭ ‬يسير‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬منتظمة‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الزهج‭ ‬والقرف‭! ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وتقديرا‭ ‬لظروف‭ ‬الحيوانات‭ ‬قمنا‭ ‬بإزالة‭ ‬حديقة‭ ‬الحيوان‭ ‬وبعنا‭ ‬موقعها‭ ‬للمستثمرين‭ ‬العقاريين،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬البلد‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬الذي‭ ‬ليست‭ ‬به‭ ‬حديقة‭ ‬للحيوان‭ ‬عليها‭ ‬القيمة‭ ‬يلف‭ ‬ويدور‭ ‬فيها‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬او‭ ‬حول‭ ‬غيره،‭ ‬وبذلك‭ ‬‮«‬طلعنا‮»‬‭ ‬من‭ ‬اللوم‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬أثبتنا‭ ‬أننا‭ ‬نحترم‭ ‬حقوق‭ ‬الحيوان‭ ‬في‭ ‬التجول‭ ‬والترفيه‭ ‬والتناسل‭ ‬وتركناها‭ ‬في‭ ‬غاباتها‭! ‬وقبل‭ ‬سنوات‭ ‬كانت‭ ‬قضية‭ ‬الساعة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬هي‭ ‬القرنتية‭ ‬وهو‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬يطلقه‭ ‬السودانيون‭ ‬على‭ ‬فرس‭ ‬النهر‭ ‬فقد‭ ‬ضلت‭ ‬قرنتية‭ ‬وصغارها‭ ‬طريقها‭ ‬من‭ ‬أدغال‭ ‬وسط‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وجنوب‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الغباء،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تنتبه‭ ‬وهي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬السودان‭ ‬الى‭ ‬حركة‭ ‬الملاحة‭ ‬النشطة‭ ‬في‭ ‬النيل‭ ‬الأبيض،‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬حواسها‭ ‬لتعرف‭ ‬أنها‭ ‬ابتعدت‭ ‬عن‭ ‬موطنها‭ ‬شِبه‭ ‬الاستوائي‭. ‬وكعادتها‭ ‬فقد‭ ‬عبثت‭ ‬القرنتية‭ ‬بالمزارع‭ ‬واهلكت‭ ‬المحاصيل‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها،‭ ‬فتم‭ ‬نصب‭ ‬كمين‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حفرة‭ ‬مغطاة‭ ‬بحشائش‭ ‬سال‭ ‬لها‭ ‬لعاب‭ ‬القرنتية‭ ‬الغبية‭ ‬فهجمت‭ ‬على‭ ‬الحشائش‭ ‬وسقطت‭ ‬في‭ ‬الحفرة،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تختلف‭ ‬الروايات‭ ‬حول‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬لاقت‭ ‬بها‭ ‬حتفها،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬قوات‭ ‬الشرطة‭ ‬أعدمتها‭ ‬رميا‭ ‬بالرصاص‭ ‬وأكلت‭ ‬لحمها،‭ ‬ظنا‭ ‬منها‭ ‬أنها‭ ‬عضو‭ ‬نشط‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬مكلف‭ ‬بتخريب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوداني،‭ ‬ولم‭ ‬تنكر‭ ‬الحكومة‭ ‬ذلك‭ ‬وبررت‭ ‬الإعدام‭ ‬بأن‭ ‬القرنتية‭ ‬كانت‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬حركات‭ ‬التمرد،‭ ‬وقدمت‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم‭ ‬لقلب‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬تجسس،‭ ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬بعنف‭.‬

والحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬جمعية‭ ‬بورن‭ ‬فري‭ ‬لم‭ ‬يبلغها‭ ‬خبر‭ ‬القرنتية‭ ‬تلك،‭ ‬وإلا‭ ‬لطالبت‭ ‬بفرض‭ ‬حظر‭ ‬برمائي‭ ‬على‭ ‬السودان،‭ ‬وقد‭ ‬خلد‭ ‬الشاعر‭ ‬السوداني‭ ‬الفذ‭ ‬هاشم‭ ‬صديق‭ ‬القرنتية‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬جميلة‭ ‬حافلة‭ ‬بالرمز‭ ‬تم‭ ‬تداولها‭ ‬عبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬السودانية‭ ‬على‭ ‬الانترنت،‭ ‬بعد‭ ‬منع‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬السودانية‭!‬

تخيل‭ ‬ان‭ ‬جمعية‭ ‬بورن‭ ‬فري‭ ‬جاءت‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لتكتب‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬الحظائر‭ ‬البشرية‭: ‬آدميون‭ ‬يلفون‭ ‬ويدورون‭ ‬حول‭ ‬أنفسهم‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬العمر‭ ‬ولا‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬أنفسهم‭ ‬شيئا‭!! ‬أما‭ ‬عن‭ ‬السكن‭ ‬اللائق‭ ‬فحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭!! ‬أمة‭ ‬بأكملها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الاكتئاب‭ ‬الوبائي‭ ‬والإمساك‭ ‬والبواسير‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬انعدام‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭! ‬ولا‭ ‬جمعية‭ ‬تطالب‭ ‬بفتح‭ ‬الحظائر‭! ‬وما‭ ‬لنا‭ ‬سوى‭ ‬الله‭ ‬نصيرا‭ ‬وسنداً‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا