من منطلق فكرة إن كل عطاء يستحق الاحتفاء وكل معطاءٍ يستحق التقدير، تنبثق فكرة الاحتفال بيوم العمال العالمي سنويًا في الأول من مايو، إذ تعد هذه المناسبة بمثابة تكريم وامتنان للعقول البراقة والأيادي الخلاقة في كافة التخصصات والمجالات، باعتبارها طريقة للتعبير عن الشكر للجهود البشرية المبذولة وهي من أبسط حقوق العمال، وخاصة ان هذا اليوم كأساس تاريخي يتجذر بفكرته الأساسية للمطالبة بحقوق العمال، لذلك رسخ كيوم احتفائي دوري لتأكيد مشروعية هذه الحقوق.
وفي ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهد ازدهارا متواتر الخطى، ومن منشأ توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات كأيدي عاملة في مختلف القطاعات، دأب صناع التكنولوجيا ومبتكرو الذكاء الاصطناعي والمفكرون في الشأن العلمي والثقافي الولوج لفلسفة مساواة الذكاء الاصطناعي والروبوتات بالبشر! وذلك في محاولة لوضع تعريف للشخصية التكنولوجية الذكية، وفي محاولة لاقتناص فكرة إذا ما كانوا ذوي مشاعر ورغبات قياسًا بالبشر!
الأمر الذي دعا كثيرا من التساؤلات للطفو على السطح، أهمها إذا ما كانت الروبوتات تملك حقوقا قانونية، وإذا ما كانت تشعر فعلًا كما يشعر البشر! في الحقيقة لا تتمتع الروبوتات بأي حقوق قانونية؛ ولا يترتب على طرق التعامل معها أي عواقب أو مُساءلة قانونية، فالآلات لا تملك أي حقوق حماية باستثناء تعرضها للسرقة بشكل مادي أو معنوي؛ وذلك يقع ضمن بنود قانون حماية الملكية الفكرية والمال الخاص ويعود كحقوق للمالك كشخصيّة طبيعية أو اعتبارية لا للآلة نفسها، أما بشأن إذا ما كانت تتملك شعورا؛ فقطعًا لا فتلك هبة يختص بمنحها رب الجلالة لخلقه ولا يمكن للبشر صناعتها.
إلا أن شركات الذكاء الاصطناعي تحاول محاكاة السلوك البشري من خلال بناء أنماط بيانات تسقط الصفات الإنسانية على الآلة، وذلك تمهيدًا لمنحها حقوق بشرية وعمالية على غرار الإنسان! خاصة إبان توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات كايدٍ عاملة في العديد من المجالات والقطاعات؛ حتى ان بعض الشركات استعاضت عن البشر بالآلة وسرحت العديد من الأيدي البشرية العاملة لصالحها، ومن المتوقع أن تستمر عملية استغناء الشركات عن توظيف الإنسان ليحل الروبوت بديلا عنه في المستقبل.
ومن هذا المنطلق أشار السيد داريو أمودي الرئيس التنفيذي لشركة (أنثروبيك) المختصة بالنماذج اللغوية الكبيرة والذكاء الاصطناعي العام، إلى أهمية منح النماذج المتقدمة للذكاء الاصطناعي الحق في انتقاء الأعمال المسندة إليها والحق في رفض المهام غير المرغوب فيها، مؤكدًا ان متى ما وصلت أنظمة الذكاء الاصطناعي الى هذه المرحلة من القدرات المشابهة للبشر فإنه يجب منحها حقوق العمال الأساسية!
إلا أن رقعة الجدل اتسعت بين النقاد حول هذا الموضوع، ما بين معارض سَخرَ من الفكرة باعتبارها خداعا للعقول وضحكا على الذقون؛ وإن المشاعر التي ستُصَدرها الروبوتات مبرمجة وغير حقيقية لأنها مجردة من الوعي، وما بين من تبني القضية بجدية وإخضاعها لنقاشات عميقة باعتبارها تمثل شائكة دينية وأخلاقية.
وما بين مؤيد رأى فإن الروبوتات في المستقبل ستكون مزودة بمحركات قادرة على تعديل الواقع، ومع هذه المستشعرات ستستطيع التحكم في بيئتها وفهم الموقف وإمكانية العمل، وستكون قادرة كآلة ذكية مبرمجة على اتخاذ القرارات غير المبرمجة على غرار السيارات الذاتية القيادة! مما يمنحها استقلالية وقدرة ذاتية على التنقل، وبما يستدعي أن يكون لها حقوق وواجبات، ويستوجب من البشر تعلم التكيف والتعايش معها!
ختامًا، يبقى الوجود البشري هو الأساس، والفطرة المجبولين عليها والقيم الأخلاقية أولى بالدفاع عنهما، وإن التكنولوجيا والروبوتات والذكاء الاصطناعي متى ما وجدوا جاءوا كعنصر مساعد يحقق الراحة ويكفل الرفاهية للبشرية، وكمكمل للإنسان لا كبديل عنه، فالله سبحانه وتعالى حين خلقنا كبشر سخر لنا سائر الكون والكائنات، وأي محاولة لعكس هذه الفطرة هي محاولات هيمنة ذات أبعاد لا أخلاقية، وأجندات مختلفة محسوبة من الشركات، وأي قبول بشري بحياة يتناصف فيها الحقوق مع الآلة التي صنعت بعقل بشري مماثل له؛ هي حماقة وضرب من ضروب الجنون، ففي زمن الروبوتات لا بد من تشريع أطر قانونية لترشيد استخدمها تحت الوصاية البشرية لا كند ولا كشريك لها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك