في الرابع عشر من مايو 2025 وضمن جولته الخليجية التي شملت ثلاث دول هي السعودية وقطر والإمارات، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قادة وممثلي دول الخليج العربي الستة بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون في قمة خليجية- أمريكية بالعاصمة السعودية الرياض، اللقاء الذي أسهبت وسائل الإعلام في توصيفه ما بين كونه تاريخيا أو أنه ذو طابع استراتيجي، وفي تصوري أنه لقاء مصارحة وشفافية بين طرفين يمثلان معادلة الأمن الإقليمي والأمن العالمي، في وقت تلاشت فيه الحواجز بين المستويين، فمع أهمية النتائج التي أسفرت عنها جولة الرئيس الأمريكي في الدول الثلاث والتي تضمنت قضايا أمنية وسياسية وعسكرية، ولكن في نهاية المطاف دول الخليج العربي يضمها تنظيم إقليمي وهو مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يعد أساسا لتحقيق توازن القوى ومن ثم الأمن الإقليمي.
وعلى الرغم من أنها القمة الرابعة التي تعقد بين الولايات المتحدة وقادة دول الخليج العربي إلا أنه يمكن القول أنها كانت فرصة لحوار مهم حول مجمل التحديات وسبل مواجهتها بعيدا عن اللغة الدبلوماسية التي أحيانا لا تتضمن تفاصيل وقرارات، ويلاحظ أن كلمة الرئيس ترامب تضمنت ثلاث رسائل مهمة أولها: الإقرار بالإنجازات التنموية التي حققتها دول الخليج العربي وبأنها أصبحت نموذجا يحتذى وأن دول العالم تراقب وتهتم بذلك النموذج، والثانية: رسم ملامح الخطوط العامة للسياسة الأمريكية تجاه بعض ملفات الأمن الإقليمي ومنها حل المسألة النووية الإيرانية عبر اتفاق وإن لم يكن فالبديل هو تشديد العقوبات، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، والتهدئة في اليمن من خلال الإشارة إلى الاتفاق مع الحوثيين، مع الحديث عن بقية ملفات الأمن الإقليمي والتي يجب حلها وإن لم يكن بدرجة وضوح تلك المشار إليها، والثالثة: أنه سوف يعمل على أن يكون الشرق الأوسط مركزا ثقافيا واقتصاديا ودبلوماسيا.
بينما تضمنت كلمات قادة دول الخليج المشاركين والأمين العام لمجلس التعاون إعادة تأكيد ثلاث قضايا مهمة أولها: ضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من خلال إحلال السلام العادل والدائم وفق حل الدولتين، وثانيها: الترحيب بالمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن البرامج النووية الإيرانية وهو ما يتسق مع السياسات الخارجية لدول الخليج العربي بضرورة حل الصراعات بالوسائل السلمية، وثالثها: ضرورة ترسيخ أواصر الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالإضافة إلى ما تضمنته كلمات القادة بشأن أهمية تحقيق الأمن والاستقرار في مناطق الصراع الأخرى ومنها سوريا واليمن.
وفي تقديري أن تلك القمة لم تكن مؤسسة لحوار استراتيجي خليجي- أمريكي فحسب بل إنها كشفت عن الدور الذي تضطلع به بالفعل دول الخليج العربي تجاه قضايا الأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء، من خلال مبادرات ومؤتمرات استهدفت دعم حل القضية الفلسطينية وفق القرارات الأممية لقناعتها بأنها أولوية ضمن تحديات الأمن الإقليمي، فضلاً عن استضافة بعض دول الخليج العربي لجولات التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى أدوار الوساطة تجاه بعض الصراعات الدولية.
ومع أهمية نتائج القمة والتي تعد جسرا مهما وجديدا للحوار بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي بشأن مختلف القضايا ،ومع الأخذ بالاعتبار الطابع الاقتصادي الذي ميز جولة الرئيس ترامب في مسعى لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع دول الخليج العربي، فإن ثمة متطلبات لاستثمار نتائج تلك القمة لتعزيز الأهداف الاستراتيجية لدول الخليج العربي ضمن ثلاث دوائر أولها: الدائرة الخليجية، صحيح أن هناك أهمية لتطوير المسارات الأمنية الثنائية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي والتي تعمل ضمن إطار واضح وهو الاتفاقيات الأمنية التي تم توقيعها في أعقاب حرب تحرير دولة الكويت عام 1991م ولكن توجد أهمية لتعزيز دور مجلس التعاون كتنظيم إقليمي يعكس المصالح الجماعية لدول الخليج العربي، ولعل ذلك هو المدخل الأهم لتحقيق التوازن الإقليمي وما يتطلبه ذلك من خطوات من بينها حرص الإدارة الأمريكية على تعزيز الحوار الاستراتيجي مع دول الخليج العربي بشكل جماعي من أجل تحديد الأولويات وسبل مواجهتها وضمن ذلك الإطار توجد عدة آليات منها الاجتماعات سواء بشكل مخصص لقضايا محددة أو على هامش الاجتماعات الأممية على سبيل المثال، وثانيها: الدائرة الإقليمية، فدول الخليج العربي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الإقليمي، ولا شك أن تهديدات الأمن الإقليمي تلقي بظلالها على أمنها واستقرارها، بما يعنيه ذلك من ضرورة إيجاد حلول دائمة وشاملة لكل التهديدات الإقليمية، حيث نجد أن مقاربة الرئيس ترامب هي التعامل مع كل قضية على حدة وبمنظور مختلف، ولكن في واقع الأمر تلك القضايا بينها تداخل كبير، وربما لو أنه تم تحديد أولويات وتم حلها لكانت مدخلاً مهماً نحو حل بقية الملفات، وكان ذلك واضحاً في كلمات قادة دول الخليج العربي بأن «القضية الفلسطينية أولوية»، ولا شك أن حلها يعني نزع الشرعية عن عمل عديد من الجماعات دون الدول وداعميها في المنطقة، فضلاً عن أهمية إطلاق مبادرات شاملة للصراعات الإقليمية نحو تحقيق مصالحات وطنية في دول الجوار تستهدف تعزيز دور الدولة الوطنية بعيداً عن الانقسامات المناطقية والأيديولوجية، وثالثها: الدائرة الشرق أوسطية، والتي تعد جزءا مهما من أمن الخليج العربي أيضاً، فالآن دول الخليج في القرن الإفريقي وشرق المتوسط وهي لاعب ووسيط مهم في بعض من تلك الصراعات، صحيح أن الرئيس الأمريكي أكد أنه يرغب في إيجاد نموذج جديد للشرق الأوسط ولكن من خلال «جهود أبنائه وليس من خلال تدخلات خارجية» وهذا صحيح، فالمطلوب ليس المزيد من التدخلات العسكرية ولكن إيجاد حلول للصراعات، وهو ما يمكن أن تسهم فيه دول الخليج العربي ليس فقط من خلال أدوار الوساطة ولكن من خلال تجارب التسامح والتعايش والتي تقدم مملكة البحرين واحدة من أهمها في المنطقة.
تمتد الشراكة الخليجية- الأمريكية لعقود مضت وشهدت تطورات ما بين الاتفاق أحياناً والاختلاف أحايين أخرى ولكنها في النهاية تبقى استراتيجية متوازنة وتؤسس على الاحتياج الاستراتيجي المتبادل وهو ما أكدته الأحداث التي مرت بها منطقة الخليج العربي عبر تاريخها لتؤكد مجدداً أن أهمية دول الخليج العربي على الصعد الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية تتعاظم بشكل متواز مع أهميتها النفطية والجيواستراتيجية وأتصور أن تلك هي القناعة التي ترسخت لدى الرئيس ترامب خلال تلك القمة وجولته في الدول الخليجية الثلاث بما يعنيه ذلك من أن دول الخليج شريك إقليمي مهم للولايات المتحدة ويمكن حال مأسسة تلك الشراكة بشكل أكبر والاتفاق على أولويات وسبل العمل أن نشهد عصرا جديدا للعلاقات بين الجانبين.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك