العدد : ١٧٢١٧ - الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٧ - الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

خطر المقارنة بين الأولاد على ثقتهم بأنفسهم

بقلم: د. محمد برهان الدين موسى {

الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

يعد‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الأهل‭ ‬من‭ ‬مقارنة‭ ‬لأولادهم‭ ‬ببعضهم‭ ‬البعض‭ ‬أو‭ ‬بغيرهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬شوف‭ ‬ولد‭ ‬خالتك،‭ ‬دايمًا‭ ‬يجيب‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬الصف،‭ ‬وأنت‭ ‬دراستك‭ ‬كلها‭ ‬طايحة‭ ‬وشوف‭ ‬أخوك‭ ‬الصغير،‭ ‬كله‭ +‬A‭  ‬وأنت‭ ‬بالكاد‭ ‬ناجح‭ ‬ويا‭ ‬ريت‭ ‬تتعلم‭ ‬من‭ ‬ولد‭ ‬عمك،‭ ‬شايل‭ ‬اسمه‭ ‬واسم‭ ‬أهله‭ ‬فوق‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مجتهدًا‭ ‬مثل‭ ‬أخيك؟‭ ‬أو‭ ‬صديقك‭ ‬أفضل‭ ‬منك‭ ‬في‭ ‬الدراسة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الأخطاء‭ ‬التربوية‭. ‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المقارنات‭ ‬قد‭ ‬تترك‭ ‬أثرًا‭ ‬نفسيًّا‭ ‬عميقًا‭ ‬يدوم‭ ‬مع‭ ‬الطفل‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭. ‬عندما‭ ‬يسمع‭ ‬الطفل‭ ‬عبارات‭ ‬كهذه،‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬محبوب‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬كفء‭ ‬أو‭ ‬عديم‭ ‬القدرة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬الدافع‭ ‬الطبيعي‭ ‬للتطور‭ ‬إلى‭ ‬شعور‭ ‬بالدونية‭ ‬والنقص‭. ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للمقارنات‭ ‬المستمرة‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للقلق‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتدني‭ ‬احترام‭ ‬الذات،‭ ‬والانسحاب‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬الفشل‭.‬

إن‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬العبارات‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬محتواها‭ ‬المباشر‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬عقل‭ ‬الطفل‭: ‬‮«‬أنت‭ ‬لست‭ ‬جيدًا‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التوجيه،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محفزًا،‭ ‬يُشعر‭ ‬الطفل‭ ‬بأن‭ ‬حبه‭ ‬وتقديره‭ ‬مرهونان‭ ‬بتفوق‭ ‬الآخرين،‭ ‬ليس‭ ‬بجده‭ ‬واجتهاده‭. ‬بل‭ ‬ويؤدي‭ ‬أحيانًا‭ ‬إلى‭ ‬كره‭ ‬الطفل‭ ‬للمقارَن‭ ‬به‭ (‬مثل‭ ‬أخ‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬أو‭ ‬زميل‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬يولد‭ ‬علاقات‭ ‬مشحونة‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬المدرسة‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬دائم‭ ‬التوتر،‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إرضاء‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬راحته‭ ‬النفسية،‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬الإحباط‭ ‬أو‭ ‬الشعور‭ ‬بالخزي‭. ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬قد‭ ‬يعتاد‭ ‬الشعور‭ ‬بالدونية‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬يطمح‭ ‬لتحسين‭ ‬نفسه،‭ ‬مقتنعًا‭ ‬بأن‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬ستبوء‭ ‬بالفشل‭ ‬كما‭ ‬صُوّرت‭ ‬له‭ ‬مرارًا‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬المقارنات‭ ‬تُحدث‭ ‬شروخًا‭ ‬في‭ ‬ثقة‭ ‬الطفل‭ ‬بنفسه،‭ ‬وتعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬نظرته‭ ‬لذاته‭ ‬بطريقة‭ ‬سلبية‭ ‬يصعب‭ ‬ترميمها‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬بنائها‭ ‬لاحقًا‭. ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأسرة‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭ ‬ينمو‭ ‬فيها‭ ‬الطفل‭ ‬بحرية‭ ‬واطمئنان،‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬ضغط‭ ‬ومحاسبة‭ ‬مستمرة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬معايير‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان‭. ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬إدراك‭ ‬الأهل‭ ‬لهذا‭ ‬الخطر‭ ‬هو‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬لحماية‭ ‬أطفالهم‭ ‬من‭ ‬ترسبات‭ ‬نفسية‭ ‬قد‭ ‬ترافقهم‭ ‬عقودا‭.‬

تؤثر‭ ‬هذه‭ ‬المقارنات‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬حيث‭ ‬يبدأ‭ ‬الطفل‭ ‬بمقارنة‭ ‬نفسه‭ ‬بالآخرين‭ ‬بشكل‭ ‬دائم،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬يشكك‭ ‬في‭ ‬قدراته‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬المواقف‭. ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬الاختلاف‭ ‬مصدر‭ ‬قوة‭ ‬وتفرد،‭ ‬يراه‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬النقص‭ ‬والقصور‭ ‬يا‭ ‬بني‭ ‬لا‭ ‬تدخلوا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬واحد‭ ‬وادخلوا‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬متفرقة،‭ ‬ومع‭ ‬تكرار‭ ‬هذا‭ ‬النمط،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولية‭ ‬من‭ ‬النمو،‭ ‬قد‭ ‬يظهر‭ ‬لدى‭ ‬الطفل‭ ‬ميل‭ ‬إلى‭ ‬التقليد‭ ‬الأعمى‭ ‬للآخرين‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ابتكار‭ ‬أساليبه‭ ‬الخاصة،‭ ‬مما‭ ‬يقيد‭ ‬شخصيته‭ ‬ويكبت‭ ‬طموحه‭. ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬قد‭ ‬ترافقه‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬المراهقة‭ ‬والشباب،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬سجينًا‭ ‬للخوف‭ ‬من‭ ‬التقييم‭ ‬والنقد‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬المختلفة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭.‬

تكمن‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬ضعف‭ ‬الثقة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تتطور‭ ‬إلى‭ ‬انسحاب‭ ‬اجتماعي‭ ‬أو‭ ‬تبني‭ ‬مواقف‭ ‬دفاعية‭ ‬بشكل‭ ‬دائم،‭ ‬حيث‭ ‬يشعر‭ ‬الفرد‭ ‬بالحاجة‭ ‬المستمرة‭ ‬إلى‭ ‬إثبات‭ ‬ذاته‭ ‬للآخرين‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فخورا‭ ‬بقدراته‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬ضعف‭ ‬الشعور‭ ‬بالرضا‭ ‬الداخلي‭ ‬يجعل‭ ‬الشخص‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للتأثر‭ ‬بآراء‭ ‬الآخرين،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬استقراره‭ ‬النفسي‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬قدراته‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭. ‬إن‭ ‬المقارنة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬سلاح‭ ‬يهدد‭ ‬نظرة‭ ‬الطفل‭ ‬لنفسه،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬حاجز‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬استكشاف‭ ‬إمكاناته‭ ‬بشغف‭ ‬وحرية‭.‬

لذا،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الأهل‭ ‬تجنب‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬المقارنات‭ ‬الضارة‭ ‬بقدرات‭ ‬الأطفال‭. ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ينبغي‭ ‬عليهم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬التقدم‭ ‬الشخصي‭ ‬لكل‭ ‬طفل،‭ ‬وملاحظة‭ ‬جهوده‭ ‬وإنجازاته‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭. ‬إن‭ ‬التشجيع‭ ‬الصادق،‭ ‬والتقدير‭ ‬العادل،‭ ‬وإتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لكل‭ ‬طفل‭ ‬لاكتشاف‭ ‬قدراته‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭ ‬وداعمة‭ ‬هي‭ ‬عوامل‭ ‬أساسية‭ ‬لبناء‭ ‬شخصية‭ ‬واثقة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭. ‬فالثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬لا‭ ‬تُكتسب‭ ‬بالكلمات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬بل‭ ‬تُزرع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعامل‭ ‬اليومي،‭ ‬والملاحظة‭ ‬الدقيقة،‭ ‬والاحترام‭ ‬العميق‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬فريد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬طفل‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حذرين‭ ‬من‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬نندم‭ ‬عليها‭ ‬لاحقًا،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تُفقد‭ ‬أطفالنا‭ ‬مستقبلًا‭ ‬واعدًا‭.‬

الأهل‭ ‬هم‭ ‬المرآة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬نفسه،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المرآة‭ ‬مليئة‭ ‬بالانتقاص‭ ‬والمقارنة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سينعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬صورته‭ ‬الداخلية‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مليئة‭ ‬بالقبول‭ ‬والتقدير،‭ ‬فإن‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭ ‬ستنمو‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬يدرك‭ ‬قيمته‭ ‬ويؤمن‭ ‬بقدراته‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الأهل‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬مختلف‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬والتطور،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬وصفة‭ ‬واحدة‭ ‬للنجاح‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬الجميع‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احترام‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬وتشجيع‭ ‬الطفل‭ ‬على‭ ‬التقدم‭ ‬وفقًا‭ ‬لإمكاناته‭ ‬الخاصة،‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬أساس‭ ‬نفسي‭ ‬متين‭ ‬يساعد‭ ‬الطفل‭ ‬على‭ ‬التوجه‭ ‬بثقة‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬مساعد،‭ ‬قسم‭ ‬الدراسات‭ ‬التربوية

كلية‭ ‬البحرين‭ ‬للمعلمين،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين

mmusah@uob‭.‬edu‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا