العدد : ١٧٢١٢ - الخميس ٠٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٢ - الخميس ٠٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بابا الفاتيكان الراحل في الذاكرة الإنسانية

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ٠٧ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

رحل‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬بابا‭ ‬الفاتيكان‭ ‬بعد‭ ‬12‭ ‬عاما‭ ‬قضاها‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الباباوية‭ ‬في‭ ‬الفاتيكان‭ ‬كزعيم‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬بعد‭ ‬استقالة‭ ‬البابا‭ ‬بنديكتوس‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬والبابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬أول‭ ‬بابا‭ ‬يسوعي‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬أوروبا‭  ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وتحديدا‭ ‬من‭ ‬الأرجنتين‭  ‬وقد‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬ناهز‭ ‬88‭ ‬عاما،‭ ‬واسمه‭ ‬خورخي‭ ‬ماريو‭ ‬بيرجوليو‭ ‬بعد‭ ‬تدهور‭ ‬صحته‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬مثلت‭ ‬وفاة‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬المتواضعة‭ ‬وكما‭ ‬يقال‭ ‬بابا‭ ‬الفقراء‭ ‬خسارة‭ ‬لفقراء‭ ‬العالم‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬مدافعا‭ ‬قويا‭ ‬عن‭ ‬المظلومين‭ ‬والمضطهدين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬العرقية‭ ‬أو‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬المذهبية‭ ‬أو‭ ‬عقيدتهم‭ ‬الدينية‭ ‬داعيا‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬الهلاك‭ ‬والدمار‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء‭.‬

فقد‭ ‬دعا‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬موعظة‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وإلى‭ ‬وقف‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيونية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المسالم‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬مدافعا‭ ‬قويا‭ ‬عن‭ ‬المهاجرين‭ ‬والمستضعفين‭ ‬والمهجرين‭ ‬والمشردين‭ ‬داعيا‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وتكريس‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬ووقف‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬وشجب‭ ‬باستمرار‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬وأنواع‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التصدي‭ ‬للكوارث‭ ‬التي‭ ‬تسببها‭ ‬هجرة‭ ‬الفقراء‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬وبقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬‮«‬جنة‮»‬‭ ‬أوروبا‭ ‬الموعودة‭ ‬وكرر‭ ‬إدانته‭ ‬لعمليات‭ ‬الطرد‭ ‬للعمال‭ ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

لقد‭ ‬قضى‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬سنوات‭ ‬كزعيم‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬رغم‭ ‬المرض‭ ‬والحالة‭ ‬الصحية‭ ‬الصعبة‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬وإنهاء‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬مناطق‭ ‬الصراعات‭ ‬والخلافات‭ ‬وتبني‭ ‬الحوار‭ ‬كسبيل‭ ‬لحل‭ ‬الخلافات‭ ‬وأولى‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬فقد‭ ‬كرر‭ ‬في‭ ‬خطاباته‭ ‬ورسائله‭ ‬السنوية‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬سلام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬بالسلام‭ ‬مع‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬أغلب‭ ‬سفراته‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬حيث‭ ‬زار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬منها‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية‭ ‬والبحرين‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬والعراق‭ ‬وتركيا‭ ‬واندونيسيا‭ ‬وزار‭ ‬بنجلاديش‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬أحوال‭ ‬اللاجئين‭ ‬من‭ ‬مسلمي‭ ‬الروهينجا‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬جحيم‭ ‬المذابح‭ ‬في‭ ‬ميانمار،‭ ‬والذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬بنغلاديش‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬معيشية‭ ‬وإنسانية‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية‭ ‬وذلك‭ ‬لإظهار‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬من‭ ‬مدنهم‭ ‬وقراهم‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تعرضوا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السلطات‭ ‬الحاكمة‭ ‬هناك‭ ‬بسبب‭ ‬معتقداتهم‭ ‬الدينية‭.‬

تسلم‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬قيادة‭ ‬البابوية‭ ‬بعد‭ ‬الباباويين‭ ‬يوحنا‭ ‬لويس‭ ‬وبنديكتوس‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬وهما‭ ‬من‭ ‬المحافظين‭ ‬الذين‭ ‬يفضلوا‭ ‬عدم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬عيوب‭ ‬الإدارة‭ ‬الكنسية‭ ‬ولان‭ ‬كشف‭ ‬سلبياتها‭ ‬يمهد‭ ‬لإصلاحها،‭ ‬ورغم‭ ‬توجهاته‭ ‬المختلفة‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يمس‭ ‬العقيدة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالإجهاض‭ ‬أو‭ ‬عزوبية‭ ‬الكهنة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬عمل‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬الأخوة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بين‭ ‬المسيحية‭ ‬والإسلام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توطيد‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬الطيب‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقد‭ ‬أثمر‭ ‬ذلك‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬السلام‭ ‬والأخوة‭ ‬في‭ ‬ابوظبي‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الإنساني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عالم‭ ‬محبة‭ ‬وأخوة‭ ‬متسلحا‭ ‬بالعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬والعنف‭ ‬وويلات‭ ‬الحروب‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬تسوده‭ ‬المحبة‭ ‬والنوايا‭ ‬الحسنة‭ ‬والثقة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬زار‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بدعوة‭ ‬كريمة‭ ‬من‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعظم‭ ‬تأكيدا‭ ‬للمكانة‭ ‬الرفيعة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لدى‭ ‬قداسته،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬مناسبة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬المسيحية‭ ‬والإسلام‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬فضيلة‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬محمد‭ ‬الطيب‭ ‬شيخ‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا