في ظل التحديات المتنامية لندرة المياه وارتفاع الطلب على مستوى دول الخليج العربي ودول العالم بشكل عام على هذه المادة الحيوية، تبرز أنظمة إدارة المياه المعتمدة على إنترنت الأشياء(Internet Of Things) كحل ثوري يجمع بين التقنيات الحديثة والاستدامة البيئية. حيث تبرز أهمية إنترنت الأشياء في أربعة قطاعات رئيسية وهي الزراعة، والصناعة، والاستخدام المنزلي، وحقول النفط.
حيث تعتمد هذه الأنظمة الذكية على ثلاث ركائز أساسية وهي أجهزة استشعار لقياس معايير جودة المياه مثل درجة الحموضة والعكارة والموصلية الكهربائية (Sensors) . وتقنيات اتصال لاسلكية مثل ZigBee وLoRaWAN وWiFi لنقل البيانات، ومنصات سحابية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات واتخاذ القرارات. وقد أظهرت الدراسة أن هذه الأنظمة قادرة على تقليل الفاقد المائي بشكل كبير، خاصة في الدول النامية حيث يُهدر سنويًا ما يقارب 32 مليار قدم مكعب من المياه.
ففي دول شرق أسيا التي تعتمد بشكل كبير على القطاع الزراعي كمدخول أساسي لأغلبية السكان والذي يستهلك ما يقارب 85% من المياه العذبة عالميا، تقدم حلول إنترنت الأشياء إمكانات هائلة لتحسين كفاءة الري.
إن الأنظمة الحديثة تتيح مراقبة دقيقة لرطوبة التربة والظروف الجوية، مما يسمح بضبط كميات الري تلقائياً وفقاً للاحتياجات الفعلية للنباتات. كما بدأت بعض التطبيقات المتقدمة باستخدام تقنيات مثل البلوك تشين لضمان شفافية البيانات وموثوقيتها.
هذه التطورات تسهم في معالجة مشكلة إهدار المياه في الزراعة، حيث تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن أكثر من 60% من المياه المستخدمة في الري تذهب هدرا. أما في المجال الزراعي المنزلي، فقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظا في تطبيقات إنترنت الأشياء لإدارة المياه لعمليات ري المزروعات حيث تشمل هذه التطبيقات أنظمة مراقبة جودة مياه الشرب التي ترسل تنبيهات فورية عند اكتشاف أي تلوث، وأجهزة كشف التسرب الذكية التي يمكنها تحديد موقع التسرب بدقة، وحلول متكاملة لجمع مياه الأنهار وتخزينها وإعادة استخدامها. هذه الأنظمة لا تقتصر على توفير المياه فحسب، بل تسهم أيضاً في رفع مستوى الوعي المائي لدى المستهلكين من خلال توفير بيانات دقيقة عن أنماط الاستهلاك.
أما في القارة العجوز أوروبا ودول العالم الأول حيث يعد القطاع الصناعي قلب الاقتصاد لهذا الدول، أثبتت أنظمة إنترنت الأشياء فعاليتها في معالجة التحديات الكبيرة المتعلقة بإدارة المياه. وتشمل التطبيقات الصناعية أنظمة مراقبة تلوث المياه الناتج عن العمليات الصناعية، وحلولا لتحسين كفاءة شبكات توزيع المياه في المدن الذكية، وأنظمة متطورة للكشف عن الأعطال في خطوط الأنابيب. هذه التطبيقات تعتمد على مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار التي تقيس معايير مثل الضغط ومعدل التدفق وجودة المياه، مما يمكن من اتخاذ إجراءات وقائية قبل تفاقم المشكلات. إلا أن هناك العديد من الدراسات الحديثة كشفت عن نقص كبير في التطبيقات الموجهة لقطاع النفط، الذي يستهلك كميات هائلة من المياه في عمليات مثل التكسير الهيدروليكي. وعليه، اقترح الباحثون نظاماً بصرياً مبتكراً يعتمد على كاميرات متعددة الأطياف لرصد الترسبات المعدنية في الآبار. هذا النظام يتضمن تقنيات اتصال ليزرية متطورة قادرة على العمل في البيئات القاسية تحت الأرض، مدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالمشكلات المحتملة مثل انسداد الأنابيب بسبب الترسبات. وناقش الباحثون التكلفة الفعلية لهذا النظام والتقديرات التي تشير بإمكانية توفير ملايين الدولارات التي تنفق سنويا على صيانة آبار النفط.
على الرغم من هذه التطورات الواعدة، تواجه أنظمة إدارة المياه الذكية عدة تحديات تحتاج إلى معالجة من أبرزها ارتفاع تكلفة بعض التقنيات، وصعوبة نشر الأجهزة في المناطق النائية، والحاجة إلى تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في أجهزة الاستشعار اللاسلكية. كما أن مسألة أمن البيانات والخصوصية تظل مصدر قلق رئيسي في هذه الأنظمة المتصلة. كما نؤكد الحاجة إلى مزيد من الأبحاث والتطوير لتعزيز فعالية أنظمة إدارة المياه الذكية وذلك عن طريق التعاون بين القطاعات الأكاديمية والصناعية والحكومية لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات.
هذه الرؤية الشاملة تقدم لمحة عن كيفية تحويل التحديات المائية إلى فرص عبر الابتكار التكنولوجي. ففي الوقت الذي تواجه فيه العديد من المناطق حول العالم شحاً متزايداً في الموارد المائية، تظهر أنظمة إدارة المياه الذكية منارة أمل، تقدم حلولاً عملية لتحقيق الاستخدام الأمثل لكل قطرة ماء، مما يجعلها أحد أهم الأدوات لمواجهة أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين.
{ مختص في مجال الطاقة
وقطاع المياه والذكاء الاصطناعي
a.s.civil.88@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك