فيما يحتفل العمال في كل دول العالم بعيدهم في الأول من مايو، يحق لعمال البحرين الشعور بالفخر والاعتزاز، لما تحقق لهم على الصعيدين الحقوقي والتنموي على مدى قرابة ربع قرن، منذ تولي جلالة الملك المسؤولية في مارس 1999، والمكانة التي وضعهم فيها في مشروعه الإصلاحي النهضوي، إدراكًا منه كونهم العنصر الأساسي في النشاط الاقتصادي الذي به تعبر المملكة جسر الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، وأن كفاءة العمالة وإنتاجيتها هي مفتاح التقدم، والركيزة الأساسية للتنمية، وهو ما تجلى في «رؤية البحرين الاقتصادية 2030» و«الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية».
ولتحقيق ذلك، وجه جلالة الملك أن تكون فرص العمل الناتجة عن التوسع الاقتصادي والعمراني مخصصة للبحرينيين رجالا ونساء؛ فأطلق «المشروع الوطني لتأهيل وتوظيف البحرينيين»، وفعّل المجلس الأعلى للتدريب المهني - الذي أنشأه الأمير الراحل «عيسى بن سلمان» عام 1975- كما استكملت المملكة انضمامها إلى اتفاقيات «منظمة العمل الدولية»، ذات الصلة بالعمل اللائق، وتم توجيه السياسة التعليمية لربطها باحتياجات سوق العمل، وتشجيع المرأة البحرينية على الانخراط فيه.
علاوة على ذلك، أصدر جلالة الملك قانون النقابات العمالية عام 2002، وعمل على تعزيز الحرية النقابية، وتمكين الحركة العمالية البحرينية، بما منحها استقلالية متميزة على الصعيد العربي. فيما كان إصلاح سوق العمل الذي بدأ في عام 2004 من أولوياته؛ بهدف جعل العمالة الوطنية الخيار المفضل للقطاع الخاص؛ ما أدى إلى إنشاء «هيئة تنظيم سوق العمل»، و«صندوق العمل»، «تمكين»، مع رفع كلفة استقدام العمالة الأجنبية، وتوجيه عوائدها لتدريب البحرينيين.
وانطلاقًا من هذه الرؤية الشاملة لتعزيز مكانة المواطن البحريني في سوق العمل، حرص على تأهيل وتشغيل ذوي الإعاقة، وأطلق مشروع المعايير المهنية الوطنية في أكتوبر 2012، و«مشروع المرصد الوطني للقوى العاملة»، ومشاريع التدريب والتأهيل في عام 2013. كما شهدت المرحلة تعزيزًا لتحسين أجور العمالة الوطنية، وتبني نظام التأمين ضد التعطل، وتخصيص مبالغ مالية لدعم الباحثين عن العمل.
وضمن هذا الإطار، جاء دعم الحكومة لتشغيل العمالة الوطنية في القطاع الخاص، عبر تعزيز سياسة البحرنة، وتنفيذ برامج تدريب وتوظيف للمهندسين وخريجي الجامعات وأبناء الأسر المحتاجة، إضافة إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، مع تقوية دور «معهد البحرين للتدريب»، في تطوير الكوادر الوطنية.
وإعلاءً لمركز العمال في النشاط الاقتصادي، أصدر جلالة الملك في أغسطس 2012، قانون العمل في القطاع الأهلي رقم (36) لسنة 2012، ليوسع من حقوق العمال وامتيازاتهم، وحقوق المرأة البحرينية، محققًا التوازن الاقتصادي والاجتماعي، واستقرار سوق العمل، ويأخذ في اعتباره الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة، منذ صدور قانون العمل 23 لسنة 1976، ويراعي معايير العمل الدولية، ويحظر التمييز في الأجور بسبب اختلاف الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، ويكفل سرعة الفصل في المنازعات العمالية، ويضع نظمًا مستحدثة للمفاوضات الجماعية، وعقود العمل الجماعية، ما يسهم في دعم السلم الاجتماعي، وتحسين مناخ الاستثمار، ويطور اشتراطات السلامة والصحة المهنية.
ولمزيد من تحقيق التوازن بين أصحاب العمل والعمال، وبما يحفظ حقوق العمال، ويعزز وضع العمالة البحرينية؛ أجرى جلالة الملك تعديلاً لهذا القانون في 2015، بالقانون رقم 37 لسنة 2015، الذي أجاز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل؛ بسبب إغلاق المنشأة كليًا أو جزئيًا، أو تقليص حجم نشاطها، أو استبدال نظام إنتاجها بشرط الإخطار المسبق لوزارة العمل؛ بسبب الإنهاء قبله بـ30 يومًا، ولا يتم إنهاء عقد العامل البحريني، الذي يتمتع بنفس كفاءة وخبرة العامل الأجنبي الذي يعمل في المنشأة في غير حالة الإغلاق الكلي.
وإذا كان «الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين»، الذي نشأ في 2002 طبقًا لقانون النقابات العمالية، الذي صدر في نفس هذا العام، ظل التنظيم الوحيد للحركة العمالية البحرينية؛ فإنه تعزيزًا للحريات النقابية، أصدر جلالة الملك في أكتوبر 2011 المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2011، بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية، والذي أجاز لكل نقابتين أو أكثر من النقابات العمالية المشابهة، أن تنشئ فيما بينها اتحادًا نقابيًا. فيما يمثل عمال البحرين في المحافل الدولية، والمفاوضات الجماعية مع أصحاب العمل؛ الاتحاد النقابي الذي يصدر بتسميته قرار من الوزير المختص، وحظر تأسيس النقابات على أسس طائفية.
وللقضاء على البطالة، والسيطرة على معدلاتها عند أدنى حد مأمون لها؛ توالت مشروعات تأهيل وتوظيف العمالة البحرينية، ودعم أجورها لدى القطاع الخاص، بمراحلها المختلفة، لتشمل كل الباحثين عن عمل من حملة الشهادات الجامعية وما دونها. وكانت «خطة التعافي الاقتصادي البحرينية 2022 – 2026»، أكثر طموحًا من الخطط السابقة، فقد استهدفت تشغيل 20 ألف بحريني سنويًا وتدريب 10 آلاف، وتبين تقارير الإنجاز تجاوز المستهدف، لتتم السيطرة على معدل البطالة في البحرين. وطبقًا لـ«منظمة العمل الدولية»، فإن نسبة البطالة بين الرجال أكثر من 25 عاما في حدود 0,3% في 2024 و2025، وبين النساء في حدود 3%.
وكان من أكبر الإنجازات التي تحققت لقوة العمل الوطنية على مدى ربع القرن الماضي، هو ذلك الارتفاع الكبير في تشغيل المرأة البحرينية، حيث غدت تمثل نحو 55% من إجمالي قوة العمل البحرينية في القطاع الحكومي، و35% من إجمالي العمالة البحرينية في القطاع الخاص، ويقف على متابعة المساواة بين المرأة والرجل «لجان تكافؤ الفرص»، التي أصبحت منتشرة في جميع مؤسسات الدولة، وتراعي ليس فقط شغل الوظائف على قاعدة المساواة؛ لكن أيضًا مبدأ الأجر المتساوي عن العمل المتساوي.
وتُظهر إحصاءات «الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي»، ارتفاع متوسط رواتب البحرينيين في القطاع الخاص بمعدل 6% في عام واحد؛ ليبلغ 828 دينارا شهريًا في 2023، بينما كان 779 دينارا في 2022، في حين كان هذا المتوسط 322 دينارا في 2010، فيما تتبنى الحكومة سياسة رفع الحد الأدنى للأجور ضمن البرنامج الوطني للتوظيف. ووفقا لتقرير الخطة السنوية لصندوق العمل تمكين لعام 2025، أسهم البرنامج في زيادة متوسط أجور المستفيدين منه والبالغ عددهم 13570، بواقع 60 دينارا عن متوسط الأجر في 2021. ويعمل البرنامج على تمكين العامل البحريني من مهارات ترتقي براتبه، ووضعه الوظيفي داخل المنشأة التي يعمل بها.
وتعزيزًا لقوة العمل الوطنية لم تكن السيطرة على معدل البطالة، بمجرد توفير فرص عمل، لكن أن تلبي هذه الفرص، معايير العمل اللائق كما تبنتها «منظمة العمل الدولية»، على سبيل المثال في تحديد عدد ساعات العمل، وأجرها المراعي للإنتاجية وتكلفة المعيشة، والراحات الأسبوعية، والإجازات الرسمية والسنوية مدفوعة الأجر، والعلاوات الدورية، والمكافآت التشجيعية، وبدلات الانتقال والسفر، وعلاوات المهن والمخاطر، والتقاعد والمعاش التقاعدي، وبيئة العمل الصحية الآمنة، والتأمين ضد التعطل، وقد كفلت التشريعات الوطنية هذه المعايير، ويراقب التفتيش العمالي الالتزام بها.
وإذا كانت قلة عدد سكان المملكة، وصغر حجم قوة العمل الوطنية، قد مثلت تحديًا أمام طموحها الاقتصادي الكبير؛ فقد تمت الاستعانة بالعمالة الأجنبية لتلبية هذا الطموح، وأصبحت زيادة حجم هذه العمالة يطرح تحديات أخرى بالغة الأهمية، اقتصاديًا وأمنيًا وثقافيًا وسياسيًا، حيث برزت الحاجة إلى توطين هذه العمالة، الأمر الذي أخذت المملكة تسير عليه بخطى مدروسة تجنبًا لأي هزات اقتصادية، ووضعت أهدافًا للتوطين لكل مؤسسة يجري تنفيذها بمقتضى خطط زمنية.
وفي هذا السياق، تحتل البحرين المرتبة الثانية بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث نسبة المواطنين العاملين من إجمالي القوى العاملة، حيث بلغ معدل البحرينيين في سوق العمل 28,1% وفقًا لبيانات «المركز الإحصائي الخليجي». ويصل إجمالي عدد العمالة الوطنية في المملكة في القطاعين العام والخاص معًا إلى نحو 150 ألف عامل، منهم 99,8 ألفا في القطاع الخاص، بما يمثل 67% من إجمالي قوة العمل الوطنية بحسب بيانات «الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي» لعام 2023؛ يمثلون قلب الاقتصاد البحريني ومحركه. وفي عام 2024، بلغت نسبة البحرنة نحو 70% في أقوى الشركات البحرينية، وارتفعت إلى نحو 94% في شركات مثل «شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات»، فيما سجلت نسبة البحرنة في القطاع الحكومي 80%، وتجاوزت 94% في بعض المؤسسات كوزارة شؤون البلديات، بينما بلغ المتوسط العام للبحرنة في القطاع الخاص نحو 33%.
وتواجه البحرين تحديًا يتمثل في ارتفاع نسبة العمالة الأجنبية متدنية المهارة، حيث تشكل نحو 72% من القوى العاملة في الأعمال التي لا يُقبل عليها المواطنون. وللتعامل مع ذلك، تفرض «هيئة تنظيم سوق العمل»، سياسات لتحفيز أصحاب الأعمال على توظيف البحرينيين، من خلال زيادة تكلفة استقدام العمالة الأجنبية في المهن التي يقبل البحرينيون على العمل بها، كما تحدد نسبة بحرنة تصل إلى 50% في بعض القطاعات الجاذبة، وتتابع تطبيقها إلكترونيًا، مع فرض غرامة قدرها 500 دينار بحريني عن كل تصريح عمل مخالف.
ورغم الجهود المبذولة لدعم البحرنة، فإن التوسع في خطط التوطين، لا يعني الاستغناء كلية عن العمالة الأجنبية، فلا توجد دولة في العالم، حتى تلك التي لديها عدد كبير من السكان في حالة استغناء تام عن العمالة الأجنبية، ولكن التوطين يعني أولوية العامل البحريني في شغل الوظائف، طالما كانت لديه مؤهلاتها ومهاراتها، والإنتاجية المطلوبة منها.
على العموم، حققت قوة العمل الوطنية مكتسبات كبيرة على المستويين الحقوقي والتنموي، ويحق لها أن تفخر وتعتز بما أنجزته، وهي تحتفل مع عمال العالم بيوم العمال العالمي في الأول من مايو. ولا غرابة في ذلك، فقد كان لها الدور الأبرز في تنويع الاقتصاد البحريني، وزيادة معدلات نموه، حتى أصبحت القطاعات التي تعتمد على قوة العمل أكثر من اعتمادها على الموارد الطبيعية تشكل القاعدة الأساسية للاقتصاد البحريني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك