زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
شتان ما بين كتاب وكتاب
على مدى عدة سنوات لم يكن لي شغل ولا شاغل سوى قراءة سلسلة روايات هاري بوتر للكاتبة البريطانية جوان كاثلين رولنغ، وبينما كان الملايين يصطفون امام المكتبات في أوروبا وامريكا للحصول على الجزء الثالث أو الرابع من الرواية كنت مثل حبيبي المتنبي أنام قرير العين، بعد أن أكلف أحد أصدقائي أو أقاربي في لندن أو أي عاصمة غربية، بالوقوف في الصفوف بدلا مني والحصول على نسختي، وهي «طازجة» من الفرن. وقد فعلوا ذلك مشكورين، وكانوا في منتهى الذوق لأنهم رفضوا أن أحوِّل لهم قيمة الكتب وتكاليف إرسالها بالبريد. وبالطبع فقد حرصت على مشاهدة كافة أفلام سلسلة هاري بوتر، وقد يثير كل ذلك عجب البعض لأن هاري بوتر أساسا رواية للأطفال ولكن ما البأس في ان يقرأها شخص مثلي كان محروما في طفولته من اشياء كثيرة، فباستثناء بعض الألعاب الكهربائية، لم يكن لدي ما أتسلى به على عهد الطفولة. حتى تلك الالعاب كانت عديمة الجدوى لأنها لم تكن توجد الا في مخيلتي ولأنني لم أتعامل مع الكهرباء إلا بعد أن بلغت سن اليأس الشبابي. ولا أحس بأي حرج وأنا اعترف بأنني كنت مدمنا لأفلام الكرتون خاصة توم آند جيري وبينك بانثر Pink Panther.
لم أتعلق طوال حياتي بعمل روائي مثل تعلقي بهاري بوتر. مع ان كل ما فيها شطح خيال طفولي يحوم بك في عالم السحر، واعجبت بالمؤلفة رولنغ التي كانت حتى صدور كتابها الأول تعيش على إعانة الضمان الاجتماعي مع ابنتها الصغيرة فقفز رصيدها المصرفي خلال سنة واحدة إلى أربعين مليون استرليني وتذكرت كتابي الأول «زوايا منفرجة»، الذي أصدرته في دولة قطر والذي جمعت فيه عصارة فكري المضطرب، وقوبل الكتاب بترحاب شديد وكتبت عنه العديد من الصحف في منطقة الخليج، وجلست في البيت عدة أيام لأقوم بحصر التركة وتقدير الثروة التي ستهبط علي من مبيعات الكتاب، وسبل انفاق تلك الثروة وما إذا كنت سأكتفي بزوجة ثانية أم اتزوج بالجملة، وبعد بضعة أيام اتصل بي مدير الشركة التي تتولى توزيع الكتاب وقال وصوته يغرد فرحا إن مبيعات الكتاب فاقت كل تقدير وطلب مني زيارة مكتبه لتسلم الدفعة الأولى من نصيبي من عائدات بيعه، وذهبت إليه مصطحبا صديقا لي يعمل في الشرطة ليحرسني من كيد اللصوص والنساء، وأخرج سعادة المدير بعض الدفاتر ثم وسألني إن كنت أريد شرب الشاي سليماني أم بالحليب أم القهوة؟ (لسبب علمه عند الله يسمي اهل الخليج الشاي الاحمر البدون حليب «سليماني») فضحكت منه باستخفاف: شاي ماذا يا متخلف.. في مثل هذه المناسبات يشربون الشمبانيا، فرد الرجل عليّ بانزعاج: هل تشرب الخمر يا أبو الجعافر؟ قلت له حاشا بل أريد شرب الشمبانيا! باختصار كنت أحسب الشمبانيا نوعا من الشاي الأخضر الذي سمعت ان الاغنياء فقط يشربونه، ولكنني لم أشأ أن أبدو متخلفا أمام ذلك المتخلف فزعمت ان هناك شمبانيا خالية من الكحول، وانتهى الأمر بأن قدم لي شيكا بمبلغ لا يكفي لشراء أكثر من عشرة أكواب شاي سليماني.
وقلت خيرها في غيرها وأصدرت كتابي الثاني «زوايا منفرجة وأخرى حادة»، وسعدت كثيرا بوصول الكتاب إلى العديد من المكتبات الكبيرة في كل دول الخليج، وبعد صدوره بعام كنت في معرض الكتاب في الدوحة وذهبت الى الركن المخصص لمكتبة جرير التي تقوم بتسويق الكتاب في قطر، وسألت عن الكتاب فقال لي إن النسخ المعروضة نفدت.. يا للسعادة.. عدت إلى البيت واستعنت بصديق بتوصية من جورج قرداحي كي يحسب نصيبي من عائدات الكتاب وكان مبلغا مهولا. وبعد ثلاث سنوات من طرح الكتاب في الأسواق فإن نصيبي منه فقط عشر نسخ قمت بتوزيعها على الأصدقاء، و«تاني توبة» من حكاية إصدار أي كتاب.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك