العدد : ١٧٢٢٩ - الأحد ٢٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٩ - الأحد ٢٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

في ذم المتغطرسين

كثيرون‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أنهم‭ ‬لن‭ ‬يخرقوا‭ ‬الأرض‭ ‬ولن‭ ‬يبلغوا‭ ‬الجبال‭ ‬طولا،‭ ‬ويمارسون‭ ‬الاستعلاء‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬إحساسهم‭ ‬بأنهم‭ ‬أعلى‭ ‬شأنا‭ ‬من‭ ‬الآخرين،‭ ‬وشخصيا‭ ‬يستفزني‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬شايف‭ ‬حاله‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬المتغطرس‭ ‬المتعنطز‭ ‬الذي‭ ‬يتصرف‭ ‬كأن‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬يخلق‭ ‬له‭ ‬مثيلا‭ ‬او‭ ‬شبيها،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬حوله‭ ‬أقلّ‭ ‬منه‭ ‬شأنا‭. ‬ومعظم‭ ‬اللي‭ ‬شايفين‭ ‬حالهم،‭ ‬ممن‭ ‬يسمون‭ ‬بالمشاهير‭ ‬او‭ ‬يفترضون‭ ‬انهم‭ ‬مشاهير،‭ ‬فترى‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬فاشخا‭ ‬فمه‭ ‬بابتسامة‭ ‬بلهاء‭ ‬لأنه‭ ‬يحسب‭ ‬ان‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬يتطلعون‭ ‬إليه‭. ‬واستمتع‭ ‬كثيرا‭ ‬بجرح‭ ‬مشاعر‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬وكتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬بلدياتي‭ ‬الذي‭ ‬التقيت‭ ‬به‭ ‬صدفة‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬فراق،‭ ‬ووجدته‭ ‬منفوشا‭ ‬كالطاووس،‭ ‬ولا‭ ‬حديث‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬سياراته‭ ‬وسفراته‭ ‬وعلاقاته‭ ‬بالناس‭ ‬الكبار،‭ ‬فقررت‭ ‬أن‭ ‬أمسح‭ ‬مناخيره‭ ‬بالأرض‭ ‬ودعوت‭ ‬أصدقاء‭ ‬للطعام‭ ‬‮«‬على‭ ‬شرفه‮»‬‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬شعبي‭ ‬يعمل‭ ‬بلا‭ ‬ترخيص،‭ ‬ثم‭ ‬طفقت‭ ‬أحدثه‭ ‬عن‭ ‬ذكريات‭ ‬طفولتنا‭ ‬المشتركة‭ ‬وعن‭ ‬الأغنام‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نرعاها‭ ‬سويا،‭ ‬وهو‭ ‬يراوغ‭ ‬ليحدثني‭ ‬عن‭ ‬الأغنام‭ ‬في‭ ‬هولندا‭ ‬والأكلات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭!!‬

المهم،‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬رحلة‭ ‬جوية‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬القاهرة‭ ‬وجلس‭ ‬جواري‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬الترانزيت‭ ‬مطرب‭ ‬معروف‭ ‬وكان‭ ‬لديه‭ ‬إحساس‭ ‬بانه‭ ‬أسدى‭ ‬إليّ‭ ‬بذلك‭ ‬معروفا،‭ ‬وبداهة‭ ‬فانه‭ ‬لم‭ ‬يلق‭ ‬علي‭ ‬التحية‭ ‬بل‭ ‬أرسل‭ ‬بصره‭ ‬بعيدا‭ ‬يحيي‭ ‬به‭ ‬الجماهير،‭ ‬ويبتسم‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يمر‭ ‬به،‭ ‬فقررت‭ ‬ان‭ ‬اهبط‭ ‬به‭ ‬الى‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬وسألته‭: ‬وين‭ ‬شفتك‭ ‬من‭ ‬قبل؟‭ ‬شكلك‭ ‬مش‭ ‬غريب‭ ‬علي؟‭ ‬وكان‭ ‬رده‭ ‬صاعقا‭: ‬الأخ‭ ‬عربي؟‭ ‬كان‭ ‬يقصد‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬عربيا‭ ‬طالما‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬اعرفه،‭ ‬فتجاهلت‭ ‬سؤاله‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬ظللت‭ ‬اعمل‭ ‬ناقدا‭ ‬فنيا‭ ‬طوال‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ ‬وإنه‭ ‬‮«‬يخيل‮»‬‭ ‬إليّ‭ ‬أنني‭ ‬التقيت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عندئذ‭ ‬صوب‭ ‬نحوي‭ ‬نظرة‭ ‬خير‭ ‬منها‭ ‬البصق‭ ‬وانتقل‭ ‬الى‭ ‬كرسي‭ ‬آخر‭. ‬ولعله‭ ‬حسبني‭ ‬ناقدا‭ ‬فنيا‭ ‬ناشئا‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يتسلق‭ ‬ذرا‭ ‬المجد‭ ‬على‭ ‬كتفيه‭ ‬بينما‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬ثقافتي‭ ‬الفنية،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الغناء‭ ‬والطرب‭ ‬أتعس‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬ثقافتي‭ ‬الرياضية‭. ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬رياضة‭ ‬بدنية‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬الرياضيات‭.‬

ولعين‭ ‬السبب‭ ‬أعلاه‭ ‬فإنني‭ ‬أكره‭ ‬لوحة‭ ‬الموناليزا،‭ ‬وأكره‭ ‬المرأة‭ ‬المرسومة‭ ‬في‭ ‬اللوحة،‭ ‬أي‭ ‬الموناليزا‭ ‬نفسها،‭ ‬لأن‭ ‬نظراتها‭ ‬البلهاء‭ ‬وابتسامتها‭ ‬السخيفة‭ ‬تنمان‭ ‬عن‭ ‬غرور‭ ‬أبله،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كراديسها‭ ‬الضخمة‭ ‬تذكرني‭ ‬بمطربة‭-  ‬راقصة‭ ‬زلزالية‭ ‬اسطوانية‭ ‬الشكل‭ ‬العام‭. ‬وعندما‭ ‬مات‭ ‬كريستيان‭ ‬برنارد‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقي‭ ‬الأبيض‭ ‬الذي‭ ‬ذاع‭ ‬صيته‭ ‬كأول‭ ‬من‭ ‬أجرى‭ ‬جراحات‭ ‬زرع‭ ‬القلوب،‭ ‬لم‭ ‬أحس‭ ‬بأي‭ ‬أسى،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬ذاع‭ ‬صيته‭ ‬تحول‭ ‬برنارد‭ ‬الى‭ ‬شخص‭ ‬سمج‭ ‬وفج‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬فراش‭ ‬الى‭ ‬فراش،‭ ‬بدرجة‭ ‬انه‭ ‬رفض‭ ‬ان‭ ‬يلبي‭ ‬نداء‭ ‬امه‭ ‬بزيارتها‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬فراش‭ ‬الموت،‭ ‬وأهمل‭ ‬أمر‭ ‬عياله‭ ‬حتى‭ ‬انتحر‭ ‬ابنه‭ ‬البكر،‭ ‬ولأن‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬نرجسي‭ ‬ويعتقد‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬خلق‭ ‬بقية‭ ‬عباده‭ ‬ليمجدوه‭ ‬ويلمعوه،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬به‭ ‬السقوط‭ ‬انه‭ ‬قضى‭ ‬ليلة‭ ‬مع‭ ‬الممثلة‭ ‬الإيطالية‭ ‬المعروفة‭ ‬جينا‭ ‬لولو‭ ‬بريجيدا‭ ‬وطلب‭ ‬منها‭ ‬إيصاله‭ ‬إلى‭ ‬الفندق‭ ‬بسيارتها‭ ‬وهي‭ ‬بملابسها‭ ‬الداخلية‭ ‬فلما‭ ‬وافقت‭ ‬اتصل‭ ‬بالصحفيين‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهرها‭ ‬ليلتقطوا‭ ‬لهما‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أنه‭ ‬غزا‭ ‬قلب‭ ‬وفراش‭ ‬تلك‭ ‬الحيزبون،‭ ‬ولأن‭ ‬سهراته‭ ‬وتطلعاته‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬إمكانياته،‭ ‬فقد‭ ‬رضي‭ ‬لنفسه‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬رشاوى‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬العنصرية‭ (‬قبل‭ ‬انتزاع‭ ‬السود‭ ‬الحكم‭) ‬لتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬والحصار‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحكومة‭. ‬ورغم‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الثامنة‭ ‬والسبعين‭ ‬عند‭ ‬وفاته‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬طارئة‭ ‬مع‭ ‬فتاة‭ ‬نمساوية‭ ‬تصغره‭ ‬بخمس‭ ‬وخمسين‭ ‬سنة،‭ ‬وبلغ‭ ‬به‭ ‬السقوط‭ ‬انه‭ ‬قدم‭ ‬إعلانات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬عن‭ ‬عقار‭ ‬لإزالة‭ ‬التجاعيد‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يعرفه‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬العقار‭ ‬ضار‭ ‬بالصحة،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬بالفعل‭ ‬سحب‭ ‬العقار‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭.‬

ولو‭ ‬تواضع‭ ‬برنارد،‭ ‬كما‭ ‬يليق‭ ‬بجراح‭ ‬رائد‭ ‬لوجد‭ ‬من‭ ‬يذكر‭ ‬بعض‭ ‬محاسنه‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا