لن يغفر التاريخ تواطؤنا. لقد آن الأوان لنتوقف عن دعم بنيامين نتنياهو في تدمير الشعب الفلسطيني.
أودُّ أن أتحدثَ ببضع كلماتٍ عن قضيةٍ تشغل بال الناسُ في جميع أنحاء العالم، وتُثيرُ فزعهم، ولكن لسببٍ غريبٍ لا تحظى هذه القضية إلا بنقاشٍ محدودٍ هنا في العاصمةِ الأمريكية أو في قاعاتِ الكونجرس. إنها الكارثةُ الإنسانيةُ المروعةُ التي تتكشفُ فصولها وتتجلى مظاهرها في قطاع غزة.
صادف يوم الخميس الموافق 8 مايو 2025 مرور 68 يومًا على عدم دخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة، وما زال عدد أيام الحصار يتزايد. ولأكثر من تسعة أسابيع، منعت إسرائيل جميع الإمدادات عن السكان الفلسطينيين في غزة: لا طعام، لا ماء، لا دواء، ولا وقود.
تنتظر مئات الشاحنات المحملة بالإمدادات المنقذة للحياة الوصول إلى قطاع غزة، عبر الحدود مباشرة، لكن السلطات الإسرائيلية تمنعها من الدخول.
لا يوجد أي غموض البتة هنا.. فحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتطرفة تتحدث علانية عن استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح. فقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس: «سياسة إسرائيل واضحة: لن تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة، ومنع هذه المساعدات هو أحد أدوات الضغط الرئيسية».
إن تجويع الأطفال حتى الموت كسلاح حرب يُعد انتهاكًا واضحًا لاتفاقية جنيف، وقانون المساعدات الخارجية، وأبسط قواعد الإنسانية. فالشعوب المتحضرة لا تجوّع الأطفال حتى الموت.
إن ما يحدث في قطاع غزة هو جريمة حرب متكاملة الأركان ترتكب علنا وفي وضح النهار وتستمر كل يوم.
يعيش في قطاع غزة 2.2 مليون نسمة. هؤلاء الناس يعيشون اليوم تحت الحصار. الحدود مغلقة، وقد ضيّقت إسرائيل الخناق على السكان إلى مساحة أصغر فأصغر.
وبعد أن قطعت إسرائيل جميع المساعدات، نشهد الآن عملية بطيئة ووحشية من المجاعة الجماعية والموت نتيجة حرمان الفلسطينيين من الضروريات الأساسية. هذا أمر ممنهج ومتعمد، وهذه هي السياسة المعلنة لحكومة نتنياهو.
ومن دون وقود، لا توجد إمكانية لضخ المياه العذبة، مما يزيد من يأس الناس، ويحرمهم من مياه الشرب النظيفة أو الاغتسال أو الطهي بشكل سليم، فيما يتفشى المرض مجددًا في غزة وينتشر بين السكان.
أغلقت معظم المخابز في غزة أبوابها بعد نفاد الوقود والدقيق، كما أغلقت المطابخ المجتمعية القليلة المتبقية أبوابها، ويعيش معظم الناس الآن على المواد المعلبة النادرة، والتي غالبًا ما تكون علبة واحدة من الفاصوليا أو بعض العدس، تتقاسمها الأسرة مرة واحدة يوميًا.
وتشير تقارير منظمة الأمم المتحدة إلى أن أكثر من مليوني شخص من أصل 2.2 مليون نسمة يواجهون نقصا حادا في الغذاء.
يُعاني الأطفال من المجاعة بشكل خاص، إذ تظهر على ما لا يقل عن 65 ألف طفل الآن أعراض سوء التغذية، وقد مات العشرات منهم جوعًا.
كذلك ارتفعت معدلات سوء التغذية بنسبة 80% في شهر مارس 2025، وهو آخر شهر تتوفر عنه بيانات، بعد أن بدأ نتنياهو حصاره الجائر على غزة، لكن الوضع تدهور بشدة منذ ذلك الحين.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) يوم 7 مايو 2025 إن «الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم»، وإنها تعالج نحو 10 آلاف طفل من سوء التغذية الحاد.
وفي غياب التغذية الكافية أو الوصول إلى المياه النظيفة، سوف يموت العديد من الأطفال بسبب أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة، ويقتلهم شيء بسيط مثل الإسهال.
وبالنسبة إلى عشرات الآلاف من الجرحى في غزة، وخاصةً ضحايا الحروق الكثيرة جراء القصف الإسرائيلي، لا يمكن لجروحهم أن تلتئم دون طعام كافٍ وماء نظيف. وإذا تُركت هذه الإصابات لتتفاقم، ستؤدي العدوى إلى وفاة كثيرين ممن كان من المفترض أن ينجوا.
ومع انعدام حليب الأطفال، ومع عدم قدرة الأمهات المصابات بسوء التغذية على إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية، يتعرض العديد من الرضّع لخطر الموت الشديد. أما الناجون فسيحملون ندوب معاناتهم الغائرة لبقية حياتهم.
ومع قلة الأدوية المتاحة، فإن الأمراض التي يمكن في الواقع علاجها بسهولة والأمراض المزمنة مثل مرض السكري أو أمراض القلب قد تشكل حكماً بالإعدام في قطاع غزة.
إن ما يحدث هناك اليوم في قطاع غزة ليس زلزالًا مدمرًا، ولا إعصارًا، ولا عاصفة. لأن ما يحدث هناك اليوم في قطاع غزة المحاصر والمدمر كابوسٌ من صنع الإنسان، كابوس ولا شيء يبرر ذلك.
إن ما يحدث هناك اليوم في قطاع غزة سيبقى وصمة عارٍ دائمة في ضمير العالم. لن ينسى التاريخ أبدًا أننا سمحنا بحدوث هذا، بل نحن هنا في الولايات المتحدة، ساهمنا في ارتكاب هذه الفظاعة.
ليس هناك شك في أن حماس بدأت هذه الحرب الرهيبة بهجومها على إسرائيل ذات يوم 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص وأسر 250 آخرين.
لكن حكومة نتنياهو المتطرفة لم تكتفِ بشن حرب على حماس، بل شنّت حرب إبادة وحشية شاملة طالت كامل الشعب الفلسطيني. لقد سعت عمدا إلى جعل الحياة في غزة لا تُطاق.
حتى الآن قتلت إسرائيل أكثر من 52 ألف شخص وأصابت أكثر من 118 ألفًا، 60% منهم نساء وأطفال وكبار سن. لقد قُتل أكثر من 15 ألف طفل في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
أدى القصف الإسرائيلي العشوائي إلى إتلاف أو تدمير ثلثي المباني في غزة، بما في ذلك 92% من الوحدات السكنية. يعيش معظم السكان الآن في خيام أو هياكل مؤقتة أخرى.
لقد دُمر نظام الرعاية الصحية في غزة بشكل كامل، وقُصفت معظم مستشفيات القطاع ومرافق الرعاية الصحية الأولية.
لقد دُمِّرت البنية التحتية المدنية في غزة بالكامل، بما في ذلك ما يقرب من 90% من مرافق المياه والصرف الصحي. كما دُمِّرت معظم الطرق.
لقد دُمِّرَ نظام التعليم في غزة. قُصِفَت مئات المدارس، وكذلك جميع جامعات غزة الاثنتي عشرة، وانقطعت الكهرباء في غزة منذ ثمانية عشر شهرًا.
في ظل هذا الواقع، لا ينبغي لأحد أن يشك في أن بنيامين نتنياهو مجرم حرب ملطخة يداه بدماء الأبرياء.
والآن لدى نتنياهو ووزرائه المتطرفين خطة جديدة: إعادة احتلال غزة بأكملها إلى أجل غير مسمى، وهدم المباني القليلة التي لا تزال قائمة، وإجبار سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على الوجود في منطقة صغيرة واحدة، حيث سيقوم متعاقدون أمنيون أمريكيون بتوزيع حصص الإعاشة على الناجين منهم.
إن المسؤولين الإسرائيليين مصممون تماما على هدفهم: إجبار الفلسطينيين على المغادرة إلى دول أخرى «بما يتماشى مع رؤية الرئيس دونالد ترامب لغزة»، كما قال مسؤول إسرائيلي مؤخرا.
قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أيضا مؤخرا إن «غزة ستُدمر بالكامل»، وإن سكانها «سيغادرونها بأعداد كبيرة». وبالنسبة إلى الكثيرين في حكومة نتنياهو المتطرفة، كانت هذه هي الخطة منذ البداية: إنها تُسمى التطهير العرقي.
ستكون هذه مأساةً مروعة، بغض النظر عن مكان وقوعها أو سببها. لكن ما يزيد هذه المأساة سوءًا بالنسبة إلينا في أمريكا هو أن حكومتنا، حكومة الولايات المتحدة، متواطئةٌ تمامًا في خلق هذه الكارثة الإنسانية وإدامتها.
في العام الماضي وحده، قدّمت الولايات المتحدة 18 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل. وهذا العام، وافقت إدارة ترامب على 12 مليار دولار إضافية من القنابل والأسلحة.
ولشهور، قدّم ترامب دعمًا شاملًا لنتنياهو. بل أكثر من ذلك، صرّح مرارًا وتكرارًا بأن الولايات المتحدة ستسيطر على غزة فعليًّا بعد الحرب، وأن الفلسطينيين سيُطردون منها، وأن الولايات المتحدة ستعيد تطويرها لتصبح ما يُطلق عليه ترامب «ريفييرا الشرق الأوسط»، أي ملعب للمليارديرات.
لقد قتلت هذه الحرب أو جرحت أكثر من 170 ألف شخص في غزة، وكلّفت دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من 20 مليار دولار خلال العام الماضي. والآن، بينما نتحدث، يموت آلاف الأطفال جوعًا.، فيما يشجع الرئيس الأمريكي بنشاط التطهير العرقي لأكثر من مليوني شخص.
ونظراً إلى هذا الواقع، قد يظن المرء أن مناقشة قوية ستدور هنا في مجلس الشيوخ: هل نريد حقا أن ننفق مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب على تجويع الأطفال في غزة؟
أخبروني لماذا نجعل إنفاق مليارات الدولارات لدعم حرب نتنياهو وأطفال غزة الجائعين فكرة جيدة؟ أودّ سماع ذلك.
لكننا لا نجري هذا النقاش الجدي والصريح أبدا، واسمحوا لي أن أشرح لكم سبب عدم إجراء مثل هذا النقاش.
والسبب في ذلك هو أن لدينا نظامًا فاسدًا لتمويل الحملات الانتخابية يسمح للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) بتحديد الأجندة هنا في واشنطن العاصمة.
في دورة الانتخابات الأخيرة، أنفقت لجنة العمل السياسي التابعة للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) ولجنة العمل السياسي المستقلة (Super PAC) معا ما يقرب من 127 مليون دولار.
الحقيقة هي أنه إذا كنت عضوًا في الكونجرس وصوتت ضد حرب نتنياهو في غزة، فإن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) موجودة هناك لمعاقبتك بملايين الدولارات في الإعلانات للتأكد من هزيمتك.
قد يظن المرء أنه في ظل نظام ديمقراطي، سيشهد نقاشًا حادًا حول قضية بالغة الأهمية. لكن بسبب نظامنا المالي الفاسد للحملات الانتخابية، يخشى الناس الاعتراض. إذا فعلوا، فستتدفق فجأةً جميع أنواع الإعلانات إلى دائرتهم الانتخابية لتُهزمهم.
للأسف، عليّ أن أعترف، أن هذا الفساد السياسي مُجدٍ. سيُعرب العديد من زملائي سرًا عن استيائهم من جرائم الحرب التي ارتكبها نتنياهو، لكنهم لا يُبدون أي ردة فعل أو قول علنًا حيالها.
لن يغفر التاريخ لنا تواطؤنا في هذا الكابوس. لقد آن الأوان لنتوقف عن دعمنا لتدمير نتنياهو للشعب الفلسطيني.
يجب ألا نُضيف فلسًا آخر إلى آلة نتنياهو الحربية. يجب أن نطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وزيادة في المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن، وإعادة إعمار غزة - ليس لينعم المليارديرات برفاهية العيش هناك - بل إعادة إعمار غزة من أجل الشعب الفلسطيني.
{ عضو مجلس الشيوخ الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك