العدد : ١٧٢٩٩ - الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٩ - الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ صفر ١٤٤٧هـ

مقالات

أطفالنا والألعاب الإلكترونية

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

يُرددون‭ ‬عليّ‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬كثيراً‭: ‬خالتي‭ ‬هنادي‭ ‬تقدرين‭ ‬تشترين‭ ‬لي‭ ‬روبكس‭ (‬Robucks‭) ‬أو‭ ‬أحياناً‭ ‬فيبكس‭ (‬Vbucks‭)‬؟

بعد‭ ‬البحث‭ ‬والسؤال‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬المراد‭ ‬شراؤه‭ ‬هو‭ ‬عملة‭ ‬إلكترونية‭ ‬مخصصة‭ ‬لألعاب‭ ‬إلكترونية‭ ‬يلعبها‭ ‬الصغار‭ ‬والكبار‭ ‬أيضاً،‭ ‬ولا‭ ‬يهمني‭ ‬الكبار‭ ‬هنا‭ (‬لأن‭ ‬عقلهم‭ ‬في‭ ‬راسهم‭ ‬ويعرفون‭ ‬خلاصهم‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬يهمني‭ ‬الأطفال‭ ‬أجيال‭ ‬المستقبل،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬السؤال‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬المادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والنفسي‭ ‬للأطفال‭ ‬ولذويهم‭.‬

وذلك‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬أصبحت‭ ‬الألعاب‭ ‬الالكترونية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بأجهزة‭ ‬إلكترونية‭ ‬مثل‭ ‬بلاي‭ ‬ستيشن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وسائل‭ ‬التسلية‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب،‭ ‬واستفحلت‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الخليجي‭ ‬عند‭ ‬الأجيال‭ ‬المختلفة‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬ربما،‭ ‬وبالبحث‭ ‬عنها‭ ‬وجدت‭ ‬أنه‭ ‬عند‭ ‬جيل‭ ‬التسعينيات‭ ‬مثلاً‭ ‬كانت‭ ‬كلفة‭ ‬اللعبة‭ ‬الواحدة‭ ‬هي‭ ‬قيمة‭ ‬شرائها‭ ‬فقط‭ ‬ولنقل‭ (‬20‭) ‬دينارا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬المقطوعة‭ ‬هي‭ ‬الميزانية‭ ‬الكليّة‭ ‬للعبة‭ ‬ذاتها،‭ ‬ويستطيع‭ ‬اللاعب‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬اللعبة‭ ‬حتى‭ ‬نهايتها‭.‬

بينما‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬تكون‭ ‬قيمة‭ ‬اللعبة‭ ‬هي‭ ‬المبلغ‭ ‬الأوّلي‭ ‬فيما‭ ‬تستجد‭ ‬مبالغ‭ ‬أخرى‭ ‬بشراء‭ ‬الترقيات‭ ‬للمراحل‭ ‬المتقدمة‭ ‬منها،‭ ‬بجانب‭ ‬شراء‭  ‬كماليات‭ ‬كثيرة‭ ‬جداً‭ ‬للاستمرار‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬ويكون‭ ‬شراؤها‭ ‬بواسطة‭ ‬العملة‭ ‬الالكترونية‭ ‬سابقة‭ ‬الذكر،‭ ‬وهذه‭ ‬الكماليات‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬ما‭ ‬يغير‭ ‬ملامح‭ ‬الشخصية‭ ‬الافتراضية‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الطفل‭ ‬للعب‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬كينونتها‭ ‬أو‭ ‬ملابسها‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬أسلحة‭ ‬لاستخدامها‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬أثناء‭ ‬اللعب،‭ ‬أو‭ ‬لشراء‭ ‬مستلزمات‭ ‬تغيير‭ ‬وجه‭  ‬الشخصية‭ ‬كتعديل‭ ‬العين‭ ‬والرموش‭ ‬أو‭ ‬الشفايف‭ ‬أو‭ ‬الأنف،‭ ‬وانتبهوا‭ ‬جيداً‭ ‬لهذه‭ ‬المستلزمات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬الأطفال‭ ‬مستقبلاً‭.‬

إذاً،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الألعاب‭ ‬الالكترونية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصدر‭ ‬تسلية‭ ‬وقتياً‭ ‬عارضاً‭ ‬أصبحت‭ ‬مصدراً‭ ‬جديداً‭ ‬لتكوين‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬ولاستنزاف‭ ‬موازنة‭ ‬العائلة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬بحكم‭ ‬الشراء‭ ‬المتجدد‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬طرحه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشركة‭ ‬المنتجة‭ ‬للعبة‭ ‬من‭ ‬كماليات،‭ ‬وتلعب‭ ‬الدعاية‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬ايهام‭ ‬الأطفال‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬الضروريات‭ ‬اللازمة‭ ‬لاستكمال‭ ‬مراحل‭ ‬اللعبة،‭ ‬مع‭ ‬ممارسة‭ ‬ضغط‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬الطفل‭ ‬بتحديد‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬جداً‭ ‬لسحبها‭ ‬من‭ ‬السوق،‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬طرحها‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬اعلان‭ ‬موازٍ‭ ‬بأنها‭ ‬ستسحب‭ ‬خلال‭ ‬أربع‭ ‬وعشرين‭ ‬ساعة،‭ ‬فيبدأ‭ ‬الطفل‭ ‬بالإلحاح‭ ‬للحصول‭ ‬عليها‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان،‭ ‬وهذا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬النفسي‭ ‬والمادي،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬تجارية‭ ‬محضة‭ ‬لمنتجي‭ ‬هذه‭ ‬الالعاب‭ ‬ومُروجيها‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فمن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬لهذا‭ ‬الكائن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬قادر‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬اختلاق‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وينسحب‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬لاعبي‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬الالكترونية؛‭ ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬أيضاً‭ ‬بدأ‭ ‬تظهر‭ ‬بوادر‭ ‬مسألة‭ ‬طبقة‭ ‬الفقراء‭ ‬وطبقة‭ ‬الأغنياء،‭ ‬صحيح‭ ‬أنها‭ ‬عن‭ ‬براءة‭ ‬محضة‭ ‬ولكنها‭ ‬قد‭ ‬تؤصل‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬لدى‭ ‬هذه‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تدعو‭ ‬مواثيقه‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬حفظاً‭ ‬للكرامة‭ ‬الانسانية،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تأتي‭ ‬شخصية‭ ‬اللعبة‭ ‬دائماً‭ ‬بمظهر‭ ‬خارجي‭ ‬أساسي‭ ‬متاح‭ ‬للجميع،‭ ‬وبشراء‭ ‬مستلزمات‭ ‬تعديل‭ ‬الشخصية‭ ‬تتغير‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬لتلائم‭ ‬اللاعب‭ ‬بحسب‭ ‬ذوقه‭ ‬وقدرته‭ ‬المادية‭ ‬وحجم‭ ‬شرائه‭ ‬لمستلزمات‭ ‬التعديل‭ ‬والاضافة‭ ‬إليها،‭  ‬في‭ ‬حين‭ ‬تبقى‭ ‬الشخصية‭ ‬الأصلية‭ ‬المجانية‭ (‬default‭ ‬character‭) ‬كما‭ ‬هي‭ ‬عند‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الشراء،‭ ‬وبذلك‭ ‬تصبح‭ ‬هيئة‭ ‬الشخصية‭ ‬المجانية‭ ‬هي‭ ‬شخصية‭ ‬الفقراء‭ ‬غير‭ ‬المقتدرين‭ ‬من‭ ‬اللاعبين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬المال‭ ‬لإجراء‭ ‬تعديلات‭ ‬عليها‭ ‬ويطلق‭ ‬عليها‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬مسمّى‭ (‬سْكنّ‭ ‬الفقارى‭)‬،‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭  ‬ذلك‭ ‬احداث‭ ‬ضغط‭ ‬مجتمعي‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬اللاعبين‭.‬

وأخيراً،‭ ‬سأتوقف‭ ‬قليلاً‭ ‬عند‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تطرقت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الشخصية،‭ ‬ألا‭ ‬تتفقون‭ ‬معي‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬التعديلات‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬لاوعي‭ ‬الأطفال‭ ‬وتولد‭ ‬عندهم‭ ‬مستقبلاً‭ ‬عدم‭ ‬رضا‭ ‬دائم‭ ‬عن‭ ‬أشكالهم‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتحثهم‭ ‬على‭ ‬اللهث‭ ‬وراء‭ ‬عمليات‭ ‬التجميل؟؟

‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬دقّ‭ ‬لناقوس‭ ‬لعله‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أسماع‭ ‬أولياء‭ ‬أمور‭ ‬الأطفال‭ ‬لمراقبة‭ ‬أطفالهم‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬بين‭ ‬ايادي‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬لتُشكل‭ ‬شخصياتهم‭ ‬ووعيهم‭ ‬وثقافتهم‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬واقعهم‭ ‬وإرثهم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬والحضاري‭ ‬وعن‭ ‬هويتهم‭ ‬الأصلية‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا