العدد : ١٧٢٢١ - السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢١ - السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

مقالات

الاكتئاب الرقمي.. كيف تشكل التكنولوجيا حياة الناس؟

بقلم: جليلة إسماعيل الخباز

الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

إن‭ ‬عددَ‭ ‬مستخدمي‭ ‬الإنترنت‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬68%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬بزيادة‭ ‬بلغت‭ (‬3.4%‭) ‬مقارنة‭ ‬بالأعوام‭ ‬السابقة،‭ ‬ويقضي‭ ‬المستخدمون‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6‭.‬5‭ ‬ساعات‭ ‬يوميًّا‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬عددُ‭ ‬مستخدمي‭ ‬الإنترنت‭ ‬1‭.‬48‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬99%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬السكان‭. ‬

إن‭ ‬انتشارَ‭ ‬الإنترنت‭ ‬والتطورِ‭ ‬السريع‭ ‬لتكنولوجيا‭ ‬الاتصال‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وما‭ ‬حملته‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬خصائصَ‭ ‬ثقافية‭ ‬جديدة‭ ‬وأنماطِ‭ ‬حياة‭ ‬مختلفة‭ ‬وربما‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬لجيل‭ ‬بأكمله،‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تغيُّر‭ ‬البناء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والنفسي‭ ‬للمجتمع؛‭ ‬إنه‭ ‬التقدمُ‭ ‬والتطورُ‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تبدل‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬السلوك‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬بـ«التغير‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭.‬

‭ ‬تَولَّد‭ ‬عن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬وسائط‭ ‬عدة،‭ ‬باتت‭ ‬ملمحًا‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬تشكل‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬بصمةٍ‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬التواصل‭ ‬والانفعالات‭ ‬والمهارات‭ ‬المعرفية‭ ‬ونمط‭ ‬التفكير‭ ‬والتطلعات‭ ‬الشخصية‭ ‬لفئة‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬فأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬بالإنسان‭ ‬الرقمي‮»‬‭ ‬يؤثِّر‭ ‬ويتأثر‭ ‬بهذا‭ ‬التطور‭.‬

تباينت‭ ‬الآراءُ‭ ‬حول‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬تتركها‭ ‬عملية‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتواصل‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والاستخدام‭ ‬المفرط‭ ‬للإنترنت‭ ‬بين‭ ‬مؤكد‭ ‬إيجابياتها‭ ‬ومتخوف‭ ‬من‭ ‬مآلاتها‭. ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬الدراساتُ‭ ‬الحديثةُ‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬والاجتماعيَّة‭ ‬وجودَ‭ ‬علاقةٍ‭ ‬قوية‭ ‬بين‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الاكتئاب‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬المراهقين‭ ‬والشباب‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأثر‭ ‬الواسع‭ ‬العميق‭ ‬لهذه‭ ‬الوسائل‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬وشبكة‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لأفراد‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والغربية‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭. ‬

حسب‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ (‬2018‭) ‬إن‭ ‬الاستخدام‭ ‬المفرط‭ ‬للإنترنت‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عواقب‭ ‬صحية‭ ‬سلبية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مشكلات‭ ‬مثل‭ ‬القلق‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬وقد‭ ‬سجلت‭ ‬المنظمةُ‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬عدد‭ ‬المصابين‭ ‬بالاكتئاب‭ ‬280‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬عل‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.. ‬والاكتئاب‭ ‬الذي‭ ‬نتحدث‭ ‬عنه‭ ‬ليس‭ ‬المقصود‭ ‬به‭ ‬المرور‭ ‬بيوم‭ ‬عصيب‭ ‬والشعور‭ ‬بالحزن‭ ‬أو‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬الكآبة‭ ‬أو‭ ‬قلة‭ ‬الحيلة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬اضطرابٌ‭ ‬نفسي‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬الاستخدام‭ ‬المَرَضي‭ ‬لمواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬أو‭ ‬صفحات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬38‭ ‬ساعة‭ ‬أسبوعيا،‭ ‬ويتصف‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الأعراض‭ ‬منها‭ ‬الجسدية‭ ‬والمعرفية‭ ‬والوجدانية‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬العالمَ‭ ‬الافتراضي‭ ‬أكثرُ‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬نظيره‭ ‬الواقعي‭ ‬للأفراد‭ ‬المعرضين‭ ‬للاكتئاب،‭ ‬إنه‭ ‬عالمٌ‭ ‬يُغذي‭ ‬شعور‭ ‬السعادة‭ ‬والنشوة‭ ‬الفورية‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬للشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بالقلق‭ ‬وتضخم‭ ‬الشعور‭ ‬بالرفض‭ ‬والإهمال‭ ‬والإحساس‭ ‬بالوحدة‭ ‬والفراغ‭ ‬أو‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يمرون‭ ‬بخبرات‭ ‬اجتماعية‭ ‬أليمة‭ ‬مثل‭ ‬الفقد‭ ‬أو‭ ‬الطلاق‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتصميمها‭ ‬الذكي‭ ‬توفر‭ ‬فرصة‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬التفاعل‭ ‬والتواصل‭ ‬المباشر‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص؛‭ ‬لتجنب‭ ‬مشاعر‭ ‬الإحراج‭ ‬والانزعاج‭ ‬الذي‭ ‬تنطوي‭ ‬عليها‭ ‬المواقف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الفعلية،‭ ‬وقضاء‭ ‬وقت‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬وعن‭ ‬الأشخاص‭ ‬الحقيقيين‭.‬

تنشأ‭ ‬الاضطراباتُ‭ ‬الاكتئابيَّة‭ ‬الرقميَّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬الهواتفُ‭ ‬الذكية‭ ‬من‭ ‬فرصٍ‭ ‬ذهبيَّة‭ ‬للمقارنة‭ ‬وتقييم‭ ‬الفرد‭ ‬لأفكاره‭ ‬وقدراته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفاضلة‭ ‬نفسه‭ ‬بما‭ ‬يفعله‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬وأيضاً‭ ‬نتيجة‭ ‬لاضطراب‭ ‬الجوانب‭ ‬المعرفية‭ ‬حيث‭ ‬يتلقى‭ ‬الشبابُ‭ ‬معلوماتٍ‭ ‬هائلة‭ ‬تتصف‭ ‬بكونها‭ ‬عشوائيَّة‭ ‬وسطحية،‭ ‬وإنه‭ ‬عند‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬حدث‭ ‬سلبي‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬سلوك‭ ‬انسحابي‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬الجلوس‭ ‬أمام‭ ‬الشاشات‭ ‬الرقمية‭.‬

إن‭ ‬العملَ‭ ‬الوقائي‭ ‬والتوعية‭ ‬والتثقيف‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬الاختصاصيون‭ ‬النفسيون‭ ‬والأسريون،‭ ‬والمراكزُ‭ ‬المعنية‭ ‬بتقديم‭ ‬خدمات‭ ‬الإرشاد‭ ‬الأسري‭ ‬والنفسي،‭ ‬سيشكِّلُ‭ ‬عاملَ‭ ‬حماية‭ ‬لناحية‭ ‬شرح‭ ‬أضرار‭ ‬سلوك‭ ‬إدمان‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬باستخدام‭ ‬الهاتف‭ ‬الذكي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الأجهزة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التوعية‭ ‬بأهمية‭ ‬العلاجات‭ ‬النفسية‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬العلاج‭ ‬السلوكي‭ ‬المعرفي‭ ‬أو‭ ‬العلاج‭ ‬العقلاني‭ ‬الانفعالي‭ ‬للاضطرابات‭ ‬الاكتئابية‭ ‬الرقمية‭.‬

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تساعدنا‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬إشباعا،‭ ‬وقد‭ ‬أسهمت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬حققوا‭ ‬أحلامهم‭ ‬وطموحاتهم،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يصبح‭ ‬ممكنا‭ ‬فقط‭ ‬إذا‭ ‬تحملنا‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬استخدامنا‭ ‬وعملنا‭ ‬وفق‭ ‬خطط‭ ‬مرسومة‭ ‬وواضحة‭ ‬المعالم؛‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التوجه‭ ‬الإيجابي‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬العالم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬بنا‭ ‬نحو‭ ‬التقدم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتعلم‭ ‬كيف‭ ‬نتعامل‭ ‬معه‭ ‬ونتحكم‭ ‬فيه‭ ‬وفقا‭ ‬لمبادئنا‭ ‬وقيمنا‭ ‬لا‭ ‬العكس‭.‬

مركز‭ ‬عائشة‭ ‬يتيم‭ ‬للإرشاد‭ ‬الأسري‭ ‬

التابع‭ ‬لجمعية‭ ‬نهضة‭ ‬فتاة‭ ‬البحرين‭  ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا