زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
في ذم المتغطرسين
كثيرون لا يعرفون أنهم لن يخرقوا الأرض ولن يبلغوا الجبال طولا، ويمارسون الاستعلاء على الآخرين، من منطلق إحساسهم بأنهم أعلى شأنا من الآخرين، وشخصيا يستفزني «اللي شايف حاله»، أي المتغطرس المتعنطز الذي يتصرف كأن الله لم يخلق له مثيلا او شبيها، وأن من هم حوله أقلّ منه شأنا. ومعظم اللي شايفين حالهم، ممن يسمون بالمشاهير او يفترضون انهم مشاهير، فترى الواحد منهم فاشخا فمه بابتسامة بلهاء لأنه يحسب ان جميع من حوله يتطلعون إليه. واستمتع كثيرا بجرح مشاعر هذا الصنف من البشر، وكتبت من قبل هنا عن بلدياتي الذي التقيت به صدفة بعد طول فراق، ووجدته منفوشا كالطاووس، ولا حديث له إلا عن سياراته وسفراته وعلاقاته بالناس الكبار، فقررت أن أمسح مناخيره بالأرض ودعوت أصدقاء للطعام «على شرفه» في مطعم شعبي يعمل بلا ترخيص، ثم طفقت أحدثه عن ذكريات طفولتنا المشتركة وعن الأغنام التي كنا نرعاها سويا، وهو يراوغ ليحدثني عن الأغنام في هولندا والأكلات الشعبية في إسبانيا!!
المهم، في ذات رحلة جوية كنت في مطار القاهرة وجلس جواري في صالة الترانزيت مطرب معروف وكان لديه إحساس بانه أسدى إليّ بذلك معروفا، وبداهة فانه لم يلق علي التحية بل أرسل بصره بعيدا يحيي به الجماهير، ويبتسم لكل من يمر به، فقررت ان اهبط به الى كوكب الأرض وسألته: وين شفتك من قبل؟ شكلك مش غريب علي؟ وكان رده صاعقا: الأخ عربي؟ كان يقصد أنني لا يمكن أن أكون عربيا طالما أنني لا اعرفه، فتجاهلت سؤاله وقلت له إنني ظللت اعمل ناقدا فنيا طوال ربع قرن في الصحف العربية وإنه «يخيل» إليّ أنني التقيت به من قبل عندئذ صوب نحوي نظرة خير منها البصق وانتقل الى كرسي آخر. ولعله حسبني ناقدا فنيا ناشئا يريد ان يتسلق ذرا المجد على كتفيه بينما حقيقة الأمر هي أن ثقافتي الفنية، أي في مجال الغناء والطرب أتعس حالا من ثقافتي الرياضية. سواء كانت رياضة بدنية أو علم الرياضيات.
ولعين السبب أعلاه فإنني أكره لوحة الموناليزا، وأكره المرأة المرسومة في اللوحة، أي الموناليزا نفسها، لأن نظراتها البلهاء وابتسامتها السخيفة تنمان عن غرور أبله، كما أن كراديسها الضخمة تذكرني بمطربة- راقصة زلزالية اسطوانية الشكل العام. وعندما مات كريستيان برنارد الجنوب إفريقي الأبيض الذي ذاع صيته كأول من أجرى جراحات زرع القلوب، لم أحس بأي أسى، فبعد أن ذاع صيته تحول برنارد الى شخص سمج وفج ينتقل من فراش الى فراش، بدرجة انه رفض ان يلبي نداء امه بزيارتها وهي على فراش الموت، وأهمل أمر عياله حتى انتحر ابنه البكر، ولأن هذا الصنف من البشر نرجسي ويعتقد أن الله خلق بقية عباده ليمجدوه ويلمعوه، فقد بلغ به السقوط انه قضى ليلة مع الممثلة الإيطالية المعروفة جينا لولو بريجيدا وطلب منها إيصاله إلى الفندق بسيارتها وهي بملابسها الداخلية فلما وافقت اتصل بالصحفيين من وراء ظهرها ليلتقطوا لهما الصور التي تؤكد أنه غزا قلب وفراش تلك الحيزبون، ولأن سهراته وتطلعاته كانت أكبر من إمكانياته، فقد رضي لنفسه أن يقبل رشاوى من وزير الإعلام في حكومة جنوب إفريقيا العنصرية (قبل انتزاع السود الحكم) لتخفيف الضغط والحصار على تلك الحكومة. ورغم انه كان في الثامنة والسبعين عند وفاته فإنه كان على علاقة طارئة مع فتاة نمساوية تصغره بخمس وخمسين سنة، وبلغ به السقوط انه قدم إعلانات تلفزيونية عن عقار لإزالة التجاعيد رغم أنه قال لكل من يعرفه ان ذلك العقار ضار بالصحة، وقد تم بالفعل سحب العقار من الأسواق.
ولو تواضع برنارد، كما يليق بجراح رائد لوجد من يذكر بعض محاسنه!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك