مئة يوم مرت على رئاسة دونالد ترامب الولايات المتحدة الأمريكية، وسط تغيرات إستراتيجية في السياسة الخارجية وقرارات جريئة وصادمة هزت العالم، ونتائج سلبية انعكست على أداء الرئيس المنتخب خلال هذه الفترة القصيرة من وجوده على رأس السلطة.
ترامب قبل ولايته الرئاسية تحدث كثيرا عن إنهائه الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، وكذلك إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأضاف شعارات براقة للناخب الأمريكي مفادها أن اقتصاد البلاد سينهض بقوة وستستحدث وظائف جديدة مع عودة لتصنيع المنتج الأمريكي في الداخل.
خلال فترة المئة يوم هذه، لم تتوقف حرب روسيا وأوكرانيا، بل على العكس من ذلك، انقلب ترامب على كل سياسات سلفه الديمقراطي جو بايدن، وبدا أنه وضع يده بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا التي دعمتها واشنطن خلال الحرب بـ«الباع والذراع».
ترامب بعظمة لسانه صرّح حديثا للصحافة أن توقعاته بشأن نهاية الحرب في أوكرانيا لم تكن في محلها، إذ اعتقد أنه كان يمكن الوصول إلى اتفاق بسرعة، والنتيجة أن الأمور معقدة للغاية وتحتاج إلى مزيد من الوقت، لكن المشكلة أنه فتح النار على الرئيس الأوكراني زيلينسكي وكذلك على حلفائه الأوروبيين.
لقد أراد من زيلينسكي تفويضا بحصول واشنطن على المعادن النادرة مقابل السلاح، واستبعد الأوروبيين من مفاوضات ثلاثية تشارك فيها الولايات المتحدة بين روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي أضاف توترا على التوتر مع أوروبا التي هددها بالتخلي عنها.
حصيلة المئة يوم أن الرئيس الأمريكي لم يحقق إنجازا كبيرا في ملف أوكرانيا يرضي شركاءه الأوروبيين وينهي هذه الحرب التي استنزفت من مواردهم الاقتصادية تحديداً، ودفعتهم للتفكير الجدي بشأن الدفاع عن أنفسهم والفكاك التدريجي من مظلة الحماية الأمريكية.
موضوع الحرب على غزة أيضاً لم يحل، والنتيجة أن إسرائيل لا تزال تواصل عدوانها دون رقيب أو حسيب، والأهم أن ترامب قدّم رؤية تعكس موقفه الابتدائي من مسألة إنهاء الحرب، إذ تبين أنه يرغب في فرض حلول أحادية الجانب تستهدف تهجير الفلسطينيين وتوطينهم خارج غزة وابتلاعها لصالح مشروع يسمى «ريفييرا» الشرق الأوسط.
أكثر من مرة قال ترامب إن الحرب ستتوقف قريبا، غير أن الإدارة الأمريكية لم تقدم خارطة طريق بشأن مرحلة ما بعد الحرب، يشمل ذلك طبيعة النظام السياسي الفلسطيني والجهة التي ستتولى مسؤولية حكم غزة ومصير إسرائيل هناك وأهالي القطاع ومستقبلهم السياسي والمعيشي.
ما يجري حاليا هو جولات تفاوضية تتعثر بين الوقت والآخر وليس هناك من أفق سياسي واضح، والمشكلة أن لكل من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مشكلات داخلية مرتبطة بالحرب، الأمر الذي يعقد من مسألة الحديث عن نهايتها وبداية واضحة لترسيخ مبدأ ديمومة وقف إطلاق النار.
في المئة يوم أيضاً شن ترامب حربا تجارية بلا هوادة على الدول الصديقة وغير الصديقة، ورفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 145%، وبالتالي حدثت مشكلات اقتصادية انعكست بقوة على الداخل الأمريكي، الأمر الذي أنتج حالة من عدم الرضا لدى شريحة كبيرة من الأمريكيين.
والأمر نفسه حينما أصدر قرارات كثيرة من بينها تسريح آلاف الموظفين الحكوميين من مناصبهم، وتشديد الرقابة على الهجرتين القانونية وغير القانونية، فضلاً عن الحديث المتكرر بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة ووقف المنح والقروض الاتحادية.
أغلب استطلاعات الرأي الأمريكية تشير إلى تراجع شعبية الرئيس في المئة يوم من ولايته الرئاسية الثانية، والمواطن الأمريكي يهمه قبل أي شيء آخر اقتصاد بلاده وعدم المساس بالحريات العامة، وبالتالي أي خلل سلبي في البيت الداخلي سيجلب الكثير من المشكلات اللاحقة لإدارة ترامب.
في الحقيقة لقد قلب ترامب السياسة الدولية رأسا على عقب، وأربك السوق العالمي كما الحال السوق الأمريكي، وإذا واصل نفس هذا المنهج في السياستين الخارجية والداخلية فإن حزبه الجمهوري سيتضرر ويعاني بشكل كبير، ولن يكون على موعد مع النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أغلب الظن أن الرئيس الأمريكي لن يتراجع عن سياساته هذه، وسيطلب من الأمريكيين التحلي بالصبر وتحمل المزيد من الوقت حتى يحصدوا ثمار هذه السياسات، لكن الوقائع تشي أن سمعة الولايات المتحدة تضررت كثيراً في المئة يوم من حكم ترامب، وبالتأكيد ستنعكس هذه الأوضاع على الداخل الأمريكي.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك