العدد : ١٧٢٠٨ - الأحد ٠٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٨ - الأحد ٠٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

طقوس تستهدف العروس

شكوت‭ ‬لطوب‭ ‬الأرض‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬من‭ ‬تعقيدات‭ ‬طقوس‭ ‬ومراسيم‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬والتي‭ ‬تختلف‭ ‬وتتفاوت‭ ‬من‭ ‬إقليم‭ ‬الى‭ ‬آخر،‭ ‬وظللت‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬حائرا‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬عادة‭ ‬عجيبة‭ ‬يمارسها‭ ‬أهلي‭ ‬النوبيون‭ ‬خلال‭ ‬مراسم‭ ‬الزواج،‭ ‬فهناك‭ ‬طقس‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬كلودن‭ ‬كاشي‮»‬،‭ ‬وكلود‭ ‬في‭ ‬النوبية‭ ‬هو‭ ‬العدد‭ ‬سبعة،‭ ‬والنون‭ ‬في‭ ‬آخرها‭ ‬للملكية‭ ‬والنسبة،‭ ‬فإذا‭ ‬أردت‭ ‬ان‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬جعفر‮»‬‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬جعفرن‭ ‬كتاب‮»‬‭. ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬جافرن‭ ‬كتاب‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬العين‭ ‬لا‭ ‬تنطق‭ ‬عندنا‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬ينحشر‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حلوقنا‭ ‬فنجاهد‭ ‬لإخراجه،‭ ‬و«كاشي‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬يمزج‭ ‬او‭ ‬يخلط‭ ‬او‭ ‬يلخبط‭ ‬ويخربط،‭ ‬المهم‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬ينتظر‭ ‬العريس‭ ‬عروسه‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬غرفة‭ ‬مفروشة‭ ‬بالحصير‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬النخل،‭ (‬ويسمى‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بِرش‭) ‬وما‭ ‬ان‭ ‬تدخل‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬يحملها‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ثم‭... ‬يسير‭ ‬بها‭ ‬قليلا‭ ‬ويلقي‭ ‬بها‭ ‬أرضا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أطراف‭ ‬الغرفة‭. ‬طبعا‭ ‬يقوم‭ ‬معظم‭ ‬العرسان‭ ‬برمي‭ ‬عرائسهم‭ ‬برفق،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬وصف‭ ‬تلك‭ ‬الممارسة‭ ‬بالقسوة‭ ‬والغلظة،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يجلس‭ ‬الاثنان‭ ‬قبالة‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬ويتبادلان‭ ‬بالأكف‭ ‬خليطا‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬سبع‭ ‬مرات،‭ ‬ومن‭ ‬ينتهي‭ ‬عنده‭ ‬الدور‭ ‬يقوم‭ ‬بإلقاء‭ ‬الحبوب‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الآخر،‭ ‬فيختلط‭ ‬الحابل‭ ‬بالنابل‭ ‬ويتبادل‭ ‬جميع‭ ‬الحضور‭ ‬رمي‭ ‬الحبوب‭ ‬على‭ ‬الوجوه،‭ ‬ويعم‭ ‬الضحك‭ ‬والسرور،‭ ‬وقالوا‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التفاؤل‭ ‬بوفرة‭ ‬الخير‭ ‬والطعام‭.‬

أذكر‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مراسم‭ ‬زواجي‭ ‬طلبوا‭ ‬مني‭ ‬ان‭ ‬أتوجه‭ ‬في‭ ‬موكب‭ ‬مهيب‭ ‬الى‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬لأغسل‭ ‬وجهي‭ ‬من‭ ‬مائه،‭ ‬ولما‭ ‬رفضت‭ ‬ذلك‭ ‬قالوا‭ ‬لي‭ ‬انني‭ ‬لن‭ ‬أنجب‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬فأخبرتهم‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬أعتزم‭ ‬إنجاب‭ ‬فاصوليا‭ ‬او‭ ‬قمح،‭ ‬وتساءلت‭: ‬طالما‭ ‬النيل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يهب‭ ‬الذرية،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نستثمر‭ ‬مياهه‭ ‬في‭ ‬السياحة‭ ‬الطبية‭ ‬ونشجع‭ ‬جميع‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬العقم‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬لزيارة‭ ‬بلادنا‭ ‬وغسل‭ ‬وجوههم‭ ‬في‭ ‬النيل‭ ‬‮«‬بدل‭ ‬المرة‭ ‬ألف‮»‬‭ ‬فيمتلئ‭ ‬العالم‭ ‬بالعيال‭!! ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬تفسيرا‭ ‬لعادة‭ ‬غسل‭ ‬الوجه‭ ‬في‭ ‬النيل،‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬امتداد‭ ‬لتقديس‭ ‬النوبيين‭ ‬القدماء‭ ‬للنيل‭ ‬باعتباره‭ ‬مصدر‭ ‬الخصوبة،‭ ‬فلا‭ ‬تفسير‭ ‬لعادة‭ ‬إلقاء‭ ‬العروس‭ ‬أرضا‭ ‬سوى‭ ‬انها‭ ‬إشارة‭ ‬الى‭ ‬سطوة‭ ‬الرجل‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬‮«‬يمسح‭ ‬بزوجته‭ ‬الأرض‮»‬‭!!‬

وتلقيت‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬مختلفة‭ ‬عبر‭ ‬واتساب‭ ‬والبريد‭ ‬الالكتروني‭ ‬رسائل‭ ‬توضح‭ ‬بعض‭ ‬عادات‭ ‬الزواج‭ ‬لدى‭ ‬مختلف‭ ‬الشعوب،‭ ‬ومعظمها‭ ‬يؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬إعطاء‭ ‬الزوجة‭ ‬العين‭ ‬الحمراء‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬الأول‮»‬،‭ ‬ففي‭ ‬بلد‭ ‬إفريقي‭ ‬عربي،‭ ‬يقوم‭ ‬العريس‭ ‬بضرب‭ ‬عروسه‭ ‬أمام‭ ‬الضيوف‭ ‬لتأكيد‭ ‬انه‭ ‬الآمر‭ ‬الناهي،‭ ‬وفي‭ ‬جزيرة‭ ‬جرينلاند‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬يسحب‭ ‬الزوج‭ ‬عروسه‭ ‬من‭ ‬شعرها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ليدخل‭ ‬بها‭ ‬مكان‭ ‬الاحتفال،‭ ‬ولحسن‭ ‬حظ‭ ‬النساء‭ ‬هناك‭ ‬فإن‭ ‬الأرض‭ ‬مغطاة‭ ‬بالجليد‭ ‬طوال‭ ‬السنة‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬عملية‭ ‬الجرجرة‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬التزلج،‭.. ‬أما‭ ‬في‭ ‬ميانمار‭ ‬التي‭ ‬ترزح‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬طغمة‭ ‬عسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬رجلا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬يتوسط‭ ‬حلبة‭ ‬حفل‭ ‬الزفاف‭ ‬ويقوم‭ ‬بثقب‭ ‬أذن‭ ‬العروس‭ ‬بينما‭ ‬تتولى‭ ‬الموسيقى‭ ‬الصاخبة‭ ‬دفن‭ ‬صرخاتها‭ ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭: ‬اسمعي‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭.. ‬حياتك‭ ‬اعتبارا‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬عذاب،‭ ‬ولن‭ ‬يستمع‭ ‬أحد‭ ‬لصرخاتك‭ ‬فاستري‭ ‬حالك‭ ‬وانكتمي‭!! ‬ولكن‭ ‬بعض‭ ‬قبائل‭ ‬بولينيزيا‭ ‬أكثر‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لأن‭ ‬العروسين‭ ‬يقفان‭ ‬أمام‭ ‬زعيم‭ ‬القبيلة‭ ‬فيمسك‭ ‬برأسيهما‭ ‬و‭.. ‬طاخ‭.. ‬يضرب‭ ‬رأسها‭ ‬برأسه،‭ ‬ربما‭ ‬تذكيرا‭ ‬لهما‭ ‬بوجع‭ ‬الرأس‭ ‬الذي‭ ‬سيتعرضان‭ ‬له،‭ ‬ولكن‭ ‬جزر‭ ‬كوك‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬طقوس‭ ‬الزواج‭ ‬فيها‭ ‬الانطباع‭ ‬بأن‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬الكل،‭ ‬لأنها‭ ‬خلال‭ ‬موكب‭ ‬الزفاف‭ ‬تمشي‭ ‬فوق‭ ‬أجساد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬يستلقون‭ ‬أرضا‭ ‬متراصين‭!! ‬أما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬فيصعب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تقاليد‭ ‬زواج‭ ‬ثابتة،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬تظهر‭ ‬موضة‭ ‬جديدة،‭ ‬ومعظم‭ ‬تلك‭ ‬التقاليد‭ ‬‮«‬تقليد‮»‬‭ ‬أي‭ ‬تفتقر‭ ‬الى‭ ‬الأصالة‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا