العدد : ١٧٢١٦ - الاثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٦ - الاثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن هم السفر جوا

أعتزم‭ ‬بحول‭ ‬الله‭ ‬السفر‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬المقبلة‭ ‬الى‭ ‬تايلند‭ (‬صفّوا‭ ‬النية،‭ ‬فمعي‭ ‬بعض‭ ‬عائلتي‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬الطيران‭ ‬لتسع‭ ‬ساعات،‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬كندا‭ ‬بعد‭ ‬الطيران‭ ‬لـ14‭ ‬ساعة،‭ ‬واللهم‭ ‬أجعله‭ ‬خيرا،‭ ‬فقد‭ ‬انتبهت‭ ‬مؤخرا‭ ‬إلى‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬اعد‭ ‬أخاف‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرات،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬المطبات‭ ‬الجوية‭ ‬ترعبني،‭ ‬وربما‭ ‬مرد‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬أسافر‭ ‬بالطائرات‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬وعدم‭ ‬خوفي‭ ‬المستجد‭ ‬من‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرات‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يخيفني‭ ‬ويجعلني‭ ‬موسوسا،‭ ‬وتذكرت‭ ‬زميلي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الخرطوم‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬كلما‭ ‬استعددنا‭ ‬للدخول‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬الامتحانات‭ ‬المهيبة،‭ ‬كانت‭ ‬تنتابه‭ ‬نوبة‭ ‬استفراغ،‭ ‬ويظل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عاع‭ ‬وباع،‭ ‬حتى‭ ‬مرور‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬الامتحان،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬صاحبي‭ ‬الخواف‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬يفرغ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بطنه‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬الامتحانات،‭ ‬ثم‭ ‬يفرغ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬دماغه‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬الامتحانات،‭ ‬بمعنى‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرسب،‭ ‬ثم‭ ‬وصلنا‭ ‬الى‭ ‬الامتحانات‭ ‬النهائية‭ ‬لنيل‭ ‬البكالوريوس،‭ ‬وذات‭ ‬مساء‭ ‬جاءني‭ ‬في‭ ‬غرفتي‭ ‬وجسمه‭ ‬يرتعد‭. ‬سألته‭: ‬خير‭ ‬يا‭ ‬بطل‭ ‬هل‭ ‬سمعت‭ ‬خبرا‭ ‬سيئا؟‭ ‬هل‭ ‬شاهدت‭ ‬فيلما‭ ‬لفاروق‭ ‬الفيشاوي؟‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬سيرسب‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬النهائي‭ ‬ولن‭ ‬ينال‭ ‬البكالوريوس‭!! ‬سألته‭ ‬مجددا‭: ‬وكيف‭ ‬وصلت‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬الاستنتاج؟‭ ‬هل‭ ‬أداؤك‭ ‬في‭ ‬الأوراق‭ ‬التي‭ ‬جلسنا‭ ‬لها‭ ‬سلفا‭ ‬كان‭ ‬سيئا؟‭ ‬كان‭ ‬رده‭ ‬عجيبا‭: ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الفائتة‭ ‬وأنا‭ ‬أستفرغ‭ ‬قبل‭ ‬الامتحانات‭ ‬وأنجح‭ ‬‮«‬والسنة‭ ‬دي‭ ‬دخلت‭ ‬أربعة‭ ‬امتحانات‭ ‬وما‭ ‬استفرغت‭!! ‬وما‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬للمسألة‭ ‬دي‭ ‬غير‭ ‬إني‭ ‬بدون‭ ‬استفراغ‭ ‬سأسقط‭ ‬في‭ ‬الامتحان‮»‬‭. ‬وظل‭ ‬صاحبي‭ ‬مرعوبا‭ ‬‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الامتحانات‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستفراغ‭ ‬قبل‭ ‬الامتحانات،‭ ‬وظهرت‭ ‬النتائج‭ ‬ونال‭ ‬بكالوريوسا‭ ‬نظيفا‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مواد‭ ‬مهضومة‭ ‬او‭ ‬غير‭ ‬مهضومة

فيما‭ ‬مضى‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أركب‭ ‬طائرة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬تناول‭ ‬حبوب‭ ‬دوائية‭ ‬مهدئة‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية‭ ‬حتى‭ ‬تتبلد‭ ‬أحاسيسي،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬قرصين‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحبوب‭ ‬تنوِّم‭ ‬الفيل،‭ ‬ولكن‭ ‬حاشا‭ ‬لأبي‭ ‬الجعافر‭ ‬أن‭ ‬يغمض‭ ‬عينه‭ ‬في‭ ‬طائرة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أخذ‭ ‬‮«‬بنج‭ ‬كامل‮»‬،‭ ‬وطارت‭ ‬عقدة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرات،‭ ‬وحلت‭ ‬محلها‭ ‬عقدة‭ ‬التفتيش‭ ‬في‭ ‬المطارات،‭ ‬فمنذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬اعتدت‭ ‬على‭ ‬خلع‭ ‬الحذاء‭ ‬والحزام‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬الكشف‭ ‬بالأشعة‭ ‬في‭ ‬المطارات‭. ‬موضة‭ ‬خلع‭ ‬الحذاء‭ ‬ظهرت‭ ‬مع‭ ‬اعتقال‭ ‬ريتشارد‭ ‬ريد‭ ‬وهو‭ ‬بريطاني‭ ‬الجنسية‭ ‬ولكنه‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الفصيلة‭ ‬الجعفرية،‭ ‬يعني‭ ‬من‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الجذور،‭ ‬وكان‭ ‬يضع‭ ‬متفجرات‭ ‬في‭ ‬كعب‭ ‬حذائه‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬الى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لينسف‭ ‬الطائرة،‭ ‬ولكنها‭ ‬طلعت‭ ‬متفجرات‭ ‬فاشوش،‭ ‬فقد‭ ‬تصاعد‭ ‬الدخان‭ ‬من‭ ‬حذائه‭ ‬وكمشوه‭ ‬ودخل‭ ‬السجن‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬وقبل‭ ‬سنوات‭ ‬حاول‭ ‬أحدهم‭ ‬اغتيال‭ ‬مسؤول‭ ‬عربي‭ ‬كبير‭ ‬بمتفجرات‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حشرها‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬حساس‭ ‬من‭ ‬جسمه‭. ‬وبعدها‭ ‬أو‭ ‬قبلها‭ ‬بشهرين‭ ‬اكتشفت‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أمر‭ ‬شخص‭ ‬كان‭ ‬مكلفا‭ ‬بتفجير‭ ‬طائرات‭ ‬بمواد‭ ‬ناسفة‭ ‬منسوجة‭ ‬داخل‭ ‬سرواله‭ ‬الداخلي‭.‬

ولست‭ ‬خائفا‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬راكب‭ ‬يشاركني‭ ‬نفس‭ ‬الطائرة‭ ‬يحمل‭ ‬متفجرات‭ ‬في‭ ‬قولونه‭ ‬أو‭ ‬نظاراته،‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬أذنيه،‭ ‬ولكن‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬ريتشارد‭ ‬ريد‭ ‬الفاشلة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬سلطات‭ ‬المطارات‭ ‬تقوم‭ ‬بالكشف‭ ‬على‭ ‬الأحذية‭ ‬بالأشعة،‭ ‬فماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬تلك‭ ‬السلطات‭ ‬لضمان‭ ‬أن‭ ‬سراويل‭ ‬المسافرين‭ ‬الداخلية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬المتفجرات؟‭ ‬الإجابة‭ ‬بديهية‭ ‬وسهلة‭: ‬اشلح‭ ‬واخلع‭ ‬البنطلون‭. ‬وعلي‭ ‬بالطلاق‭ ‬لو‭ ‬عرضوا‭ ‬علي‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفيزياء‭ ‬والأدب‭ ‬معا‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬يورو‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الضرائب،‭ ‬مع‭ ‬عقد‭ ‬زواج‭ ‬مسيار‭ ‬لبنت‭ ‬بيل‭ ‬غيتس،‭ ‬مقابل‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬بمطار‭ ‬يطلبون‭ ‬فيه‭ ‬مني‭ ‬خلع‭ ‬البنطلون،‭ ‬لما‭ ‬قبلت‭ ‬بذلك‭. ‬بل‭ ‬لو‭ ‬سمعت‭ ‬أن‭ ‬غيري‭ ‬تعرض‭ ‬لـ«التشليح‭ ‬والخلع‮»‬‭ ‬سأقاطع‭ ‬الطائرات‭ ‬نهائيا‭ ‬وسأركب‭ ‬البحر‭ ‬الى‭ ‬تايلند‭ ‬وكندا،‭ ‬رغم‭ ‬احتمال‭ ‬التعرض‭ ‬للقرصنة‭ ‬قبالة‭ ‬شواطئ‭ ‬الصومال،‭ ‬فالقراصنة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لن‭ ‬يطلبوا‭ ‬مني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خلع‭ ‬نظارتي‭ ‬وساعتي‭! ‬ثم‭ ‬أنني‭ ‬أشبه‭ ‬الـ«وريا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬رجلا‭ ‬باللغة‭ ‬الصومالية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا