العدد : ١٧٣٣٥ - الاثنين ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٥ - الاثنين ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الظاهرة الاستعمارية.. سباق دموي بين لصوص يرتدون القفازات!

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

الخميس ١٥ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

‭ ‬كانت‭ ‬حقبة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأوروبي‭ ‬وظهور‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬غيّرت‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬حرفيا‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الـ15‭ ‬حتى‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬20،‭ ‬يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬هوارد‭ ‬زن‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭: ‬‮«‬الاستعمار‭ ‬كان‭ ‬دوما‭ ‬يُقدَّم‭ ‬كرسالة‭ ‬حضارة،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬رسالة‭ ‬استغلال‮»‬‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الاستعمار‭ ‬لبس‭ ‬قناع‭ ‬التعليم‭ ‬والتطوير‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬كان‭ ‬مطامع‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسلبا‭ ‬للموارد‭.‬

قال‭ ‬المؤرخ‭ ‬والسياسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬المجري‭ ‬الأصل‭ ‬جورج‭ ‬فريدمان‭: ‬‮«‬الاستعمار‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مغامرة‭ ‬جماعية،‭ ‬بل‭ ‬سباقا‭ ‬دمويا‭ ‬بين‭ ‬لصوص‭ ‬يرتدون‭ ‬القفازات‮»‬،‭ ‬والاستعمار‭ ‬بوجهه‭ ‬الحديث‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـالاستعمار‭ ‬الجديدNeocolonialism‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحتل‭ ‬أراضينا‭ ‬بالدبابات‭ ‬والمدافع‭ ‬والبارجات‭ ‬الحربية‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬يأتي‭ ‬ويُفرش‭ ‬له‭ ‬السجاد‭ ‬الأحمر‭ ‬بكل‭ ‬حفاوة‭ ‬وترحيب‭ ‬ببدلته‭ ‬الأنيقة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬بنك‭ ‬دولي‭ ‬أو‭ ‬شركة‭ ‬عملاقة،‭ ‬وأصبح‭ ‬يسلبنا‭ ‬أموالنا،‭ ‬الاستعمار‭ ‬الحديث‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬فيها‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬والشركات‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات،‭ ‬والإعلام‭ ‬العالمي،‭ ‬وحتى‭ ‬التعليم‭ ‬والثقافة‭ ‬والصحة‭ ‬والإدارة‭ ‬والتطوير‭ ‬والتنمية،‭ ‬والهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬ليس‭ ‬مساعدة‭ ‬الدول‭ ‬الناشئة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬والتطور‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬صورة‭ ‬محسنة‭ ‬او‭ ‬محدثة‭ ‬للاستعمار‭ ‬الدموي‭ ‬السابق؛‭ ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التحكم‭ ‬بالدول‭ ‬وبشعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬وتوجيهها‭ ‬ونهب‭ ‬ثرواتها‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬عسكري‭ ‬مباشر‭.‬

في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬المستعمرون‭ ‬ألأوربيون‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا،‭ ‬فرنسا،‭ ‬إيطاليا،‭ ‬هولندا،‭ ‬بلجيكا،‭ ‬إسبانيا،‭ ‬البرتغال،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فتغيرت‭ ‬أسماء‭ ‬المستعمرين‭ ‬ليحل‭ ‬محلهم‭ ‬مؤسسات‭ ‬وهيئات‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬وشركات‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات،‭ ‬استعمارهم‭ ‬الحالي‭ ‬ليس‭ ‬بمراكب‭ ‬وأساطيل‭ ‬بحرية‭ ‬وجنود‭ ‬وآلة‭ ‬عسكرية‭ ‬وإنما‭ ‬رقم‭ ‬مصرفي‭ ‬يودع‭ ‬في‭ ‬حساب‭ ‬الدولة‭ ‬المُستعمرة،‭ ‬بشروط‭ ‬مجحفة‭ ‬تقضي‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬الدول‭ ‬وتفقر‭ ‬الشعوب‭ ‬وتوصية‭ ‬شبه‭ ‬مُلزمة‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بشركات‭ ‬غربية‭ ‬محددة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المشاريع‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المُقترضة،‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يفتح‭ ‬المجال‭ ‬للشركات‭ ‬الغربية‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬الدولة‭ ‬وفرض‭ ‬شروطها‭ ‬وخططها‭ ‬وأجنداتها‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬النامي‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬ديون‭ ‬ومصيدة‭ ‬اسمها‭ ‬مساعدات‭ ‬دولية،‭ ‬يقول‭ ‬المفكر‭ ‬المصري‭ ‬سمير‭ ‬أمين‭: ‬‮«‬إن‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬ليس‭ ‬مساعدات،‭ ‬بل‭ ‬أدوات‭ ‬استعمار‭ ‬جديدة‭ ‬بوجه‭ ‬مالي‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬استعمار‭ ‬بالسلاح‭ ‬أصبح‭ ‬استعمارا‭ ‬بالدفاتر‭ ‬والفوائد‭.‬

التأثير‭ ‬الثقافي‭ ‬والإعلامي،‭ ‬الأفلام،‭ ‬المسلسلات‭ ‬وحتى‭ ‬الذوق‭ ‬العام،‭ ‬كله‭ ‬يتم‭ ‬تشكيله‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬وأضحت‭ ‬الهيمنة‭ ‬الثقافية‭ ‬أداة‭ ‬للاستعمار،‭ ‬قال‭ ‬الزعيم‭ ‬كوامي‭ ‬نكروما‭ ‬بطل‭ ‬استقلال‭ ‬غانا‭: ‬‮«‬الاستعمار‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬بل‭ ‬غيّر‭ ‬قفازاته‮»‬‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬خروج‭ ‬المستعمر‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مربوطة‭ ‬بخيوط‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭.‬

‭ ‬المشكلة‭ ‬إن‭ ‬الاستعمار‭ ‬الحديث‭ ‬يأتي‭ ‬بوجه‭ ‬جميل‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مساعدات‭ ‬واستثمارات‭ ‬وخطط‭ ‬تنموية،‭ ‬لكنه‭ ‬غالباً‭ ‬يحمل‭ ‬أجندات‭ ‬خفية‭ ‬البعض‭ ‬يُدركها‭ ‬ولكنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬رفضها‭ ‬والبعض‭ ‬رفضها‭ ‬فحُرب‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وعُزل‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬يقول‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬السابق‭ ‬هواري‭ ‬بومدين‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬رأيتم‭ ‬فرنسا‭ ‬غير‭ ‬راضية‭ ‬عنا‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭.. ‬والعكس‭ ‬صحيح‮»‬‭.‬

إن‭ ‬جوهر‭ ‬العقلية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تقول‭: ‬نحن‭ ‬الفاهمون‭ ‬والمتقدمون‭ ‬والمثقفون‭ ‬وباقي‭ ‬الشعوب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬برابرة‭ ‬متخلفين‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نعلمهم‭ ‬كيف‭ ‬يعيشون‭ ‬وهذه‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬خطير‭ ‬جدا‭ ‬اسمه‭: ‬الاستعلاء‭ ‬الحضاري‭ (‬Civilizational‭ ‬Superiority‭)‬،‭ ‬فالمستعمر‭ ‬الغربي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬مجرد‭ ‬محتل‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬مُنقذا‭ ‬أو‭ ‬مُرشدا‭ ‬أو‭ ‬مؤسسا‭ ‬للحضارة،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ينهب‭ ‬ويسرق‭ ‬وينشر‭ ‬الجوع‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬الشعوب‭ ‬النامية،‭ ‬كان‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬جئنا‭ ‬لننشر‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬الظلام‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هم‭ ‬كانوا‭ ‬ينشرون‭ ‬الدمار‭ ‬ويلبسونه‭ ‬قناع‭ ‬التنوير‭.‬

إن‭ ‬عبء‭ ‬الرجل‭ ‬الأبيض‭ (‬The‭ ‬White‭ ‬Man’s‭ ‬Burden‭) ‬إحدى‭ ‬العبارات‭ ‬اللي‭ ‬كان‭ ‬يرددها‭ ‬المستعمرون‭ ‬كمبرر‭ ‬لاستعمارهم‭ ‬اخترعها‭ ‬الشاعر‭ ‬البريطاني‭ ‬روديارد‭ ‬كيبلنج‭ ‬وكان‭ ‬يقصد‭ ‬فيها‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬الرجل‭ ‬الأبيض‭ ‬واجب‭ ‬حضاري‭ ‬تجاه‭ ‬بقية‭ ‬الشعوب‭ ‬الجاهلة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬احتلال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬رأيه‭ ‬واجبا‭ ‬نبيلا‭.‬

البروفيسور‭ ‬أدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الاستشراق‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الغرب‭ ‬لم‭ ‬يدرس‭ ‬الشرق‭ ‬ليفهمه‭ ‬بل‭ ‬ليُخضعه‮»‬،‭ ‬فعلاً‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬الشرق‭ ‬كانت‭ ‬تبني‭ ‬صورا‭ ‬مشوهة‭ ‬لتبرير‭ ‬الغزو‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬حضارتنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬علّمت‭ ‬العالم‭ ‬الطب،‭ ‬الفلك،‭ ‬الرياضيات،‭ ‬والفلسفة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانوا‭ ‬هم‭ ‬يغرقون‭ ‬في‭ ‬ظلام‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا