إن عددَ مستخدمي الإنترنت وصل إلى ما يعادل 68% من سكان العالم حتى عام 2024، بزيادة بلغت (3.4%) مقارنة بالأعوام السابقة، ويقضي المستخدمون في المتوسط أكثر من 6.5 ساعات يوميًّا على الإنترنت. أما في مملكة البحرين فقد بلغ عددُ مستخدمي الإنترنت 1.48 مليون شخص ما يمثل 99% من إجمالي السكان.
إن انتشارَ الإنترنت والتطورِ السريع لتكنولوجيا الاتصال ووسائل الإعلام، وما حملته معها من خصائصَ ثقافية جديدة وأنماطِ حياة مختلفة وربما غير مسبوقة لجيل بأكمله، أسهم في تغيُّر البناء الاجتماعي والنفسي للمجتمع؛ إنه التقدمُ والتطورُ في وسائل التواصل الاجتماعي الذي أدى إلى تبدل في أنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية وهو ما يصطلح عليه علماء الاجتماع بـ«التغير الاجتماعي».
تَولَّد عن التكنولوجيا الرقمية وسائط عدة، باتت ملمحًا من ملامح تشكل الإنسان في العصر الحديث، لما لها من بصمةٍ على أساليب التواصل والانفعالات والمهارات المعرفية ونمط التفكير والتطلعات الشخصية لفئة الشباب على وجه التحديد، فأصبح لدينا ما يسمى «بالإنسان الرقمي» يؤثِّر ويتأثر بهذا التطور.
تباينت الآراءُ حول الآثار التي تتركها عملية الاستخدام المتواصل لوسائل التواصل الاجتماعي، والاستخدام المفرط للإنترنت بين مؤكد إيجابياتها ومتخوف من مآلاتها. وقد أكدت الدراساتُ الحديثةُ في العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة وجودَ علاقةٍ قوية بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع معدلات الاكتئاب خاصة بين المراهقين والشباب. إلى جانب الأثر الواسع العميق لهذه الوسائل في بنية وشبكة العلاقات الاجتماعية لأفراد المجتمعات العربية والغربية على حدٍ سواء.
حسب منظمة الصحة العالمية (2018) إن الاستخدام المفرط للإنترنت والهواتف الذكية قد يؤدي إلى عواقب صحية سلبية بما في ذلك مشكلات مثل القلق والاكتئاب، وقد سجلت المنظمةُ حتى عام 2019 عدد المصابين بالاكتئاب 280 مليون شخص عل مستوى العالم.. والاكتئاب الذي نتحدث عنه ليس المقصود به المرور بيوم عصيب والشعور بالحزن أو لحظات من الكآبة أو قلة الحيلة، بل هو اضطرابٌ نفسي ينتج عن الاستخدام المَرَضي لمواقع التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية أو صفحات الإنترنت، فترة زمنية تزيد على 38 ساعة أسبوعيا، ويتصف بمجموعة من الأعراض منها الجسدية والمعرفية والوجدانية.
يبدو أن العالمَ الافتراضي أكثرُ أهمية من نظيره الواقعي للأفراد المعرضين للاكتئاب، إنه عالمٌ يُغذي شعور السعادة والنشوة الفورية لا سيما للشخصيات التي تتسم بالقلق وتضخم الشعور بالرفض والإهمال والإحساس بالوحدة والفراغ أو أولئك الذين يمرون بخبرات اجتماعية أليمة مثل الفقد أو الطلاق. ومن هنا كان لابد من الإشارة إلى أن الأجهزة الرقمية وتصميمها الذكي توفر فرصة للتخلي عن التفاعل والتواصل المباشر بين الأشخاص؛ لتجنب مشاعر الإحراج والانزعاج الذي تنطوي عليها المواقف الاجتماعية الفعلية، وقضاء وقت بعيد عن العالم الحقيقي وعن الأشخاص الحقيقيين.
تنشأ الاضطراباتُ الاكتئابيَّة الرقميَّة من خلال ما تقدمه الهواتفُ الذكية من فرصٍ ذهبيَّة للمقارنة وتقييم الفرد لأفكاره وقدراته من خلال مفاضلة نفسه بما يفعله الآخرين في حياتهم، وأيضاً نتيجة لاضطراب الجوانب المعرفية حيث يتلقى الشبابُ معلوماتٍ هائلة تتصف بكونها عشوائيَّة وسطحية، وإنه عند مواجهة أي حدث سلبي في البيئة المحيطة ينتج عنه سلوك انسحابي ورغبة في الجلوس أمام الشاشات الرقمية.
إن العملَ الوقائي والتوعية والتثقيف النفسي الذي يمارسه الاختصاصيون النفسيون والأسريون، والمراكزُ المعنية بتقديم خدمات الإرشاد الأسري والنفسي، سيشكِّلُ عاملَ حماية لناحية شرح أضرار سلوك إدمان مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام الهاتف الذكي وغيره من الأجهزة، إلى جانب التوعية بأهمية العلاجات النفسية الأخرى مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج العقلاني الانفعالي للاضطرابات الاكتئابية الرقمية.
ومما لا شك فيه أن التكنولوجيا تساعدنا في صياغة حياة أكثر إشباعا، وقد أسهمت بالفعل في ذلك لدى كثير من الشباب الذي حققوا أحلامهم وطموحاتهم، إن هذا الأمر يصبح ممكنا فقط إذا تحملنا المسؤولية عن استخدامنا وعملنا وفق خطط مرسومة وواضحة المعالم؛ كما أن التوجه الإيجابي تجاه هذه العالم يمكن أن يسير بنا نحو التقدم الاجتماعي، وتعلم كيف نتعامل معه ونتحكم فيه وفقا لمبادئنا وقيمنا لا العكس.
مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري
التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك