زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كيف فاز عبعزيز؟
في معركة انتخابية ذات غبار وعفار، على عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، برز اسم السيد المحترم جدا عبدالعزيز الجهيني، الذي تمكن من الفوز الكاسح في المرحلة الأولى من مجلس الشورى، في وجه خصوم أشاوس أحدهما مليونير والآخر عمدة، علما بأن من يناصره عمدة في انتخابات يضمن مقعده بالمزيكة، ومن ثم فقد كان منتهى الجسارة أن يخوض صاحبنا الانتخابات أمام عمدة، وحدث الفوز رغم أن عبعزيز -وهكذا ينطق أصدقاء وأقارب عبد العزيز الجهيني اسمه الأول، كما ينادون عبد السلام عبسلام- رغم أنه دخل السباق الانتخابي من باب الفهلوة، وربما كان أقصى ما يتمناه أن ينال مبلغا معقولا نظير انسحابه من السباق! بأن يأتيه أحد المرشحين الشبعانين ويقول له: شوف يله (اختصار لـ«يا وله» التي هي اختصار ليا «ولد»، فالمصريون يميلون إلى ترشيد الإنفاق حتى في الكلمات في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة)، أديك قرشين وتفلسع. فكيف دخل هذا الفلاح الغلبان ابن جزيرة الشرانية بسوهاج مجلس الشورى متغلبا على التمساح والهامور؟ هناك مثل سوداني يقول: رزق تكوسه ورزق يكوسك، ويكوس بالعامية السودانية تعني «يبحث ويفتش»، أي أن هناك رزقا يأتيك لأنك سعيت إليه، وهناك رزق يأتيك دون أن تطلبه، وعبعزيز لم يكن يحلم حتى بزيارة القاهرة دعك من أن يدخلها كصاحب حصانة برلمانية. وكل ما هناك أنه دعا على خصومه بدعوى الميرغنية في السودان على خصومهم في أناشيدهم الدينية:
واشغل أعداي بأنفسهم * وابليهم ربي بالمرج
(الميرغنية طائفة تحرص على المشي جنب الحائط في الشؤون السياسية بمعنى أنها غير مصادمة، وزعيمها الذي كان يقود المعارضة ضد حكم الرئيس المعزول المشير عمر البشير، صار لاحقا طرفا في الحكومة وصار ولده – واسمه بالمناسبة أبو الجعافر_ مساعدا لرئيس الجمهورية).
العمدة والمليونير انشغلا بتقديم الطعون ضد بعضهما البعض، وأهملا أمر الفلاح عبعزيز، فقد كان المليونير غاضبا لأن العمدة نافسه على المقعد الذي ظل يشغله طوال 15 سنة أي على مدى ثلاث دورات، كانت هي كامل عمر مجلس الشورى المصري، ولكن العمدة نجح في إلغاء ترشيح المليونير بعد أن أثبت للقضاء أن المليونير أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يحق له الترشيح، وهكذا «انهزم مرسي ابن المعلم زناتي بالإنجليزي يا منز»، وحقيقة الأمر أنه انهزم بالعربي، لأنه جاهل عصامي لم يسع خلال سنوات جلوسه في قاعة المجلس من محو أميّته المزمنة، وكما هو معروف فإن الأغنياء لا يقبلون الهزيمة، لأنهم معتادون على نيل ما يريدون، والتكويش على كل الحاجات الحلوة، وهكذا انشغل المليونير بأمر ترشيح العمدة وطعن أمام القضاء بأن العمدة يملك أكثر من عشرة أفدنة من الأراضي، ومن ثم فإن ترشيحه في قائمة الفلاحين باطل، فعمد العمدة إلى توزيع أراضيه على أبنائه ليقلص مساحة الأرض المسجلة باسمه، ولكن المليونير أثبت أمام المحكمة أن أبناء العمدة الذين باتوا يملكون الأرض، قُصّر وما زالوا تحت رعاية أبيهم، وهكذا شطب القضاء اسم العمدة من قائمة المرشحين، فلم يبق في الساحة سوى عبعزيز، الذي لم ينصب سرادقا أو يقيم ليلة خطابية لأنه فاز بالتزكية لعدم وجود مرشح منافس في الدائرة الانتخابية!
لا أعرف ماذا فعل عبعزيز بعد أن دخل البرلمان، ولا كيف كان سلوكه وأداؤه خلال الجلسات، ولكن من المؤكد أنه لم يكن طرفا في جنس الممارسات «الديمقراطية» المتطرفة التي شهدتها بعض الساحات البرلمانية العربية قبل سنوات، مثل قضم آذان الخصوم. وقد بلغني أن الملاكم الأمريكي مايك تايسون رفع دعوى على النائب الأردني الذي أكل أذن زميله دون طبخ على أساس أنه تغول على «الملكية الفكرية والفعلية» المسجلة باسمه بعد أن قضم أذن الملاكم المنافس هوليفيلد.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك