رشح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غضون 24 ساعة فقط إيلي شارفيت رئيسا جديدا لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، لكنه سرعان ما تراجع عن الترشيح.
تسلط هذه الحلقة من الأحداث الضوء على الافتقار إلى التماسك في قيادة بنيامين نتنياهو، مما يعزز التصور بأن القرارات على أعلى مستويات الحكومة يتم اتخاذها بشكل متهور ودون خطة واضحة.
وهذا أيضا بمثابة دليل آخر على أن نتنياهو يمكن التلاعب به بسهولة - ليس فقط من قبل حلفائه المتطرفين اليمينيين في الائتلاف، ولكن أيضا من قبل قوى خارجية، وحكومات أجنبية، وكما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، حتى زوجته سارة.
تُفسر هذه العملية الفوضوية في صنع القرار انعدام ثقة الإسرائيليين العميق في قيادتهم. تُظهر استطلاعات الرأي العام الأخيرة أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين لا يثقون بحكومتهم، ويدعون إلى انتخابات جديدة أو استقالة نتنياهو.
وقد يعُزى انعدام الثقة إلى فشل بنيامين نتنياهو في منع الهجمات التي حدثت في السابع من أكتوبر2023 وعجزه عن تحقيق النصر في الإبادة الجماعية التي تحولت إلى حرب في قطاع غزة.
لكن المسألة تتجاوز هذه الإخفاقات. لقد فقد الإسرائيليون ثقتهم بنتنياهو لأنهم لا يرون فيه قائدًا يعمل لصالح المصلحة الوطنية. لقد ترسخ في السلطة لدرجة أنه مستعد لإثارة صراع أهلي في إسرائيل لمجرد الحفاظ على منصبه.
ونتيجة لهذا، فلا ينبغي أن يكون مفاجئا أن نتنياهو على استعداد أيضا للتضحية بحياة أكثر من 15 ألف طفل في غزة، إلى جانب عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، فقط من أجل كسب المزيد من الوقت في منصبه.
ولكن فضيحة (الشين بيت)، هي المثال الأكثر وضوحا حتى الآن على فساد بنيامين نتنياهو وسوء تقديره.
تُعرف السياسة الإسرائيلية بعدم استقرارها الشديد، ونادرًا ما تدوم الائتلافات طويلًا. في هذا السياق، يُمكن اعتبار حكومة نتنياهو المنقسمة انعكاسًا لتاريخ إسرائيل السياسي الحافل بعدم الاستقرار.
إن الصراع المستمر بين الحكومة والجيش، على الرغم من أنه غير عادي، يمكن فهمه أيضًا باعتباره جزءًا من اتجاه متزايد يسعى فيه اليمين الإسرائيلي إلى السيطرة على جميع المؤسسات - بما في ذلك الجيش، الذي كان يُنظر إليه تاريخيًا على أنه منفصل عن السياسة.
لقد أدت أحداث السابع من أكتوبر2023، والحرب الفاشلة التي تلتها ــ وكلاهما يخضع الآن لتحقيقات حاسمة ــ إلى تحطيم التوازن الهش الذي سمح لنتنياهو وائتلافه اليميني بالاحتفاظ بالسلطة دون إثارة المعارضة الجماعية.
لقد ثبت أن الضغط الشعبي الإسرائيلي عاملٌ أساسي في هذا التوازن. فعلى سبيل المثال، أجبر هذا الاستياء الشعبي نتنياهو على إعادة وزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى منصبه في شهر أبريل 2023.
ولكن ثمانية عشر شهرا من الحرب في غزة ولبنان، والآن في سوريا، أعطت بنيامين نتنياهو القدرة على استخدام حالة الطوارئ كأداة لسحق المعارضة، وقمع المعارضة، وتجاهل الدعوات لإنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق نهائي.
لقد حول نتنياهو الحرب الآن إلى منصة لتحقيق أجندة سياسية داخلية فشل في تنفيذها خلال السنوات التي سبقت السابع من أكتوبر2023، ولكن جهاز الأمن العام (الشين بيت) يمثل مسألة أخرى تماما.
لقد كان جهاز الأمن العام (الشين بيت)، الذي أسسه أول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن جوريون، في عام 1949، حجر الزاوية في الأمن الداخلي لإسرائيل على مدار عقود طويلة من الزمن.
ورغم أن المهمة الأساسية للوكالة (الشين بيت)، هي مكافحة الإرهاب وجمع المعلومات الاستخباراتية وتوفير الأمن للمسؤولين الإسرائيليين، فإن دورها يحمل أهمية أكبر بكثير فيما يتصل باستقرار الدولة.
ومن أهم أهداف (الشين بيت)، منع التجسس والتخريب الداخلي. ونظرًا للإخفاقات الاستخباراتية التي كشفتها أحداث السابع من أكتوبر 2023، فإن أي إعادة هيكلة جوهرية لجهاز بالغ الأهمية كهذا قد تكون كارثية على إسرائيل.
ورغم أن رئيس جهاز الأمن العام (الشين بيت)، يقدم تقاريره مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد كان من المفهوم دائماً أن المنصب يجب أن يظل فوق الصراعات السياسية الداخلية.
ولقد أحدث قرار نتنياهو بإقالة رونين بار في الثاني من مارس2025 ردودا قوية في المجتمع الإسرائيلي، أكثر من قراره بإقالة رئيس الأركان السابق هيرتسي هاليفي أو وزير الدفاع غالانت.
لقد انتهكت تصرفات (الشين بيت)، نتنياهو أحد المحرمات القديمة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الداخلية غير المسبوقة بالفعل في إسرائيل.
وقد هدد رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشين بيت)، السابق ناداف أرغمان بالكشف عن معلومات سرية، مشيرا إلى أن الجهاز مستعد للانخراط في صراع داخلي على السلطة، والذي يخشى البعض أن يتصاعد إلى حرب أهلية.
لكن إلغاء ترشيح شارفيت، الذي كان سيشغل منصب رونين بار، ربما يكون الجانب الأكثر كشفًا لهذه الأزمة. فهو يُبرز تذبذب نتنياهو في اتخاذ القرارات، ويُمكّن خصومه المتحمسين لإسقاطه. وكما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، أصبح نتنياهو «تهديدًا وجوديًا لإسرائيل».
وأشار بعض المحللين إلى أن تراجع نتنياهو عن موقفه جاء نتيجة للضغوط التي مارستها عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أن شارفيت كان قد كتب مقالا ينتقد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
بينما يرى البعض في هذا دليلاً على أن أجندة نتنياهو تخضع إلى حد كبير لإملاءات الولايات المتحدة، فإن هذه الاستنتاجات مُبسطة للغاية. فرغم النفوذ الكبير للولايات المتحدة، إلا أن قرارات نتنياهو تشكل بفعل مجموعة معقدة من العوامل.
يحرص نتنياهو على تصوير سحب ترشيح شارفيت ليس كعلامة على الخضوع السياسي، بل كتنازل استراتيجي أو انفتاح على ترامب. فهدفه الأهم هو كسب الدعم الأمريكي الكامل والمستمر لأجندته الحربية في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفي نهاية المطاف، لا تستند أجندة الحرب الدائمة هذه إلى أي أيديولوجية سياسية متماسكة. يبقى تركيز نتنياهو منصبًّا على الحفاظ على ائتلافه السياسي وضمان بقائه السياسي - لا أكثر ولا أقل.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك