العدد : ١٧٢١٩ - الخميس ١٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٩ - الخميس ١٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

مقالات

مبادرة الأميرة سبيكة وظاهرة ارتفاع درجات الحرارة

بقلم: الأستاذ الدكتور هشام محمود النقيب

الخميس ١٥ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

يشهد‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الغراء،‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬متواصلاً‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬نتيجة‭ ‬عدة‭ ‬عوامل،‭ ‬أبرزها‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬حرق‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬مثل‭ ‬النفط‭ ‬والفحم‭ ‬والغاز،‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬سبباً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭.‬‮ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التوسع‭ ‬العمراني‭ ‬السريع،‭ ‬وما‭ ‬يصاحبه‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬المباني‭ ‬والطرق‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء،‭ ‬يمثل‭ ‬عاملاً‭ ‬حاسماً‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬المحلية‭.‬

تلعب‭ ‬المواد‭ ‬الصلبة‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬ورصف‭ ‬الطرق،‭ ‬مثل‭ ‬الخرسانة‭ ‬والأسفلت،‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة؛‭ ‬إذ‭ ‬تمتص‭ ‬حرارة‭ ‬الشمس‭ ‬خلال‭ ‬النهار‭ ‬وتخزنها،‭ ‬ثم‭ ‬تعيد‭ ‬إطلاقها‭ ‬إلى‭ ‬الجو‭ ‬بعد‭ ‬غروب‭ ‬الشمس،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭.‬‮ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تسهم‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬والأشجار‭ ‬في‭ ‬امتصاص‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬واستهلاكها‭ ‬عبر‭ ‬عمليات‭ ‬التبخر‭ ‬والتمثيل‭ ‬الضوئي،‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬تبريد‭ ‬البيئة‭ ‬وتقليل‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة،‭ ‬بينما‭ ‬تفتقر‭ ‬المناطق‭ ‬العمرانية‭ ‬الكثيفة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التوازن‭.‬

شهدت‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬توسعاً‭ ‬عمرانياً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬ونمواً‭ ‬متسارعاً‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬والمباني،‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬ظاهرة‭ ‬الجزر‭ ‬الحرارية‭ ‬الحضرية‭. ‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬فقدان‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬يفاقم‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬المدن،‭ ‬إذ‭ ‬يعمل‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬على‭ ‬استهلاك‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬إشعاعها‭ ‬إلى‭ ‬الجو‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأراضي‭ ‬الرملية‭ ‬والصحراوية‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬المباني‭ ‬والطرقات‭ ‬في‭ ‬سلوكها‭ ‬الحراري؛‭ ‬فالرمال‭ ‬تمتص‭ ‬الحرارة‭ ‬بسرعة‭ ‬خلال‭ ‬النهار،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬تعيد‭ ‬إطلاقها‭ ‬إلى‭ ‬الجو‭ ‬ليلاً‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬الأسطح‭ ‬الصلبة‭ ‬كالخرسانة‭ ‬والأسفلت؛‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬تفقد‭ ‬الأراضي‭ ‬الرملية‭ ‬حرارتها‭ ‬بسرعة‭ ‬مع‭ ‬غروب‭ ‬الشمس،‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬البرودة‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬الصحاري‭ ‬ليلاً،‭ ‬بينما‭ ‬تستمر‭ ‬المناطق‭ ‬العمرانية‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬الحرارة‭ ‬المخزنة،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬المدن‭.‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬والاشادة‭ ‬بالمبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬اطلقتها‭ ‬صاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأميرة‭ ‬سبيكة‭ ‬بنت‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬قرينة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى،‭ ‬لزراعة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬شجرة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬محافظات‭ ‬البحرين‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬دمتِ‭ ‬خضراء‮»‬‭. ‬وتهدف‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء،‭ ‬ما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬امتصاص‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬وتقليل‭ ‬حرارة‭ ‬البيئة‭ ‬الحضرية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬وتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬البيئي‭ ‬بأهمية‭ ‬التشجير‭ ‬كحل‭ ‬مستدام‭ ‬لمواجهة‭ ‬تداعيات‭ ‬التوسع‭ ‬العمراني‭ ‬السريع‭.‬

وختاماً،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تبني‭ ‬تصاميم‭ ‬معمارية‭ ‬وتقنيات‭ ‬بناء‭ ‬تراعي‭ ‬المناخ‭ ‬المحلي،‭ ‬مثل‭ ‬استخدام‭ ‬مواد‭ ‬عاكسة‭ ‬للحرارة‭ ‬وتوفير‭ ‬التهوية‭ ‬الطبيعية‭ ‬وزيادة‭ ‬التشجير،‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬المباني‭ ‬والطرق‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬المدن

 

جامعة‭ ‬البحرين‭ ‬للتكنولوجيا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا