من المعروف ان الاستثمارات تتخذ العديد من الأشكال والأنماط، وتصنف البشرية منها كأرقى أنواعها وأكثرها فاعلية ومردود، لاسيما تلك التي تهدف الى تحسين إنتاجية وكفاءة الفرد، بما يعود بالنمو المطرد على المجتمع ككل، لذلك يعد الاستثمار في الشباب الواعد استثمارا مهما وواجبا وطنيا يستدعي تكاتف مختلف الجهات في القطاعين العام والخاص، إذ يمكن تصنيف هذا المجال بالخصب والمتجدد الذي لا ينضب.
والاستثمار فيه يعني الاستثمار في مستقبل الأمم، فالشباب هم قادة الغد، وهم بناة المستقبل، وصناع التغيير، وهم الرهان الرابح الذي يستحق أن نعوّل عليه، وتوفير الفرص التعليمية والتدريبية الرامية لتمكينهم، وتطوير قدراتهم، وصقل مهاراتهم، والارتقاء بمواهبهم، هي فرصة ثمينة للتعرف على مناجم من الكفاءات الواعدة، وتوجيهها، وتغذية إبداعها، والأخذ بيدها نحو الأفضل. ومملكة البحرين كانت ومازالت سباقة في الاهتمام بتمكين شبابها؛ عبر تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات التي تترجم دعم القيادة البحرينية للشباب، بما يتوافق مع الرؤية الملكية السامية لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبدعم متكامل من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وبمتابعة حثيثة من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب.
ومن هذا المنطلق عكفت وزارة شؤون الشباب على تمكين الشباب وتفعيل دورهم بصورة مستمرة عبر طرح العديد من البرامج المتميزة في مختلف المجالات، ومنها (مدينة الشباب 2030) التي انطلقت منذ ما يقارب عقد ونصف بشراكة إستراتيجية مثمرة مع صندوق العمل (تمكين)، إذ جاءت كمكمل لمسيرة العمل الوطني بما يتماشى مع رؤية المملكة الاقتصادية 2030، لتخلق بيئة جاذبة للتدريب والتعليم، ومحفزة للإنتاج والابتكار، وممهدة للنماء والإنجاز، بما تقدمه من برامج نوعية متوافقة مع التوجه الوطني في تحقيق تنمية مستدامة شاملة؛ قادرة على رفع مستوى جاهزية الشباب وجودة أداءهم في مختلف المجالات. إذ جاءت بتعاقب نسخها الأربعة عشر كمنظومة متكاملة تتوافق بشكل عام مع روح العصر، وبما يحقق احتياجات الأجيال الجديدة، من حيث طرح البرامج والفرص التدريبية في مراكزها الرئيسية بما يضمن رصانة المضمون وجودة المخرجات؛ لتأهيل الشباب بشكل يواكب التطور الذي يلبي احتياجات سوق العمل.
وتشهد نسخة هذا العام نقلة نوعية من حيث دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي فيما يزيد عن 70% من البرامج المطروحة في جميع المراكز الرئيسية، الأمر الذي يؤكد على توجه الوزارة الواضح لطرح كل ما يتزامن مع المشهد العالمي، ويتواكب مع العصر الرقمي، ويتسق مع الثورة التكنولوجية كلغة عصر.
إلى جانب ذلك، يأتي مركز العلوم والتكنولوجيا بمنهجية علمية ملفتة، من خلال برامجه البارزة التي تسعى لتثقيف الشباب والناشئة في الفترتين الصباحية والمسائية، من خلال تدريبهم على أهم الأساسيات التكنولوجية؛ بما يعزز لديهم مهارات التفكير الإبداعي والاستراتيجي ويساعدهم على الابتكار.
وذلك من خلال طرح مجموعة من البرامج اللافتة للفئتين، منها: مبادئ البرمجة والهندسة لتصميم وتشغيل الروبوتات، وأساسيات بناء وتصميم الألعاب والرسوم المتحركة بمحاكاة أسلوب تفكير المبرمج، وبرنامج تطبيقات الفضاء الذي يتيح تجارب تفاعلية، وبرنامج التطبيقات العلمية للفيزياء كأساس للابتكار والهندسة والتطور التكنولوجي، بالإضافة لبرنامج يعمل على دمج المعرفة النظرية بالتجريب العملي في مفاهيم الذكاء الاصطناعي عبر تعلّم الآلة وتحليل البيانات وتطوير الحلول واكتشاف القضايا الأخلاقية المرتبطة بالتقنيات الحديثة، وبرنامج تعليم الناشئة أسس الذكاء الاصطناعي باستخدام ألعاب تعليمية وتجارب واقعية وأنشطة برمجية تنمي التفكير المنطقي، وأيضًا برنامج أسس صناعة الروبوتات وبرمجتها بطرق تفاعلية ممتعة، كما تطرح برنامج لتعليم أهم التقنيات التكنولوجية المتعلقة بالفضاء بطريقة مبسطة. ومن البرامج المطروحة أيضًا؛ برنامج رفع مستوى الوعي الرقمي لدى الشباب، الذي يشتمل على مفاهيم الأمن السيبراني الأساسية وأنواع التهديدات الإلكترونية وأفضل ممارسات الحماية، والذي يخول المشاركين الحصول على شهادة رقمية من شركة (سيسكو) التكنولوجية، وبرنامج لغات البرمجة المتقدمة والذي يشمل تصميم روبوت بأبسط المفاهيم، وبرنامج مهارات تصميم وتصنيع وتشغيل الأقمار الصناعية المصغرة الذي يتيح المجال لتنفيذ مشروع علمي جماعيّ، وبرنامج بيانات نظم الأرض الذي يحوي المهارات الأساسية في تحليل البيانات ونظم المعلومات الجغرافية، وكذلك برنامج الأدوات التحليلية في الذكاء الاصطناعي التوليدي للمبتدئين والذي يركز على تعلم أساسيات البرمجة، وغيرها.
هذا التكامل النوعي والتطبيق الاحترافي هو ما يجعل من مدينة الشباب مشروع وطني أبعد من الأحلام! لما تشكله من توليفة غنية وفريدة تدمج التعليم بالترفيه، من خلال طرح أحدث البرامج التدريبية التي تحقق طموحات الشباب وترتقي بها، لتضعهم على المسار الصحيح من حيث هندسة المستقبل لبنة تلو الأخرى بدءً من الحاضر، ليكونوا بذلك شركاء حقيقيين وفاعلين في بناء وتغيير وتطوير الوطن بكل تمكّن واقتدار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك