يشهد العالم، بما فيه مملكة البحرين الغراء، ارتفاعاً متواصلاً في درجات الحرارة نتيجة عدة عوامل، أبرزها الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم والغاز، التي تُعد سبباً رئيسياً في ظاهرة الاحتباس الحراري. إلا أن التوسع العمراني السريع، وما يصاحبه من زيادة في إنشاء المباني والطرق على حساب المساحات الخضراء، يمثل عاملاً حاسماً آخر في ارتفاع درجات الحرارة المحلية.
تلعب المواد الصلبة المستخدمة في البناء ورصف الطرق، مثل الخرسانة والأسفلت، دوراً محورياً في هذه الظاهرة؛ إذ تمتص حرارة الشمس خلال النهار وتخزنها، ثم تعيد إطلاقها إلى الجو بعد غروب الشمس، ما يؤدي إلى ارتفاع حرارة المناطق الحضرية بشكل ملحوظ. في المقابل، تسهم المساحات الخضراء والأشجار في امتصاص الطاقة الشمسية واستهلاكها عبر عمليات التبخر والتمثيل الضوئي، ما يساعد في تبريد البيئة وتقليل درجات الحرارة، بينما تفتقر المناطق العمرانية الكثيفة إلى هذا التوازن.
شهدت البحرين خلال العقدين الأخيرين توسعاً عمرانياً ملحوظاً ونمواً متسارعاً في البنية التحتية، وخاصة في الطرق والمباني، ما أثر سلباً على جودة الهواء وزاد من حدة ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية. وقد أظهرت الدراسات أن فقدان الغطاء النباتي يفاقم من ارتفاع حرارة المدن، إذ يعمل الغطاء النباتي على استهلاك جزء من الطاقة الشمسية بدلاً من إعادة إشعاعها إلى الجو.
ومن المهم الإشارة إلى أن الأراضي الرملية والصحراوية تختلف عن المباني والطرقات في سلوكها الحراري؛ فالرمال تمتص الحرارة بسرعة خلال النهار، لكنها لا تحتفظ بها ولا تعيد إطلاقها إلى الجو ليلاً كما تفعل الأسطح الصلبة كالخرسانة والأسفلت؛ بل على العكس، تفقد الأراضي الرملية حرارتها بسرعة مع غروب الشمس، ما يفسر البرودة الشديدة في الصحاري ليلاً، بينما تستمر المناطق العمرانية في إطلاق الحرارة المخزنة، ما يزيد من ارتفاع درجات الحرارة في المدن.
في مواجهة هذه التحديات لا بد من الإشارة والاشادة بالمبادرة الوطنية التي اطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى، لزراعة أكثر من خمسين ألف شجرة في مختلف محافظات البحرين تحت شعار «دمتِ خضراء». وتهدف هذه المبادرة إلى زيادة المساحات الخضراء، ما يسهم في امتصاص الطاقة الشمسية وتقليل حرارة البيئة الحضرية، بالإضافة إلى تحسين جودة الهواء وتعزيز الوعي البيئي بأهمية التشجير كحل مستدام لمواجهة تداعيات التوسع العمراني السريع.
وختاماً، من الضروري تبني تصاميم معمارية وتقنيات بناء تراعي المناخ المحلي، مثل استخدام مواد عاكسة للحرارة وتوفير التهوية الطبيعية وزيادة التشجير، للحد من تأثير المباني والطرق في ارتفاع درجات الحرارة وتحسين جودة الحياة في المدن
جامعة البحرين للتكنولوجيا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك