القراء الأعزاء،
يُرددون عليّ هذا السؤال كثيراً: خالتي هنادي تقدرين تشترين لي روبكس (Robucks) أو أحياناً فيبكس (Vbucks)؟
بعد البحث والسؤال عرفت أن المراد شراؤه هو عملة إلكترونية مخصصة لألعاب إلكترونية يلعبها الصغار والكبار أيضاً، ولا يهمني الكبار هنا (لأن عقلهم في راسهم ويعرفون خلاصهم)، ولكن يهمني الأطفال أجيال المستقبل، ذلك أن موضوع السؤال مهم جدا على الصعيد المادي والاجتماعي والنفسي للأطفال ولذويهم.
وذلك أنه مع تطور الثورة التكنولوجية أصبحت الألعاب الالكترونية المرتبطة بأجهزة إلكترونية مثل بلاي ستيشن وغيرها من أهم وسائل التسلية عند الأطفال والشباب، واستفحلت في مجتمعنا الخليجي عند الأجيال المختلفة منذ عقدين أو أكثر ربما، وبالبحث عنها وجدت أنه عند جيل التسعينيات مثلاً كانت كلفة اللعبة الواحدة هي قيمة شرائها فقط ولنقل (20) دينارا على سبيل المثال، فكانت هذه القيمة المقطوعة هي الميزانية الكليّة للعبة ذاتها، ويستطيع اللاعب أن يلعب بها جميع مراحل اللعبة حتى نهايتها.
بينما في الوقت الحاضر تكون قيمة اللعبة هي المبلغ الأوّلي فيما تستجد مبالغ أخرى بشراء الترقيات للمراحل المتقدمة منها، بجانب شراء كماليات كثيرة جداً للاستمرار في اللعبة ويكون شراؤها بواسطة العملة الالكترونية سابقة الذكر، وهذه الكماليات عبارة عن شراء ما يغير ملامح الشخصية الافتراضية التي يستخدمها الطفل للعب أو تغيير كينونتها أو ملابسها ، أو شراء أسلحة لاستخدامها في المعارك التي تدور أثناء اللعب، أو لشراء مستلزمات تغيير وجه الشخصية كتعديل العين والرموش أو الشفايف أو الأنف، وانتبهوا جيداً لهذه المستلزمات الأخيرة وتأثيرها على شخصية الأطفال مستقبلاً.
إذاً، من الواضح أن الألعاب الالكترونية بدلاً من أن تكون مصدر تسلية وقتياً عارضاً أصبحت مصدراً جديداً لتكوين شخصية الطفل من جانب ولاستنزاف موازنة العائلة من جانب آخر، بحكم الشراء المتجدد لكل ما يتم طرحه من قبل الشركة المنتجة للعبة من كماليات، وتلعب الدعاية المباشرة وغير المباشرة دوراً كبيراً في ايهام الأطفال بأنها من الضروريات اللازمة لاستكمال مراحل اللعبة، مع ممارسة ضغط نفسي على الطفل بتحديد فترة زمنية قصيرة جداً لسحبها من السوق، مثل أن يتم طرحها اليوم مع اعلان موازٍ بأنها ستسحب خلال أربع وعشرين ساعة، فيبدأ الطفل بالإلحاح للحصول عليها قبل فوات الأوان، وهذا فقط على الصعيد النفسي والمادي، وهي عملية تجارية محضة لمنتجي هذه الالعاب ومُروجيها.
أما على الصعيد الاجتماعي فمن المعلوم أن الفكر الإنساني لهذا الكائن الاجتماعي قادر دائما على اختلاق الفوارق الاجتماعية، وينسحب ذلك على لاعبي هذه الألعاب الالكترونية؛ ففي هذا المجتمع أيضاً بدأ تظهر بوادر مسألة طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء، صحيح أنها عن براءة محضة ولكنها قد تؤصل لهذا النوع من الفكر لدى هذه الأجيال في عالم تدعو مواثيقه الدولية إلى تعزيز مبدأ المساواة حفظاً للكرامة الانسانية، فعلى سبيل المثال تأتي شخصية اللعبة دائماً بمظهر خارجي أساسي متاح للجميع، وبشراء مستلزمات تعديل الشخصية تتغير تلك الشخصيات لتلائم اللاعب بحسب ذوقه وقدرته المادية وحجم شرائه لمستلزمات التعديل والاضافة إليها، في حين تبقى الشخصية الأصلية المجانية (default character) كما هي عند من لم يستطع الشراء، وبذلك تصبح هيئة الشخصية المجانية هي شخصية الفقراء غير المقتدرين من اللاعبين الذين لا يملكون المال لإجراء تعديلات عليها ويطلق عليها الأطفال في هذا المجتمع مسمّى (سْكنّ الفقارى)، ويترتب على ذلك احداث ضغط مجتمعي على الأطفال اللاعبين.
وأخيراً، سأتوقف قليلاً عند ما سبق أن تطرقت إليه من التعديلات على وجه الشخصية، ألا تتفقون معي بأن تلك التعديلات قد تؤثر على لاوعي الأطفال وتولد عندهم مستقبلاً عدم رضا دائم عن أشكالهم الطبيعية وتحثهم على اللهث وراء عمليات التجميل؟؟
لذا فإن هذه المقال هو مجرد دقّ لناقوس لعله يصل إلى أسماع أولياء أمور الأطفال لمراقبة أطفالهم الذين أصبحوا بين ايادي الأجهزة الإلكترونية لتُشكل شخصياتهم ووعيهم وثقافتهم بعيداً عن واقعهم وإرثهم الاجتماعي والثقافي والحضاري وعن هويتهم الأصلية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك