العدد : ١٧٢٠٩ - الاثنين ٠٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٩ - الاثنين ٠٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

النفس.. في القرآن الكريم!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الاثنين ٠٥ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

النفس‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬واحدة،‭ ‬ولكن‭ ‬تعدد‭ ‬ورودها‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬بعدد‭ ‬حالاتها،‭ ‬ولو‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نُعَرِّفْ‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬النفس‮»‬‭ ‬وما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬مضامين‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬الذي‭ ‬أوردته‭ ‬موسوعة‭ ‬ويكيبيديا،‭ ‬تقول‭ ‬الموسوعة‭: ‬النفس‭ ‬لغويًا‭ ‬لها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تعريف،‭ ‬فهي‭ ‬تعني‭: ‬الروح‭ ‬أو‭ ‬الدم‭ ‬أو‭ ‬الجسد‭ ‬أو‭ ‬الحس،‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬بمعنى‭ ‬عينه‭.‬

يوجد‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬الثقافات،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬علم‭ ‬النفس،‭ ‬وقال‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬إنها‭ ‬ذلك‭ ‬النشاط‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬الكائن‭ ‬الحي‭ ‬ويسيطر‭ ‬على‭ ‬حركاته‭. ‬فسرها‭ ‬البعض‭ ‬بأنها‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يحيا‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‮»‬‭.‬

ولو‭ ‬تتبعنا‭ ‬ورود‭ ‬لفظ‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لوجدنا‭ ‬الآتي،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ونفس‭ ‬وما‭ ‬سواها‭ (‬7‭) ‬فألهمها‭ ‬فجورها‭ ‬وتقواها‭ (‬8‭) ‬قد‭ ‬أفلح‭ ‬من‭ ‬زكاها‭ (‬9‭) ‬وقد‭ ‬خاب‭ ‬من‭ ‬دساها‭ (‬10‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الشمس‭. ‬هذه‭ ‬حالات‭ ‬ثلاث‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السورة،‭ ‬وهي‭ ‬النفس‭ ‬الفاجرة،‭ ‬والنفس‭ ‬التقية،‭ ‬والنفس‭ ‬الزكية‭.‬

وفي‭ ‬سورة‭ ‬القيامة‭ ‬ذكرت‭ ‬حالة‭ ‬للنفس،‭ ‬هي‭ ‬النفس‭ ‬اللوامة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أقسم‭ ‬بيوم‭ ‬القيامة‭ (‬1‭) ‬ولا‭ ‬أقسم‭ ‬بالنفس‭ ‬اللوامة‭ (‬2‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬القيامة‭.‬

وهذه‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬للنفس‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السورة‭ ‬أي‭ ‬سورة‭ ‬القيامة،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الفجر‭ ‬ثلاث‭ ‬حالات،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أيتها‭ ‬النفس‭ ‬المطمئنة‭ (‬27‭) ‬ارجعي‭ ‬إلى‭ ‬ربك‭ ‬راضية‭ ‬مرضية‭ (‬28‭) ‬فادخلي‭ ‬في‭ ‬عبادي‭ (‬29‭) ‬وادخلي‭ ‬جنتي‭ (‬30‭)‬‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬حالات‭ ‬ثلاث‭ ‬نستكمل‭ ‬بهن‭ ‬حالات‭ ‬النفس‭ ‬الثماني‭. ‬

نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ست‭ ‬حالات‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬جهود‭ ‬الإنسان،‭ ‬وجهاده‭ ‬في‭ ‬صَدَّ‭ ‬وسوسات‭ ‬الشيطان،‭ ‬وسوسة‭ ‬النفس‭ ‬الفاجرة‭ ‬والنفس‭ ‬الأمَّارة‭ ‬بالسوء،‭ ‬وأمَّا‭ ‬النفس‭ ‬الخَيْرة،‭ ‬فلها‭ ‬حالات‭ ‬ست،‭ ‬وهي‭: ‬النفس‭ ‬اللوامة،‭ ‬والنفس‭ ‬التقية،‭ ‬والنفس‭ ‬الزكية،‭ ‬والنفس‭ ‬الراضية‭ ‬المرضية،‭ ‬والنفس‭ ‬المطمئنة،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يستعين‭ ‬بها‭ ‬المؤمن‭ ‬على‭ ‬وساوس‭ ‬الشيطان‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تصد‭ ‬المؤمن‭ ‬عن‭ ‬صراط‭ ‬الله‭ ‬المستقيم،‭ ‬وتحقق‭ ‬للمؤمن‭ ‬الفوز‭ ‬والنجاة‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭.‬

وحتى‭ ‬ندفع‭ ‬شرور‭ ‬وسوسة‭ ‬الشيطان،‭ ‬ووسوسة‭ ‬النفس‭ ‬الأمارة‭ ‬بالسوء،‭ ‬والنفس‭ ‬الفاجرة‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬حقيقة‭ ‬هاتين‭ ‬الوسوستين‭ ‬لنستطيع‭ ‬إعداد‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الدفاع‭.‬

ومن‭ ‬تمام‭ ‬الإعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬الأعداء‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأعداء‭ ‬لنختار‭ ‬السلاح‭ ‬المناسب‭ ‬إذًا،‭ ‬فدعونا‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬وسوسة‭ ‬الشيطان،‭ ‬وسوسة‭ ‬النفس‭ ‬الأمَّارة‭ ‬بالسوء،‭ ‬والنفس‭ ‬الفاجرة‭ ‬هل‭ ‬هما‭ ‬سواء؟

إنهما‭ ‬ليسا‭ ‬سواء،‭ ‬فالشيطان‭ ‬حين‭ ‬يوسوس‭ ‬للنفس‭ ‬يريدها‭ ‬عاصية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬ليس‭ ‬مهمًا‭ ‬نوع‭ ‬المعصية،‭ ‬ولأن‭ ‬الشيطان‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الغيب،‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬والقوة‭ ‬في‭ ‬الإنسان،‭ ‬فهو‭ ‬يتنقل‭ ‬من‭ ‬معصية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬المعصية‭ ‬التي‭ ‬يريدها‭ ‬الإنسان‭ ‬ويميل‭ ‬إليها،‭ ‬فإذا‭ ‬التقت‭ ‬المعصية‭ ‬التي‭ ‬تهواها‭ ‬النفس،‭ ‬ويريدها‭ ‬الشيطان‭ ‬عندها‭ ‬يقع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المعصية،‭ ‬هنا‭ ‬يدرك‭ ‬الإنسان‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬وسوسة‭ ‬الشيطان،‭ ‬ووسوسة‭ ‬النفس،‭ ‬فإذا‭ ‬رأى‭ ‬الإنسان‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬معصية‭ ‬بعينها،‭ ‬فيعلم‭ ‬أنها‭ ‬وسوسة‭ ‬نفس،‭ ‬وعلى‭ ‬المسلم‭ ‬أن‭ ‬يحذر،‭ ‬ويسارع‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬الحيطة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬المعصية‭ ‬التي‭ ‬تهواها‭ ‬النفس‭ ‬وتميل‭ ‬إليها،‭ ‬وسوف‭ ‬يظل‭ ‬الصراع‭ ‬محتدمًا،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬الأمَّارة‭ ‬بالسوء،‭ ‬والنفس‭ ‬الفاجرة،‭ ‬وما‭ ‬يقدمانه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬لوجستي‭ ‬لتحقيق‭ ‬الغاية‭ ‬المطلوبة،‭ ‬والشهوة‭ ‬المبتغاة،‭ ‬وعلى‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يداوم‭ ‬وبإصرار‭ ‬على‭ ‬الدعاء‭ ‬الذي‭ ‬أمرنا‭ ‬به‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلًى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬فعن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭)‬،‭ ‬قال‭: ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬يقول‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬أصلح‭ ‬لي‭ ‬ديني‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عصمة‭ ‬أمري‭. ‬وأصلح‭ ‬لي‭ ‬دنياي‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬معاشي،‭ ‬وأصلح‭ ‬لي‭ ‬آخرتي‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬معادي،‭ ‬واجعل‭ ‬الحياة‭ ‬زيادة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خير،‭ ‬واجعل‭ ‬الموت‭ ‬راحة‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر‮»‬‭. ‬رواه‭ ‬مسلم‭.‬

وبهذا‭ ‬ينتصر‭ ‬المسلم‭ ‬على‭ ‬الشيطان‭ ‬وأعوانه،‭ ‬ويواجهه‭ ‬بأسلحة‭ ‬الدفاع‭ ‬الشاملة‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله،‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إليه‭ ‬يصعد‭ ‬الكلم‭ ‬الطيب‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح‭ ‬يرفعه‭..‬‮»‬‭. ‬فاطر‭/ ‬10‭.‬

إن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬بإيمان‭ ‬بدون‭ ‬عمل‭ ‬صالح،‭ ‬ولا‭ ‬بعمل‭ ‬صالح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إيمان‭ ‬وثيق،‭ ‬فالمعادلة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نحققها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬هي‭: ‬الإيمان‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬وهذا‭ ‬الارتباط‭ ‬المتين‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬لنا‭ ‬النصر‭ ‬على‭ ‬وسوسة‭ ‬الشيطان‭ ‬والإنسان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا