في زمن يعج بكل ما هو غير مألوف، ويستقطب كل المستحيلات ليحولها إلى واقع ملموس، حتى ان أفلام الخيال العلمي التي كنا نشاهدها وكان البعض يسخر من مبالغتها في الطرح؛ باتت في طريقها للتحول إلى وقائع سنعيشها في المستقبل القريب! فطالما نحن في عصر التكنولوجيا الحديثة كالذكاء الاصطناعي الذي تدور عجلته بشكل متسارع وبلا حدود لابد أن نتوقع ما لا يتوقع!
يصنع من الشبه أربعين! أو ربما أكثر هو عنوان المرحلة القادمة التي يتبناها عالم التكنولوجيا؛ إذ أعلنت الشركة ذات الصيت البارز واللامع في عالم صناعة الروبوتات (برومو بوت) الروسية مشروعها الجديد، الذي يجمع ما بين الذكاء الاصطناعي والتصميم البشري بشكل غير مسبوق.
إذ تتبنى الفكرة تصنيع روبوت بملامح وصوت بشري حقيقيين؛ بحيث يتنازل المتقدم عن حقوق وجهه وصوته للشركة مقابل 200 ألف دولار، بشرط أن تتملك مظهر المتقدم للأبد؛ بما يجيز أن يكون له العديد من النسخ الآلية التي قد تصل إلى المئات، والتي سيتم بيعها للاستخدام في مختلف المرافق العامة لمختلف دول العالم.
تخيل أن تشاهد نسخة آلية من شخص تعرفه، تتحدث العديد من اللغات، وتمارس مختلف الأدوار، وتوجد في العديد من الأماكن بذات الوقت! تخيل أن يكون صديقك أو أختك أو أخوك أو زوجتك أو زوجة النادل/ة في مقهاك المفضل، وحامل الأمتعة في المطار، وموظف/ة الاستقبال في العيادة القريبة من منزلك، وحارس الأمن في المؤسسة التي تعمل بها، أو ربما المساعدة المنزلية الذي تستقدمها من إحدى مؤسسات استقدام العمالة المنزلية، تخيل أن تصادفهم في مختلف الدول التي قد تسافر اليها يتحدثون الروسية والإنجليزية تارة؛ والفرنسية والصينية تارة أخرى! وتراهم يشغلون العديد من الوظائف التي لا تمت لهم ولشخصيتهم الحقيقة بصلة.
هذا ما تعتزم الشركة عليه؛ إذ أعلنت من خلال بيان صحفي أصدرته مؤخرًا أنها ستختار مبدئيًّا شخصًا واحدًا من المتقدمين؛ بحيث تنطبق عليه المواصفات التي ترغب بها، كأن يكون صاحب وجه مريح ولطيف... إلخ، ومن ثم ستتوسع في عملية اختيار الأفراد، وأفادت في وقت لاحق للبيان إنها تلقت ما يزيد على 20 ألف طلب ستخضعهم جميعًا للدراسة، كما ألمحت أنها كشركة تحتاج الى ما يزيد على عام لاختيار المرشح المثالي، ودعت الذين لم يتسن لهم المجال للترشح متابعة موقع الشركة وذلك للتقدم لمشاريع أخرى.
والجدير ذكره أن الشركة ستستخدم في عملية تصنيع الروبوت تقنية النمذجة ثلاثية الأبعاد للوجه والجسم للشخص الذي سيقع عليه الاختيار، كما ستخضعه لجلسات تسجيل صوتية تصل إلى أكثر من 100 ساعة؛ وذلك لتوفير مادة كافية لاستخدامها في الحديث الآلي الذي سينطقه الروبوت ومن ثم سيخضع التسجيل للمعالجة.
وتعد فكرة إنشاء روبوتات مشابهة للبشر بالطريقة التي تتبناها الشركة فكرة غير مستساغة، خاصة أنها تستبيح خصوصية الفرد وتؤدي الى ضياع هويته الشخصية حتى لو كان ذلك بموافقته! كما تعرضه للعديد من المشاكل المرتبطة بالسلامة الرقمية، خاصة إبان عدم وجود ضوابط وقوانين صارمة تحمي المشاركين من التعرض لاستغلال الهوية والبيانات الشخصية من المنتهكين، ناهيك عن أن المبلغ المدفوع كمقابل للتنازل عن الهوية الشخصية يمثل جزءا صغيرا مقابل الأرباح الطائلة التي ستجنيها الشركة من كل عملية بيع وصيانة لهذه الروبوتات، ولن يكون للمرشح أي نسبة أرباح منها؛ ما يعد انتهاكا واستغلالا صريحا للحقوق.
ولربما قد يكون لهذه التقنية فائدة تحقق شعور (الطبطبة) النفسية والألفة الإنسانية في حالات معينة؛ كأن يتم استخدامها برغبة من عائلة معينة لتخليد ذكرى شخص عزيز غيبه الموت؛ بحيث يتم إنشاء نسخة آلية للأسرة من دون أن تكون بشكل مشاع وبهذا الشكل لن تشكل ضررا على الأفراد وخصوصياتهم.
خلاصة القول، في ظل تطور مراحل منظومة الذكاء الاصطناعي؛ لابد من تشريع قوانين ووضع مواثيق ومعايير دولية للشركات والمؤسسات المصنعة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وذلك لتنظيم عشوائية عملية الاختراعات المتسارعة بما يضمن سلامة الفرد والمجتمع، ويكفل حماية الهوية الشخصية من التعرض لأي استغلال قد يعرض حياة وبيانات الفرد للخطر حتى لو كان برغبة وموافقة منه تحت تأثير الإغراءات المادية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك