العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل يمكن أن تغير الانتخابات التشريعية الأوضاع في العراق؟

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬محمود‭ ‬المشهداني‭ ‬وهو‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬رجل‭ ‬ظريف‭ ‬وخفيف‭ ‬الظل‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حازم‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬جلسات‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الغائبين‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحاضرين‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬اختياره‭ ‬فيها‭ ‬رئيسا‭ ‬للمجلس،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬إلا‭ ‬لكونه‭ ‬سنيّ‭ ‬المذهب‭ ‬والعرف‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منح‭ ‬أبناء‭ ‬الطائفة‭ ‬السنية‭ ‬شرف‭ ‬قيادة‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تسن‭ ‬القوانين‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬مزاج‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيعية‭.‬

لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المشهداني‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬العملية‭ ‬السياسية،‭ ‬ما‭ ‬خفي‭ ‬منها‭ ‬وما‭ ‬ظهر‭. ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مقصودا‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬بالصدفة‭. ‬يبدو‭ ‬ظاهريا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مكترث‭ ‬برضا‭ ‬الآخرين‭ ‬عنه‭. ‬ما‭ ‬على‭ ‬لسانه‭ ‬يعمل‭ ‬الآخرون‭ ‬على‭ ‬إخفائه‭. ‬فهو‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أجاب‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬يتعلق‭ ‬بفشل‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬لأننا‭ ‬جئنا‭ ‬لننتقم‭ ‬لا‭ ‬لنبني‭ ‬وطنا‭ ‬يضم‭ ‬الجميع‮»‬‭.‬

في‭ ‬تعليقه‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬المقبلة‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬إجراؤها‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬القادم‭ ‬استنكر‭ ‬المشهداني‭ ‬إنفاق‭ ‬مبلغ‭ ‬500‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬يمكن‭ ‬عدم‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬ضرورية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬كالعراق‭.‬

وللرجل‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أنه‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬لدورتين‭ ‬أسبابه‭ ‬المعقولة‭ ‬وهي‭ ‬أسباب‭ ‬ليست‭ ‬طارئة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تشكل‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للعملية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬حين‭ ‬أجريت‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬الحالي‭.‬

قال‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬تلفزيوني‭ ‬ما‭ ‬معناه‭: ‬‮«‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬العراق‭ ‬الآن‭ ‬ويشغل‭ ‬ممثلوها‭ ‬كراسي‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستشارك‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ستفوز‭ ‬مع‭ ‬اختلافات‭ ‬يسيرة‭. ‬كرسي‭ ‬ناقص‭ ‬هنا‭ ‬وكرسي‭ ‬مضاف‭ ‬هناك‮»‬‭.‬

لو‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الدورات‭ ‬السابقة‭ ‬للمجلس‭ ‬لاكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬لا‭ ‬يقول‭ ‬سوى‭ ‬الحقيقة‭. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬حين‭ ‬فاز‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خروجا‭ ‬على‭ ‬المعادلة‭. ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ماكينة‭ ‬الحكم‭ ‬ومعارضته‭ ‬شكلية‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬الصدر‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬انتصاره‭ ‬ليسترضي‭ ‬خصومه‭ ‬تنفيذا‭ ‬للتعليمات‭ ‬التي‭ ‬وصلته‭ ‬من‭ ‬طهران‭.‬

لا‭ ‬معنى‭ ‬للانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فعلا‭. ‬فالقوى‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬ستحكمه‭ ‬بعدها‭. ‬فهناك‭ ‬صيغة‭ ‬توافقية‭ ‬يُحكم‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬وهي‭ ‬صيغة‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬متناول‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬تداول‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فما‭ ‬معنى‭ ‬القيام‭ ‬بمد‭ ‬حبال‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نشر‭ ‬الأكاذيب‭ ‬عليها؟‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للديمقراطية‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬أحزابه‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬وشعبه‭ ‬لم‭ ‬يتعرف‭ ‬عليها‭ ‬ولم‭ ‬يجربها،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يرغب‭ ‬فيها‭ ‬فلكي‭ ‬يمارسها‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬نفسه‭.‬

الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ليست‭ ‬كذبة‭. ‬بل‭ ‬هي‭ ‬نكتة‭. ‬وسيلة‭ ‬للضحك‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬أسبابه‭ ‬لتمريرها‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لزعيم‭ ‬مليشيا‭ ‬هو‭ ‬هادي‭ ‬العامري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬طائرة‭ ‬الميدل‭ ‬إيست‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬وزيرا‭ ‬للنقل‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬ولده‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستجب‭ ‬للنداء‭ ‬الأخير؟‭ ‬لقد‭ ‬كلف‭ ‬ذلك‭ ‬الإجراء‭ ‬العبثي‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭.‬

كل‭ ‬رموز‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬لا‭ ‬يختلفون‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬العامري‭. ‬وقد‭ ‬يكونون‭ ‬أسوأ‭ ‬منه‭. ‬أليس‭ ‬من‭ ‬المبتذل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اعتبار‭ ‬زعماء‭ ‬المليشيات‭ ‬وانتهازيي‭ ‬الطوائف‭ ‬رموزا‭ ‬للديمقراطية‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬شراء‭ ‬الأصوات‭ ‬أحيانا‭ ‬بطبقة‭ ‬بيض‭ ‬أو‭ ‬دجاجة‭ ‬مجمدة‭ ‬أو‭ ‬كيلو‭ ‬عدس‭ ‬أو‭ ‬بطانية؟

كان‭ ‬المشهداني‭ ‬محقا‭ ‬حين‭ ‬طالب‭ ‬بإنهاء‭ ‬تلك‭ ‬المهزلة‭ ‬والتصرف‭ ‬بما‭ ‬يمليه‭ ‬الواقع‭ ‬وما‭ ‬تؤكده‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬إهدار‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬جديدة‭ ‬للفساد‭.‬

كانت‭ ‬الانتخابات‭ ‬دائما‭ ‬فرصة‭ ‬لنهب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬بطريقة‭ ‬تبدو‭ ‬قانونية‭. ‬هناك‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬ممَن‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المتاهة‭ ‬العبثية‭ ‬داخل‭ ‬العراق‭ ‬وخارجه‭ ‬يتكسّبون‭ ‬وهم‭ ‬يضحكون‭. ‬ذلك‭ ‬لأنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬عملهم‭ ‬الذي‭ ‬يدرّ‭ ‬عليهم‭ ‬أموالا‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭.‬

يزعم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحالي‭ ‬محمد‭ ‬شياع‭ ‬السوداني‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬حققت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإنجازات،‭ ‬وهي‭ ‬إنجازات‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬لم‭ ‬تقترب‭ ‬ولو‭ ‬مليما‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬خط‭ ‬الفساد‭ ‬الأحمر‭. ‬وبدفع‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الإنجازات‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬الانتخابات‭ ‬متخليا‭ ‬عن‭ ‬غطائه‭ ‬المتمثل‭ ‬برئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق‭ ‬وزعيم‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السوداني‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬حقا‭ ‬لطالب‭ ‬بإلغاء‭ ‬الانتخابات‭ ‬ولما‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬العارفين‭ ‬بما‭ ‬تكلّفه‭.‬

أحلى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العراقيين‭ ‬أنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أنهم‭ ‬يقيمون‭ ‬أعراسا‭ ‬كاذبة‭ ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬يصدقونها‭ ‬لكي‭ ‬يجدوا‭ ‬فيها‭ ‬مناسبة‭ ‬للنسيان‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي‭.‬

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا