تُعد جريمة التأثير في الشهود من الجرائم التي تمسّ نزاهة القضاء وتهدد سلامة نظام العدالة، حيث تؤثر بشكل مباشر في حقوق الأفراد في الحصول على محاكمة عادلة، كما تؤدي إلى زعزعة الثقة العامة في المنظومة القضائية. فعندما تصبح الشهادات عرضةً للتغيير أو التشويه، فإن مصداقية الأحكام القضائية تصبح محلّ شك، مما قد يُقوّض الثقة في القضاء ويؤثر سلبًا في تحقيق العدالة. ونظرًا إلى ما تنطوي عليه هذه الجريمة من مخاطر قانونية وأخلاقية، فمن الضروري تسليط الضوء عليها والتوعية بخطورتها.
تندرج جريمة التأثير في الشهود ضمن الجرائم التي تعرقل سير العدالة، إذ يرتكب الجاني أفعالاً غير مشروعة تهدف إلى التأثير في شاهد ينتظر الإدلاء بشهادته أمام المحكمة، وذلك إما لمنعه من أداء شهادته، وإما لدفعه إلى الإدلاء بشهادة زور تخالف الحقيقة.
وبموجب نص المادة (238) من قانون العقوبات، تتجسد هذه الجريمة في ثلاث صور رئيسية يرتكبها الجاني تجاه الشاهد: الأولى استعمال الإكراه بالقوة، والثانية التهديد، أما الصورة الثالثة فهي الإغراء؛ وذلك من خلال عرض عطايا أو مزايا على الشاهد أو وعده بشيء من ذلك، في مقابل الامتناع عن أداء الشهادة أو الإدلاء بها زوراً بتغيير الحقيقة أو إغفال بعضها.
إدراكًا لخطورة هذه الجريمة على نزاهة القضاء، وضع المشرّع عقوبات رادعة تهدف إلى منع التأثير غير المشروع في الشهود، حيث تنصّ المادة (238) من قانون العقوبات على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة، والغرامة التي لا تتجاوز مائة دينار، وذلك للحد من مثل هذه الممارسات التي تستهدف الشهود وتهدد مصداقية شهادتهم. إلى جانب ذلك، وضع المشرّع مجموعة من التدابير الوقائية لحماية الشهود، والتي وردت في نص المادة (127 مكرراً) من قانون الإجراءات الجنائية، وتهدف إلى تأمين سلامتهم وسلامة الأشخاص وثيقي الصلة بهم متى دعت الحاجة إلى ذلك، وتشمل هذه التدابير: أ- تغيير محل الإقامة. ب- تغيير الهوية. ج- حظْر إفشاء أية معلومات تتعلق بالهوية وأماكن وجود الأشخاص المتعيَّن حمايتهم، ومحال إقامتهم، أو وضْع قيود على تداول بعض هذه المعلومات. د- تعيين حراسة على الشخص أو محل الإقامة.
وفي هذا السياق، تم إنشاء مكتب حماية المجني عليهم والشهود بالنيابة العامة بموجب قرار النائب العام رقم 38 لسنة 2020، بهدف اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الشهود والمجني عليهم وتوفير بيئة آمنة لهم.
وأخيرًا، فإن صون الدليل المستمد من شهادة الشهود وحمايته يتطلب، إلى جانب الإجراءات القانونية والأمنية، وعيًا مجتمعياً يتمثل في إدراك خطورة هذا النوع من الجرائم وآثارها السلبية على العدالة، والحرص على إبلاغ السلطات العامة عند ارتكاب هذه الجريمة ليكون الجناة تحت طائلة المساءلة والعقاب.
رئيس النيابة
إبراهيم البنجاسم
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك