زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
طقوس تستهدف العروس
شكوت لطوب الأرض عشرات المرات من تعقيدات طقوس ومراسيم الزواج في السودان، والتي تختلف وتتفاوت من إقليم الى آخر، وظللت لسنوات طويلة حائرا في تفسير عادة عجيبة يمارسها أهلي النوبيون خلال مراسم الزواج، فهناك طقس يسمى «كلودن كاشي»، وكلود في النوبية هو العدد سبعة، والنون في آخرها للملكية والنسبة، فإذا أردت ان تقول «كتاب جعفر» تقول «جعفرن كتاب». على وجه الدقة تكون «جافرن كتاب» لأن العين لا تنطق عندنا إلا عندما ينحشر شيء ما في حلوقنا فنجاهد لإخراجه، و«كاشي» تعني يمزج او يخلط او يلخبط ويخربط، المهم انه في ذلك اليوم ينتظر العريس عروسه عند باب غرفة مفروشة بالحصير المصنوع من سعف النخل، (ويسمى الواحد منها في السودان بِرش) وما ان تدخل عليه حتى يحملها بين يديه ثم... يسير بها قليلا ويلقي بها أرضا في أحد أطراف الغرفة. طبعا يقوم معظم العرسان برمي عرائسهم برفق، ولكن ذلك لا يمنع وصف تلك الممارسة بالقسوة والغلظة، وبعد ذلك يجلس الاثنان قبالة بعضهما البعض ويتبادلان بالأكف خليطا من الحبوب سبع مرات، ومن ينتهي عنده الدور يقوم بإلقاء الحبوب في وجه الآخر، فيختلط الحابل بالنابل ويتبادل جميع الحضور رمي الحبوب على الوجوه، ويعم الضحك والسرور، وقالوا ان ذلك من باب التفاؤل بوفرة الخير والطعام.
أذكر انه في سياق مراسم زواجي طلبوا مني ان أتوجه في موكب مهيب الى نهر النيل لأغسل وجهي من مائه، ولما رفضت ذلك قالوا لي انني لن أنجب ما لم أفعل ذلك، فأخبرتهم بأنني لا أعتزم إنجاب فاصوليا او قمح، وتساءلت: طالما النيل هو الذي يهب الذرية، فلماذا لا نستثمر مياهه في السياحة الطبية ونشجع جميع الذين يعانون العقم من مختلف دول العالم، لزيارة بلادنا وغسل وجوههم في النيل «بدل المرة ألف» فيمتلئ العالم بالعيال!! وإذا كنت أجد تفسيرا لعادة غسل الوجه في النيل، على انها امتداد لتقديس النوبيين القدماء للنيل باعتباره مصدر الخصوبة، فلا تفسير لعادة إلقاء العروس أرضا سوى انها إشارة الى سطوة الرجل وقدرته على ان «يمسح بزوجته الأرض»!!
وتلقيت في فترات مختلفة عبر واتساب والبريد الالكتروني رسائل توضح بعض عادات الزواج لدى مختلف الشعوب، ومعظمها يؤكد ضرورة إعطاء الزوجة العين الحمراء منذ «اليوم الأول»، ففي بلد إفريقي عربي، يقوم العريس بضرب عروسه أمام الضيوف لتأكيد انه الآمر الناهي، وفي جزيرة جرينلاند الواقعة في المنطقة القطبية الشمالية يسحب الزوج عروسه من شعرها على الأرض ليدخل بها مكان الاحتفال، ولحسن حظ النساء هناك فإن الأرض مغطاة بالجليد طوال السنة مما يجعل عملية الجرجرة ضربا من التزلج،.. أما في ميانمار التي ترزح على مدى عقود تحت حكم طغمة عسكرية، فإن رجلا كبيرا في السن يتوسط حلبة حفل الزفاف ويقوم بثقب أذن العروس بينما تتولى الموسيقى الصاخبة دفن صرخاتها ومعنى ذلك: اسمعي يا بنت الناس.. حياتك اعتبارا من اليوم عذاب، ولن يستمع أحد لصرخاتك فاستري حالك وانكتمي!! ولكن بعض قبائل بولينيزيا أكثر ديمقراطية لأن العروسين يقفان أمام زعيم القبيلة فيمسك برأسيهما و.. طاخ.. يضرب رأسها برأسه، ربما تذكيرا لهما بوجع الرأس الذي سيتعرضان له، ولكن جزر كوك هي التي تعطي طقوس الزواج فيها الانطباع بأن المرأة هي الكل في الكل، لأنها خلال موكب الزفاف تمشي فوق أجساد مجموعة من الشبان يستلقون أرضا متراصين!! أما في العالم العربي فيصعب الحديث عن تقاليد زواج ثابتة، ففي كل شهر تظهر موضة جديدة، ومعظم تلك التقاليد «تقليد» أي تفتقر الى الأصالة!!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك