العدد : ١٧٢٢٥ - الأربعاء ٢١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٥ - الأربعاء ٢١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

شتان ما بين كتاب وكتاب

على‭ ‬مدى‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لي‭ ‬شغل‭ ‬ولا‭ ‬شاغل‭ ‬سوى‭ ‬قراءة‭ ‬سلسلة‭ ‬روايات‭ ‬هاري‭ ‬بوتر‭ ‬للكاتبة‭ ‬البريطانية‭ ‬جوان‭ ‬كاثلين‭ ‬رولنغ،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬الملايين‭ ‬يصطفون‭ ‬امام‭ ‬المكتبات‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وامريكا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الثالث‭ ‬أو‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬كنت‭ ‬مثل‭ ‬حبيبي‭ ‬المتنبي‭ ‬أنام‭ ‬قرير‭ ‬العين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكلف‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائي‭ ‬أو‭ ‬أقاربي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬عاصمة‭ ‬غربية،‭ ‬بالوقوف‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬بدلا‭ ‬مني‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬نسختي،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬طازجة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الفرن‭. ‬وقد‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬مشكورين،‭ ‬وكانوا‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الذوق‭ ‬لأنهم‭ ‬رفضوا‭ ‬أن‭ ‬أحوِّل‭ ‬لهم‭ ‬قيمة‭ ‬الكتب‭ ‬وتكاليف‭ ‬إرسالها‭ ‬بالبريد‭. ‬وبالطبع‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬مشاهدة‭ ‬كافة‭ ‬أفلام‭ ‬سلسلة‭ ‬هاري‭ ‬بوتر،‭ ‬وقد‭ ‬يثير‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عجب‭ ‬البعض‭ ‬لأن‭ ‬هاري‭ ‬بوتر‭ ‬أساسا‭ ‬رواية‭ ‬للأطفال‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬البأس‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬يقرأها‭ ‬شخص‭ ‬مثلي‭ ‬كان‭ ‬محروما‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬من‭ ‬اشياء‭ ‬كثيرة،‭ ‬فباستثناء‭ ‬بعض‭ ‬الألعاب‭ ‬الكهربائية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدي‭ ‬ما‭ ‬أتسلى‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬الطفولة‭. ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬الالعاب‭ ‬كانت‭ ‬عديمة‭ ‬الجدوى‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬توجد‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬مخيلتي‭ ‬ولأنني‭ ‬لم‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬الكهرباء‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بلغت‭ ‬سن‭ ‬اليأس‭ ‬الشبابي‭. ‬ولا‭ ‬أحس‭ ‬بأي‭ ‬حرج‭ ‬وأنا‭ ‬اعترف‭ ‬بأنني‭ ‬كنت‭ ‬مدمنا‭ ‬لأفلام‭ ‬الكرتون‭ ‬خاصة‭ ‬توم‭ ‬آند‭ ‬جيري‭ ‬وبينك‭ ‬بانثر‭ ‬Pink Panther.

لم‭ ‬أتعلق‭ ‬طوال‭ ‬حياتي‭ ‬بعمل‭ ‬روائي‭ ‬مثل‭ ‬تعلقي‭ ‬بهاري‭ ‬بوتر‭. ‬مع‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬شطح‭ ‬خيال‭ ‬طفولي‭ ‬يحوم‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السحر،‭ ‬واعجبت‭ ‬بالمؤلفة‭ ‬رولنغ‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬صدور‭ ‬كتابها‭ ‬الأول‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬إعانة‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬الصغيرة‭ ‬فقفز‭ ‬رصيدها‭ ‬المصرفي‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬إلى‭ ‬أربعين‭ ‬مليون‭ ‬استرليني‭ ‬وتذكرت‭ ‬كتابي‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬زوايا‭ ‬منفرجة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬والذي‭ ‬جمعت‭ ‬فيه‭ ‬عصارة‭ ‬فكري‭ ‬المضطرب،‭ ‬وقوبل‭ ‬الكتاب‭ ‬بترحاب‭ ‬شديد‭ ‬وكتبت‭ ‬عنه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬وجلست‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬لأقوم‭ ‬بحصر‭ ‬التركة‭ ‬وتقدير‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬ستهبط‭ ‬علي‭ ‬من‭ ‬مبيعات‭ ‬الكتاب،‭ ‬وسبل‭ ‬انفاق‭ ‬تلك‭ ‬الثروة‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬سأكتفي‭ ‬بزوجة‭ ‬ثانية‭ ‬أم‭ ‬اتزوج‭ ‬بالجملة،‭ ‬وبعد‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬مدير‭ ‬الشركة‭ ‬التي‭ ‬تتولى‭ ‬توزيع‭ ‬الكتاب‭ ‬وقال‭ ‬وصوته‭ ‬يغرد‭ ‬فرحا‭ ‬إن‭ ‬مبيعات‭ ‬الكتاب‭ ‬فاقت‭ ‬كل‭ ‬تقدير‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬زيارة‭ ‬مكتبه‭ ‬لتسلم‭ ‬الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نصيبي‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬بيعه،‭ ‬وذهبت‭ ‬إليه‭ ‬مصطحبا‭ ‬صديقا‭ ‬لي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الشرطة‭ ‬ليحرسني‭ ‬من‭ ‬كيد‭ ‬اللصوص‭ ‬والنساء،‭ ‬وأخرج‭ ‬سعادة‭ ‬المدير‭ ‬بعض‭ ‬الدفاتر‭ ‬ثم‭ ‬وسألني‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬أريد‭ ‬شرب‭ ‬الشاي‭ ‬سليماني‭ ‬أم‭ ‬بالحليب‭ ‬أم‭ ‬القهوة؟‭ (‬لسبب‭ ‬علمه‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬يسمي‭ ‬اهل‭ ‬الخليج‭ ‬الشاي‭ ‬الاحمر‭ ‬البدون‭ ‬حليب‭ ‬‮«‬سليماني‮»‬‭) ‬فضحكت‭ ‬منه‭ ‬باستخفاف‭: ‬شاي‭ ‬ماذا‭ ‬يا‭ ‬متخلف‭.. ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬يشربون‭ ‬الشمبانيا،‭ ‬فرد‭ ‬الرجل‭ ‬عليّ‭ ‬بانزعاج‭: ‬هل‭ ‬تشرب‭ ‬الخمر‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬حاشا‭ ‬بل‭ ‬أريد‭ ‬شرب‭ ‬الشمبانيا‭! ‬باختصار‭ ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬الشمبانيا‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الشاي‭ ‬الأخضر‭ ‬الذي‭ ‬سمعت‭ ‬ان‭ ‬الاغنياء‭ ‬فقط‭ ‬يشربونه،‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أشأ‭ ‬أن‭ ‬أبدو‭ ‬متخلفا‭ ‬أمام‭ ‬ذلك‭ ‬المتخلف‭ ‬فزعمت‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬شمبانيا‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الكحول،‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بأن‭ ‬قدم‭ ‬لي‭ ‬شيكا‭ ‬بمبلغ‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لشراء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أكواب‭ ‬شاي‭ ‬سليماني‭.‬

وقلت‭ ‬خيرها‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬وأصدرت‭ ‬كتابي‭ ‬الثاني‭ ‬‮«‬زوايا‭ ‬منفرجة‭ ‬وأخرى‭ ‬حادة‮»‬،‭ ‬وسعدت‭ ‬كثيرا‭ ‬بوصول‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وبعد‭ ‬صدوره‭ ‬بعام‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الدوحة‭ ‬وذهبت‭ ‬الى‭ ‬الركن‭ ‬المخصص‭ ‬لمكتبة‭ ‬جرير‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بتسويق‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬قطر،‭ ‬وسألت‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬فقال‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬النسخ‭ ‬المعروضة‭ ‬نفدت‭.. ‬يا‭ ‬للسعادة‭.. ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬واستعنت‭ ‬بصديق‭ ‬بتوصية‭ ‬من‭ ‬جورج‭ ‬قرداحي‭ ‬كي‭ ‬يحسب‭ ‬نصيبي‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬الكتاب‭ ‬وكان‭ ‬مبلغا‭ ‬مهولا‭. ‬وبعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬فإن‭ ‬نصيبي‭ ‬منه‭ ‬فقط‭ ‬عشر‭ ‬نسخ‭ ‬قمت‭ ‬بتوزيعها‭ ‬على‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬و«تاني‭ ‬توبة‮»‬‭ ‬من‭ ‬حكاية‭ ‬إصدار‭ ‬أي‭ ‬كتاب‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا