العدد : ١٧٢٠٤ - الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٤ - الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف يمكن التحرك لتغيير أوضاع النظام العالمي؟

بقلم: د. نبيل فهمي {

الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬أبريل‭ ‬1955،‭ ‬اجتمعت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بورما‭ ‬والهند‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وباكستان‭ ‬وسريلانكا‭ ‬و24‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬إفريقية‭ ‬وآسيوية،‭ ‬منها‭ ‬مصر،‭ ‬في‭ ‬باندونج‭ ‬بإندونيسيا،‭ ‬متحدين‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الإرث‭ ‬الاستعماري‭ ‬وتوترات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬ومدفوعين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬برؤية‭ ‬مشتركة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬مفاهيم‭ ‬السيادة‭ ‬والسلام‭ ‬والعدالة‭.‬

يصادف‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الذكرى‭ ‬السبعين‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬المحوري،‭ ‬الذي‭ ‬أبرز‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتمتع‭ ‬بحقوق‭ ‬متساوية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسلام‭ ‬والأمن‭ ‬والازدهار‭. ‬فقد‭ ‬عبّرت‭ ‬غالبية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬‭ ‬التي‭ ‬تُعرف‭ ‬الآن‭ ‬بالجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬‭ ‬في‭ ‬باندونج‭ ‬عن‭ ‬رأيها،‭ ‬ووقفت‭ ‬معاً‭ ‬لتصحيح‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي‭ ‬ورسم‭ ‬ملامح‭ ‬المستقبل‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬يمر‭ ‬بحالة‭ ‬فوضى،‭ ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬عنفاً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فقد‭ ‬كثرت‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬ووصلت‭ ‬نفقات‭ ‬التسلح‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية،‭ ‬كما‭ ‬تُطرح‭ ‬برامج‭ ‬جديدة‭ ‬لتحديث‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬الخطرة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬تحديات‭ ‬عالمية‭ ‬جسيمة‭ ‬منها‭: ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬وندرة‭ ‬المياه،‭ ‬وثقل‭ ‬أعباء‭ ‬الديون؛‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬النامي‭.‬

في‭ ‬ذكرى‭ ‬‮«‬باندونج‮»‬‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬استدعاء‭ ‬مبادئها،‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والالتزام‭ ‬بمقاصد‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومبادئه‭ ‬المتعلقة‭ ‬بعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول،‭ ‬واحترام‭ ‬سلامتها‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الأعراق‭. ‬أبرزت‭ ‬كذلك،‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ،‭ ‬حق‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬وفقاً‭ ‬لميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬دعمت‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الدفاع‭ ‬الجماعي‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭. ‬شددت‭ ‬أيضاً‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬باندونج‮»‬‭ ‬على‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬ضد‭ ‬السلامة‭ ‬الإقليمية‭ ‬أو‭ ‬الاستقلال‭ ‬السياسي‭ ‬لأي‭ ‬دولة‭. ‬ومؤخراً،‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬الدولية‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية‭ ‬وتعزيز‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬وأقرّت‭ ‬ضرورة‭ ‬احترام‭ ‬العدالة‭ ‬والالتزامات‭ ‬الدولية‭.‬

لقد‭ ‬أدت‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬التي‭ ‬انبثقت‭ ‬من‭ ‬اجتماع‭ ‬باندونج،‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬مناصرة‭ ‬حقوق‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭. ‬فقد‭ ‬دعمت‭ ‬جهود‭ ‬إنهاء‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وقاومت‭ ‬التدخلات‭ ‬العسكرية‭ ‬الخارجية،‭ ‬ودفعت‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

بعد‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬مؤتمر‭ ‬باندونج،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الوعد‭ ‬بنظام‭ ‬عالمي‭ ‬عادل‭ ‬ومنصف‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬فلا‭ ‬تزال‭ ‬هياكل‭ ‬القوة‭ ‬العالمية‭ ‬تعكس‭ ‬أوجه‭ ‬عدم‭ ‬المساواة‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭. ‬فمن‭ ‬جهة،‭ ‬اتسعت‭ ‬الفجوة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬نظام‭ ‬مالي‭ ‬عالمي‭ ‬مُصمَّم‭ ‬لمصلحة‭ ‬فئة‭ ‬قليلة‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مؤسسات‭ ‬مثل‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تفرض‭ ‬شروطاً‭ ‬تعوق‭ ‬النمو‭ ‬المستدام‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬دعمه؛‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬أزمة‭ ‬الديون‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬تمثل‭ ‬شكلاً‭ ‬جديداً‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬القهر‭ ‬الاقتصادي‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬تتابعت‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬المدمرة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ومن‭ ‬آسيا‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وخلّفت‭ ‬تلك‭ ‬الحروب،‭ ‬التي‭ ‬تُغذّيها‭ ‬المصالح‭ ‬الخارجية،‭ ‬ملايين‭ ‬النازحين،‭ ‬واقتصاداتٍ‭ ‬مُدمّرة،‭ ‬وأجيالاً‭ ‬بأكملها‭ ‬محرومة‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثالثة،‭ ‬تعرض‭ ‬مبدأ‭ ‬السيادة‭ ‬للانتهاك‭ ‬المستمر؛‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬استخدام‭ ‬التدخلات‭ ‬العسكرية‭ ‬والإكراه‭/‬القسر‭ ‬السياسي‭ ‬والعقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كأدوات‭ ‬لفرض‭ ‬سياسات‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأضعف،‭ ‬بينما‭ ‬تفلت‭ ‬الدول‭ ‬القوية‭ ‬من‭ ‬العقاب‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬رابعة‭ ‬وأخيرة،‭ ‬يتفاقم‭ ‬تهديد‭ ‬الظلم‭ ‬المناخي‭ ‬لوجودنا‭ ‬ذاته؛‭ ‬حيث‭ ‬تدفع‭ ‬الدول‭ ‬الأقل‭ ‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬ثمناً‭ ‬باهظاً،‭ ‬بينما‭ ‬تواصل‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬استغلال‭ ‬الموارد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاسبة‭.‬

مصداقية‭ ‬‮«‬العدالة‮»‬‭.. ‬

والنضال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬لمؤتمر‭ ‬باندونج‭ ‬من‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬السياق‭ ‬العالمي‭ ‬الراهن،‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُشكل‭ ‬أساس‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭. ‬ولا‭ ‬تقتصر‭ ‬هذه‭ ‬العدالة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الإنصاف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فحسب؛‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬أيضاً‭ ‬التزاماً‭ ‬راسخاً‭ ‬بالسلام‭ ‬وحل‭ ‬النزاعات‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭.‬

لقد‭ ‬دعا‭ ‬مؤتمر‭ ‬باندونج‭ ‬بشكل‭ ‬بارز‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬سلمياً،‭ ‬وهو‭ ‬مبدأٌ‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭. ‬فعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭ ‬الدولية‭ ‬قائمة،‭ ‬بعضها‭ ‬متجذر‭ ‬في‭ ‬مظالم‭ ‬تاريخية،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يُغذّيه‭ ‬التدخل‭ ‬الخارجي‭ ‬والتنافس‭ ‬على‭ ‬الموارد؛‭ ‬لذا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬الجهود‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬والتفاوض‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الإكراه‭ ‬والقسر،‭ ‬والمصالحة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭.‬

تحتاج‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬المنظمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬وآليات‭ ‬بناء‭ ‬السلام‭ ‬لحل‭ ‬النزاعات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬أجنبي؛‭ ‬حيث‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الوقائية‭ ‬والوساطة‭ ‬محل‭ ‬العسكرة‭ ‬كردِّ‭ ‬فعلٍ‭ ‬تلقائيٍّ‭ ‬للنزاعات‭. ‬فالسلام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬انتقائياً؛‭ ‬فإذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬سلمياً،‭ ‬فيتعين‭ ‬علينا‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬نطالب‭ ‬بتطبيق‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬عالمياً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحيز‭.‬

ولا‭ ‬يوجد‭ ‬مثال‭ ‬يتجلى‭ ‬فيه‭ ‬فشل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مثال‭ ‬النضال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال‭. ‬فقد‭ ‬عانى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬والتشريد‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الممنهجة‭ ‬لحقوقه؛‭ ‬لذا‭ ‬تُلزمنا‭ ‬مبادئ‭ ‬باندونج‭ ‬‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬والسيادة،‭ ‬والعدالة‭ ‬‭ ‬بالوقوف‭ ‬بحزم‭ ‬لدعم‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬معالجة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الحاسمة،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭: ‬رفض‭ ‬الاحتلال‭ ‬والتوسع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬والتشريد‭ ‬القسري،‭ ‬الذين‭ ‬ينتهكون‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬دعم‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬عاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحدود‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دولياً‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬النزاعات‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬السيادة‭ ‬والسلامة‭ ‬الإقليميين‭ ‬أن‭ ‬يطبق‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬بالتساوي‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭. ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬العدالة‭ ‬لفلسطين؛‭ ‬تصبح‭ ‬مصداقية‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬المحك‭.‬

إصلاح‭ ‬قانوني‭.. ‬وتحرك‭ ‬مطلوب‭ ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬باندونج»؛‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬للأسف‭ ‬يشهد‭ ‬تآكلاً‭ ‬خطراً‭ ‬لهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬والأسس؛‭ ‬ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬صاغت‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬ينتهكها؛‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬القوة،‭ ‬لا‭ ‬القانون،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تُحدد‭ ‬مصير‭ ‬الأمم؛‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬العدالة‭ ‬الانتقائية‭ ‬تُقوّض‭ ‬الاستقرار‭ ‬العالمي‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فإن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬وانتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تُحاكَم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬بينما‭ ‬تُتجاهل‭ ‬في‭ ‬أخرى‭ ‬تبعاً‭ ‬للملاءمة‭ ‬السياسية،‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬عتيقاً‭ ‬بالياً‭ ‬وغير‭ ‬ديمقراطي‭. ‬وللأسف،‭ ‬باتت‭ ‬العقوبات‭ ‬والحصار‭ ‬والإجراءات‭ ‬العسكرية‭ ‬تُستخدم‭ ‬كأسلحة‭ ‬سياسية،‭ ‬تُعاقب‭ ‬الدول‭ ‬الأضعف‭ ‬بينما‭ ‬تحمي‭ ‬الدول‭ ‬الأقوى؛‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات؛‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬أن‭ ‬تتحد‭ ‬للمطالبة‭ ‬بنظام‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬يُطبّق‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الضعفاء‭.‬

تتطلب‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬باندونج‮»‬‭ ‬إصلاح‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ليعكس‭ ‬واقع‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬مع‭ ‬تمثيل‭ ‬دائم‭ ‬لإفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬والاحترام‭ ‬العالمي‭ ‬للسيادة،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬عندما‭ ‬تُناسب‭ ‬قوى‭ ‬معينة،‭ ‬وأخيراً‭ ‬التمسك‭ ‬العادل‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إعلاء‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬فوقه‭. ‬فالقانون‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يُطبق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحيز‭ ‬أو‭ ‬محاباة،‭ ‬فإنه‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬قانوناً؛‭ ‬بل‭ ‬يُصبح‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الأقوياء‭.‬

بعد‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬مؤتمر‭ ‬باندونج؛‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬مجدداً‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭. ‬فالوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لرفض‭ ‬وهدم‭ ‬هياكل‭ ‬السلطة‭ ‬البالية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬نظام‭ ‬يُعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬لضمان‭ ‬العدالة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والتجارة‭ ‬العادلة،‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وتخفيف‭ ‬أعباء‭ ‬الديون،‭ ‬وحل‭ ‬النزاعات‭ ‬بالدبلوماسية،‭ ‬لا‭ ‬بالحرب،‭ ‬وإعطاء‭ ‬الحق‭ ‬للشعوب،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭. ‬والأهم،‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬حقيقي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬القواعد،‭ ‬يحترم‭ ‬السيادة‭ ‬والقانون‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭.‬

ونظراً‭ ‬لأن‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬أغلبية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي،‭ ‬وليسوا‭ ‬مجرد‭ ‬مشاركين‭ ‬فيه،‭ ‬فمن‭ ‬الأهمية‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬معاً‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيله‭ ‬وقيادته‭. ‬إن‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬اليوم‭ ‬إحياء‭ ‬روح‭ ‬مؤتمر‭ ‬باندونج‭ ‬ليس‭ ‬كحدث‭ ‬تاريخي،‭ ‬بل‭ ‬كدعوة‭ ‬للتحرك‭ ‬والتغيير‭ ‬ورفض‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬تسيطر‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬بينما‭ ‬تخضع‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬تُطبق‭ ‬فيه‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬بشكل‭ ‬انتقائي‭ ‬ويقدم‭ ‬فيه‭ ‬السلام‭ ‬والسيادة‭ ‬كامتيازاتٍ‭ ‬لقلةٍ‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬بينما‭ ‬يُحرم‭ ‬منها‭ ‬الآخرون‭. ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لإقامة‭ ‬نظامٍ‭ ‬عالميٍّ‭ ‬جديد‭ ‬عادلٍ‭ ‬وشاملٍ،‭ ‬يعكس‭ ‬جميع‭ ‬الأمم،‭ ‬لا‭ ‬القلةَ‭ ‬القوية‭ ‬فحسب‭. ‬فلنتحد‭ ‬لبناء‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يسوده‭ ‬العدل‭ ‬والسلام‭ ‬والمساواة‭.‬

 

{‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬السابق

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا