بعد نشر مقالي السابق بعنوان: (أمور ترفضها الحكمة والعقلانية) في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 18 أبريل 2025، وردتني اتصالات ورسائل من بعض المشايخ والأحبة الذين أعتز بمحبتهم وصداقتهم وودّهم؛ تفيد بأنّ المقالَ قد اشتمل على نقاطٍ إيجابية مهمة، وعناصر نافعة ومختصرة، وفي الوقت نفسه توضّح أنّ البصيرة والفِطنة تقتضيان أن نبتعد عن التورط في كثير من الأحداث والمواقف، أو أن نربح كلّ معركة، أو نكون جزءًا من كلّ حكاية، أو نكون الرقم الأول الذي يُشار إليه بالبَنان، وتُدار نحوه الرؤوس في جميع الأحوال والمناسبات.
فكان ذلك دافعًا لتكميل بعض العناصر الأخرى للمقال المذكور:
1- العمل لله دون انتظار الذكر
ليس من الضروري أن يُذكر اسمنا، أو أن يَعرف الناس مَن نحن، وإلى أيّ عشيرة ننتسب؛ المهمّ أن نعمل بإخلاصٍ لله تعالى الإله الحقّ المعبود، الذي يعطي دون حدود، ويمنح دون قيود، وبصدقٍ وحبٍّ ورحمةٍ ولطفٍ وإحسان إلى عباد الله تعالى، ولْنتذكّر أن كثيرًا من الأنبياء والرسل الكرام –مع علوّ مرتبتهم ورفعة شأنهم– لم تُذكر أسماؤهم في القرآن الكريم؛ قال تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) النساء: 164.
2- المبادرة إلى الفرص.
وليس من الضروري أن ننتظر الفرص حتى تأتي، بل الضروري أن نصنعها بأنفسنا، ونبحر نحو السفينة دون أن ننتظر قدومها إلى الشاطئ؛ فالمبادرة أمرٌ مهمٌّ وعنصرٌ أساسٌ في النجاح؛ قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) طه: 84؛ أي: أسرعتُ وسبقتُ قومي إليك؛ طلبًا لقُربك، ومسارعةً إلى رضاك، وشوقًا إليك.
يقول الشاعر:
مُتنقِّلٌ من سُؤددٍ في سُؤددٍ
مثل الهلالِ جَرى إلى استكمالِه
3- البساطة في الهيئة والتعامل
ليس من الضروري أن نتكلّف في المشية والهندام، أو في الحديث ونبرة الصوت، أو أن نتقمّص شخصيات غيرنا ونقلّد الآخرين؛ فالعظماء غالبًا ما يتميّزون بالبساطة، ويغلب عليهم حُسن المعشر، ولطافة الحديث، ويُسر التعامل، وبشاشة الوجه، وسماحة النفس، والبعد عن التكلّف.
وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
ومَن يبتدع خُلقًا سوى خُلقِ نفسهِ
يدَعْه، وترجِعْه إليه الرواجِعُ
4- التثبّت قبل النشر.
ليس من الضروري أن نتسرّع في نشر الأخبار أو كلّ ما يأتينا من رسائل، وعلينا ألا نصدّق كلّ ما يُنشر على وسائل التواصل من صُوَرٍ وفيديوهاتٍ ومقاطع؛ فإنّ كثيرًا منها يحتاج إلى التأكد والتثبّت والتأمّل قبل الإرسال،
وإنّ العَجلة والتسرّع والتهوّر في النشر يُنافيان الحكمة والفهم والمصلحة العامة؛ قال تعالى:
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء: 83. قال ابن كثير رحمه الله: «فيه إنكارٌ على مَن يُبادر إلى الأمور قبل تحقّقها، فيُخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة». (تيسير العلي القدير 1/416).
5- احترام خصوصيات الآخرين.
ليس من الضروري أن نعرف كلّ شيء عن الآخرين، أو أن نطّلع على ما لا يُحبّون أن نعرفه من أمورهم الخاصة وسرائرهم؛ بل علينا أن نحترم خصوصيات الناس، ونتخلّق بأدب التغافل الذي هو من آداب السادة الكرام، وأن نتعامل بالظاهر مع كلّ أحد، ونترك السرائر إلى الله تعالى.
قال الشاعر:
فإن أظهروا بِشْرًا فأظهِرْ جزاءَهُ
وإن ستروا عنك القبيحَ فلا تسلْ
6- العمل دون انتظار الشكر.
ليس من الضروري أن ترجو الثناء الحسن وكلمات الشكر تنهال عليك بعد أدائك لعملٍ جليل؛ احتسب النية لله تعالى، واعلم أنّ ثناء الناس لا يقدّم ولا يؤخّر، وأنّ الأنبياء عليهم السلام دعوا إلى ربهم، وكان لسان حالهم قوله تعالى: (لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) الإنسان: 9.
أي: لا نريد منكم جزاءً ماليًّا ولا ثناءً قوليًّا.
7- الحذر من الشهادات الوهمية.
ليس من الضروري أن تحصل على الشهادات العُليا من الجامعات الوهمية المنتشرة في بعض البلدان، التي تمنح الدرجات العلمية دون وازع أو رادع، وتُكتب فيها البحوث والنصوص مقابل مبلغٍ مادي، بلا جهد ولا أمانة ولا موضوعية؛ المهم أن تعرف معنى الشهادتين وتعمل بمقتضاهما، فهما أثقل ما في الميزان.
8- الاعتراف بحدود المعرفة.
ليس من الضروري أن تكون موسوعةً علميةً تملك إجابةً عن كلّ شيء؛ فكثير من أهل العلم كانوا يقولون: «لا أدري، لا أعلم».
ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وتحدّث في ضوء اختصاصه وعلومه.
9- عدم ربط الحياة بالأشخاص.
ليس من الضروري أن تربط حياتك بأشخاص، أو أن تجد شخصًا كاملًا في جميع النواحي؛ اربط حياتك بالأهداف النبيلة، وتذكّر أنّ كلّ واحدٍ منا كالقمر له جانبٌ مشرقٌ وآخر مظلمٌ.
قال بشار بن برد:
إذا كنتَ في كلِّ الأمورِ معاتِبًا
صديقَك لم تلقَ الذي لا تُعاتِبُه
شمعة أخيرة
ليس من الضروري أن تهدم مباني الآخرين؛ حتى تكون صاحب أعلى بناية في المدينة؛ بل الأهم أن يكون تنافسك في البناء لا في الهدم، في التصالح لا في العداء، في الخير لا في الشر، في الحب لا في الكره، في السِّلم لا في الحرب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك