العدد : ١٧٢٠٤ - الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٤ - الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

مقالات

النيابة العامة والمجتمع:
جريمة التأثير في الشهود وأثرها في نزاهة العدالة

الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

تُعد‭ ‬جريمة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الشهود‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تمسّ‭ ‬نزاهة‭ ‬القضاء‭ ‬وتهدد‭ ‬سلامة‭ ‬نظام‭ ‬العدالة،‭ ‬حيث‭ ‬تؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬محاكمة‭ ‬عادلة،‭ ‬كما‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬الثقة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬القضائية‭. ‬فعندما‭ ‬تصبح‭ ‬الشهادات‭ ‬عرضةً‭ ‬للتغيير‭ ‬أو‭ ‬التشويه،‭ ‬فإن‭ ‬مصداقية‭ ‬الأحكام‭ ‬القضائية‭ ‬تصبح‭ ‬محلّ‭ ‬شك،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يُقوّض‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬ويؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭. ‬ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تنطوي‭ ‬عليه‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬قانونية‭ ‬وأخلاقية،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭ ‬والتوعية‭ ‬بخطورتها‭.‬

تندرج‭ ‬جريمة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الشهود‭ ‬ضمن‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تعرقل‭ ‬سير‭ ‬العدالة،‭ ‬إذ‭ ‬يرتكب‭ ‬الجاني‭ ‬أفعالاً‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬شاهد‭ ‬ينتظر‭ ‬الإدلاء‭ ‬بشهادته‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة،‭ ‬وذلك‭ ‬إما‭ ‬لمنعه‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬شهادته،‭ ‬وإما‭ ‬لدفعه‭ ‬إلى‭ ‬الإدلاء‭ ‬بشهادة‭ ‬زور‭ ‬تخالف‭ ‬الحقيقة‭. ‬

وبموجب‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ (‬238‭) ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات،‭ ‬تتجسد‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬صور‭ ‬رئيسية‭ ‬يرتكبها‭ ‬الجاني‭ ‬تجاه‭ ‬الشاهد‭: ‬الأولى‭ ‬استعمال‭ ‬الإكراه‭ ‬بالقوة،‭ ‬والثانية‭ ‬التهديد،‭ ‬أما‭ ‬الصورة‭ ‬الثالثة‭ ‬فهي‭ ‬الإغراء؛‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬عطايا‭ ‬أو‭ ‬مزايا‭ ‬على‭ ‬الشاهد‭ ‬أو‭ ‬وعده‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬الشهادة‭ ‬أو‭ ‬الإدلاء‭ ‬بها‭ ‬زوراً‭ ‬بتغيير‭ ‬الحقيقة‭ ‬أو‭ ‬إغفال‭ ‬بعضها‭.‬

إدراكًا‭ ‬لخطورة‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬نزاهة‭ ‬القضاء،‭ ‬وضع‭ ‬المشرّع‭ ‬عقوبات‭ ‬رادعة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬التأثير‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬الشهود،‭ ‬حيث‭ ‬تنصّ‭ ‬المادة‭ (‬238‭) ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬عقوبة‭ ‬الحبس‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬سنة،‭ ‬والغرامة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬مائة‭ ‬دينار،‭ ‬وذلك‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الشهود‭ ‬وتهدد‭ ‬مصداقية‭ ‬شهادتهم‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬وضع‭ ‬المشرّع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬الوقائية‭ ‬لحماية‭ ‬الشهود،‭ ‬والتي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ (‬127‭ ‬مكرراً‭) ‬من‭ ‬قانون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجنائية،‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬سلامتهم‭ ‬وسلامة‭ ‬الأشخاص‭ ‬وثيقي‭ ‬الصلة‭ ‬بهم‭ ‬متى‭ ‬دعت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬التدابير‭: ‬أ‭- ‬تغيير‭ ‬محل‭ ‬الإقامة‭. ‬‌ب‭- ‬تغيير‭ ‬الهوية‭. ‬‌ج‭- ‬حظْر‭ ‬إفشاء‭ ‬أية‭ ‬معلومات‭ ‬تتعلق‭ ‬بالهوية‭ ‬وأماكن‭ ‬وجود‭ ‬الأشخاص‭ ‬المتعيَّن‭ ‬حمايتهم،‭ ‬ومحال‭ ‬إقامتهم،‭ ‬أو‭ ‬وضْع‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬تداول‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭. ‬‌د‭- ‬تعيين‭ ‬حراسة‭ ‬على‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬محل‭ ‬الإقامة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬مكتب‭ ‬حماية‭ ‬المجني‭ ‬عليهم‭ ‬والشهود‭ ‬بالنيابة‭ ‬العامة‭ ‬بموجب‭ ‬قرار‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬رقم‭ ‬38‭ ‬لسنة‭ ‬2020،‭ ‬بهدف‭ ‬اتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬اللازمة‭ ‬لحماية‭ ‬الشهود‭ ‬والمجني‭ ‬عليهم‭ ‬وتوفير‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭ ‬لهم‭. ‬

وأخيرًا،‭ ‬فإن‭ ‬صون‭ ‬الدليل‭ ‬المستمد‭ ‬من‭ ‬شهادة‭ ‬الشهود‭ ‬وحمايته‭ ‬يتطلب،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬والأمنية،‭ ‬وعيًا‭ ‬مجتمعياً‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬وآثارها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬العدالة،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬إبلاغ‭ ‬السلطات‭ ‬العامة‭ ‬عند‭ ‬ارتكاب‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬ليكون‭ ‬الجناة‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬المساءلة‭ ‬والعقاب‭.‬

 

رئيس‭ ‬النيابة

إبراهيم‭ ‬البنجاسم

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا