العدد : ١٧٢٢٨ - السبت ٢٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٨ - السبت ٢٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا يعني الانشقاق السياسي في الغرب؟

بقلم: رؤوف سعد

الأربعاء ٢١ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

نشر‭ ‬الخبير‭ ‬بمركز‭ ‬الأهرام‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬د‭. ‬جمال‭ ‬عبدالجواد‭ ‬مقالا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬مايو‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬انشقاق‭ ‬الغرب‮»‬‭ ‬بجريدة‭ ‬الاهرام‭ ‬استعرض‭ ‬فيه‭ ‬بلغته‭ ‬الأكاديمية‭ ‬بوادر‭ ‬الانشقاق‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬والتي‭ ‬بدت‭ ‬جلية‭ ‬منذ‭ ‬قدوم‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬وطرح‭ ‬السؤال‭ ‬الكبير‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬نهاية‭ ‬الغرب‭ ‬أم‭ ‬دخول‭ ‬الغرب‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬تطوراته،‭ ‬بخلاصة‭ ‬إن‭ ‬انشقاق‭ ‬الغرب‭ ‬ليس‭ ‬جديدًا،‭ ‬ومازال‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬سلام‭ ‬وتعاون‭ ‬مع‭ ‬انحسار‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتطرق‭ ‬إليه‭ ‬كثيرون‭ ‬يشغلني‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاءنا‭ ‬ترامب‭ ‬بعواصفه‭ ‬العاتية‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬أنها‭ ‬صادرة‭ ‬بشكل‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬الصفقات،‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬إلى‭ ‬وصفه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البرامج‭ ‬الإعلامية‭ ‬بأنه‭ ‬رئيس‭ ‬بدرجة‭ ‬رجل‭ ‬صفقات،‭ ‬ورجل‭ ‬صفقات‭ ‬بدرجة‭ ‬رئيس‭. ‬ورغم‭ ‬اقتناعي‭ ‬بهذا‭ ‬التوصيف‭ ‬فإنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬أتفق‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬تحليل‭ ‬د‭. ‬جمال‭ ‬لتقلبات‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭ ‬واستخلاصه‭ ‬الذي‭ ‬أتفق‭ ‬معه‭ ‬بوصف‭ ‬‮«‬انشقاق‭ ‬الغرب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أعتبره‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬التغيير‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬ودعني‭ ‬ألقي‭ ‬بصيصًا‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬بعينها‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬النقاط‭ ‬المحددة‭ ‬التالية؛

أولًا‭: ‬إن‭ ‬انشقاق‭ ‬الغرب‭ ‬يعكس‭ ‬أجندة‭ ‬أمريكية‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬قدوم‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أفصح‭ ‬بخصاله‭ ‬العقارية‭ ‬الصفقاتية‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأجندة‭ ‬بشكل‭ ‬عار‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬التباس‭.‬

ثانيًا‭: ‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬وبعدها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬كانت‭ ‬الذروة‭ ‬الكاشفة‭ ‬للأجندة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للجمهوريين‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تصدع‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وفي‭ ‬شبكة‭ ‬مصالحه‭ ‬الضخمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬ربما‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لإبعاده‭ ‬عن‭ ‬المنافسة‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬لكي‭ ‬تبقى‭ ‬القوة‭ ‬المسيطرة‭ ‬الوحيدة‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬

وقد‭ ‬بدأت‭ ‬بوادر‭ ‬الانشقاق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وتعاظم‭ ‬نزيف‭ ‬الخزائن‭ ‬الأوروبية‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬المساعدات‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬واردات‭ ‬النفط‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعد‭ ‬تفجير‭ ‬أنبوب‭ ‬الـmain‭ ‬stream‭ ‬بفعل‭ ‬فاعل‭ ‬بدأت‭ ‬بمؤشرات‭ ‬للتململ،‭ ‬فالضيق،‭ ‬والشعور‭ ‬بأن‭ ‬قبول‭ ‬أوروبا‭ ‬لاستمرار‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاولات‭ ‬جادة‭ ‬لإيقافها،‭ ‬تتم‭ ‬بضغط‭ ‬أمريكي‭ ‬وبدفع‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬وسط‭ ‬وشرق‭ ‬أوروبا‭ ‬ودول‭ ‬البلطيق،‭ ‬باستثناء‭ ‬المجر‭ ‬المتمردة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬العدائي‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬ونتيجة‭ ‬تصاعد‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وانهيار‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬تعاون‭ ‬استراتيجي‭ ‬منذ‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭. ‬وجاء‭ ‬قدوم‭ ‬ترامب‭ ‬ليؤكد‭ ‬الشكوك‭ ‬بانفراده‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬مع‭ ‬زيلينسكي‭ ‬ويوقن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأوروبيين‭ ‬أنهم‭ ‬انزلقوا‭ ‬إلى‭ ‬أجندة‭ ‬أمريكية‭ ‬هدفها‭ ‬إخراج‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬معادلة‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬توطئة‭ ‬للانفراد‭ ‬بالخصم‭ ‬الرئيسي‭ ‬وهو‭ ‬الصين،‭ ‬وليرغم‭ ‬الاتحاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬مع‭ ‬حليفه‭ ‬الأعظم‭ ‬حربًا‭ ‬تجارية‭ ‬عظمى‭.‬

ثالثًا‭: ‬نجح‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬تخطي‭ ‬أزمتي‭ ‬البريكست‭ ‬والكوفيد‭ ‬بفضل‭ ‬هيكله‭ ‬المؤسسي‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية‭ ‬والنقدية‭ ‬لدوله،‭ ‬وهما‭ ‬الازمتان‭ ‬اللتان‭ ‬أنذرتا‭ ‬بحدوث‭ ‬تصدع‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬جدران‭ ‬وعضوية‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وجاءت‭ ‬حرب‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لتعمق‭ ‬الشقاق‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬ولتخلق‭ ‬حالة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وانتقاد‭ ‬جارح‭ ‬للموقف‭ ‬الأمريكي‭.‬

رابعًا‭: ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬الموضوعي‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الأمريكية‭ - ‬الأوروبية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬الأوروبية؛‭ ‬أسهلها‭ ‬الانخراط‭ ‬بجرأة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬انتقامية‭ ‬تجارية‭ ‬علنية،‭ ‬وأخطرها‭ ‬وأعمقها‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬هي‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬جيش‭ ‬أوروبي‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬وغير‭ ‬أعضاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ (‬بما‭ ‬فيها‭ ‬بريطانيا‭) ‬وهي‭ ‬الدعوة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬وجدد‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭. ‬وهي‭ ‬تطورات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الخلافات‭ ‬الدائرة‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بشأن‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭.‬

ويبقي‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬سيستعيد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تماسكه‭ ‬بفضل‭ ‬هيكله‭ ‬المؤسسي‭ ‬المتماسك‭ ‬وإنجازاته‭ ‬العالمية‭ ‬الهائلة؟‭ ‬وهل‭ ‬ستفرض‭ ‬المعاناة‭ ‬البريطانية‭ ‬جراء‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬الابن‭ ‬الضال؟‭ ‬وهل‭ ‬تنجح‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬تخطي‭ ‬الحاجز‭ ‬النفسي‭ ‬للحماية‭ ‬الأمنية‭ ‬للناتو‭ ‬بإنشاء‭ ‬جيش‭ ‬أوروبي؟

وماذا‭ ‬عن‭ ‬المنافسة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬القاسية‭ ‬مع‭ ‬أمريكا؟‭ ‬وماذا‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬إقدام‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬تقارب‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬الصين؟‭ ‬وماذا‭ ‬سيكون‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬أمد؟

أسئلة‭ ‬تتداخل‭ ‬وتتفاعل‭ ‬إجاباتها‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭.‬

القضية‭ ‬إذن‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬تناول‭ ‬إعلامي‭ ‬لتطور‭ ‬دولي‭ ‬مهم،‭ ‬لكنها‭ ‬قضية‭ ‬تمس‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬للعلاقات‭ ‬والمصالح‭ ‬الدولية،‭ ‬ولها‭ ‬انعكاساتها‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬قضية‭ ‬تستحق‭ ‬تناولها‭ ‬بتحليل‭ ‬موضوعي‭ ‬لتداعيات‭ ‬هذه‭ ‬التطورات،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أهمية‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬

{ دبلوماسي‭ ‬مصري‭ ‬سابق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا