القراء الأعزاء،
في قصيدة (الصورة) للشاعر الكبير فهد عافت التقاطات جميلة تُوضّح أهمية الصور في اقتناص اللحظة وذكرياتها وقدرتها على إيقاف تلك اللحظات الزمنية وحفظها في لوحة ملموسة تستطيع أن تعود بخيال الانسان إلى تلك اللحظة ليعيشها ويستذكر تفاصيلها وصحبتها، حيث يعتمد تقنية التصوير على استخدام التأثيرات الضوئية وانعكاساتها.
وقصيدة (عافت) باللهجة العامية الدارجة، وهي أجمل بكثير حين تستمع إليها بصوته، ولكني لأغراض هذا المقال سأستعير بعضا من مقاطعها العذبة مكتوبة حيث يقول فيها:
كانت الصورة جميله وكان في الصورة طفل،
وخلفنا كانت مره تلبس عباه، وأطرف الصورة ولد يضحك صباه،
وقربنا حطّت حمامه، قربها حطّت حمامه
تذكرين اش كثر كانت أبسط الاشياء تثير الانتباه؟
وكان في الصورة، وهذا أجمل اللي كان في الصورة
طباعك، نظرتك والشيطنة في داخل عيونك، جنونك واندفاعك،
بسمتك لمّا تطوقني ذراعك.
أذكر أنك قبل ندخل هذي الصورة بلحظه،
التفتيّ لي وقلتي: قول احبك
قلت: أخاف ليا تكلمت أحرم اذني من سماعك.
كانت الصورة جميله،
كنتي في أحلي نفانيفك، كأن الصبح ضيفك
أو كأنك من كثر ما كنتي إنتي، كنتي طيفك،
كنتي في أكثر مواعيدك وفا وكنت انا في أكثر ايديني دفا
كانت الصورة جميله ... وكان في الصوره طفل.
انتهت القصيدة، واثق بأن بعضكم استطاع أن يرى تلك الصورة الفوتوغرافية من خلال الصور الشعرية في قصيدة الشاعر فهد عافت، التي تمكّنت من أن تستحضر تفاصيل اللحظة برشاقة لنرسمها في خيالنا ونراها به.
لذا وكما أسلفت، تلعب الصور دوراً بارزاً في العلاقات الإنسانية، فهي الحافظة للحظات والموثّقة للأحداث، وتُعدّ شكلاً من أشكال التعبير عن الرأي، كما أنها من أهم العناصر المساندة لدور الوسائل الإعلامية وتُسهم بشكل فاعل في تعزيز حرّية الاعلام والتي يُعد سقفها مؤشراً على مدى ديمقراطية الدول ذات النهج الديمقراطي.
ولا شك أن حديثي عن الصور قد استحضر في ذهن من يقرأني الآن اسماً معيناً أو صورة شخص معين من المصورين الذين اعتاد عليهم، أما عنّي فإن المصور الخلوق جداً (عبدالله دشتي) كان هو سبب اختياري لهذا الموضوع، حيث اتخذ من التصوير شغفاً يمارسه لما يفوق الخمسين عاما، وكان حريصا على أن يتواجد في أقصى ما يمكنه حضوره من الفعاليات الثقافية والأدبية، وحتى إن صادف أن تكون هناك عدة فعاليات متعددة في ليلة واحدة، فإنه يحرص على حضورها جميعاً أو أكثرها بحسب الوقت ليلتقط الصور هنا وهناك، ويتفنن في التقاط اللحظات الإبداعية بكل عفويتها وأريحيتها بصورة مباغتة، حتى أصبح من أثرى المهتمين بجمع أكبر عدد من الصور التي التقطها طوال مدة اشتغاله بهذا الشغف.
والجميل في دشتي أنه يأتي حاملاً حقيبته التي أسميتها (حقيبة الذكريات) من دون أن يعلم، وأنه متى ما لقيك، لا يُغادرك وأنت خالي الوفاض، فدائماً ما يفاجئك بمجموعة صور التقطها قبل أوان، قد يكون قريباً أو بعيدا، صور غالباً ما تُدهشك، إذ لك عزيزي القارئ أن تتخيل وقع صورة تستلمها بعد انقضاء عشرين عاما، لتوقعك في حيرة وزحام الدهشة من إطلالتك ومن المكان ومن صحبة الصورة الذين قد يكون بعضهم فارقك في زحام الحياة، أو رحل عنها، أو بعض آخر أصبحت صورتهم مغايرة تماماً للمحبوسين معك في تلك اللحظة – الصورة.
لذا، وللعمل الإنساني الرائع الذي يقوم به المصور البحريني عبدالله دشتي وبشكل مجاني للأفراد، ليس لأصدقائه فقط ولكن للجميع، دون تمييز، بصورة تركت بصمة له في ذاكرة أهل البحرين وجميع من التقتهم كاميرته من زائريها في المجالات التي يحرص المصور على حضورها، فشكراً لذاكرة كاميرا هذا المصور البحريني الانسان الشغوف البشوش والخلوق.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك