العدد : ١٧٣٤٣ - الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٤٣ - الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

الحوكمة.. الجسر نحو استدامة الأداء الحكومي وجودته

{ بقلم: عبير محمد دهام

الثلاثاء ٢٩ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬زمن‭ ‬تتسارع‭ ‬فيه‭ ‬التحديات‭ ‬وتتصاعد‭ ‬فيه‭ ‬طموحات‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬خدمات‭ ‬حكومية‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬واستدامة،‭ ‬تبرز‭ ‬الحوكمة‭ ‬بوصفها‭ ‬الإطار‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬معالم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحديثة‭. ‬فالحديث‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬الأداء‭ ‬الوظيفي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬منفصلاً‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬مبادئ‭ ‬الحوكمة،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬التزاماً‭ ‬هيكليّاً‭ ‬يتطلب‭ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬ثقافة‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬برمّتها‭.‬

لقد‭ ‬أرست‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬انطلاق‭ ‬مشروعها‭ ‬الإصلاحي‭ ‬أسساً‭ ‬دستورية‭ ‬وتشريعية‭ ‬تؤكد‭ ‬التزام‭ ‬الدولة‭ ‬بمبادئ‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون،‭ ‬وهي‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬جوهر‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة‭. ‬ومع‭ ‬إطلاق‭ ‬رؤية‭ ‬البحرين‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2030،‭ ‬انتقل‭ ‬هذا‭ ‬الالتزام‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬إلى‭ ‬السياسات‭ ‬التنفيذية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬معايير‭ ‬واضحة‭ ‬لتحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬الإنفاق،‭ ‬ورفع‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات،‭ ‬وتعزيز‭ ‬العدالة‭ ‬المؤسسية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬التجربة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هو‭ ‬سعيها‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬الحوكمة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مفاصل‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي،‭ ‬باعتبارها‭ ‬آلية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية‭ ‬معاً‭. ‬فاعتماد‭ ‬برنامج‭ ‬عمل‭ ‬الحكومة‭ (‬20232026‭)‬،‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬التنافسية‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬يعكس‭ ‬فهماً‭ ‬متقدماً‭ ‬لدور‭ ‬الحوكمة‭ ‬كشرط‭ ‬أساسي‭ ‬لنجاح‭ ‬الخطط‭ ‬التنموية‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬منهجيات‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬كفاءة‭ ‬الإدارة‭ ‬وجودة‭ ‬الأداء،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬الإنفاق‭ ‬وحده،‭ ‬بما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬توظيف‭ ‬الموارد‭ ‬وتحقيق‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عملية‭ ‬إدارية‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬التحولات‭ ‬النوعية‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومي،‭ ‬يأتي‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬تفضل‭ ‬بإصداره‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفه،‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬بنقل‭ ‬مديري‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬الوزارات‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬كترجمة‭ ‬عملية‭ ‬لرؤية‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الحوكمة‭ ‬المؤسسية‭. ‬فهذا‭ ‬القرار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬الأداء‭ ‬ويرسّخ‭ ‬مبدأ‭ ‬التكامل‭ ‬الوظيفي‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية،‭ ‬ويُجسد‭ ‬مبادئ‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة‭ ‬كواقع‭ ‬عملي،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬الحوكمة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مفهوماً‭ ‬تنظيريّاً‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬خياراً‭ ‬وطنيّاً‭ ‬راسخاً‭ ‬تنطلق‭ ‬منه‭ ‬السياسات‭ ‬العليا‭ ‬وتُبنى‭ ‬عليه‭ ‬القرارات‭ ‬السيادية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬حاضر‭ ‬الجهاز‭ ‬الحكومي‭ ‬ومستقبله‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬الوطني‭ ‬أيضاً،‭ ‬التوجهات‭ ‬التي‭ ‬أكدها‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬ناصر‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفه،‭ ‬ممثل‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬للأعمال‭ ‬الإنسانية‭ ‬وشؤون‭ ‬الشباب،‭ ‬بشأن‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬الولاء‭ ‬الوظيفي‭ ‬ومكافأة‭ ‬الكفاءات‭ ‬الوطنية‭. ‬وهي‭ ‬توجيهات‭ ‬تعكس‭ ‬فهماً‭ ‬عميقاً‭ ‬للعلاقة‭ ‬العضوية‭ ‬بين‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬الصحية‭ ‬ومستوى‭ ‬الأداء‭ ‬العام‭ ‬للمؤسسات‭. ‬فالولاء‭ ‬المؤسسي‭ ‬لا‭ ‬يُصنع‭ ‬بالأوامر،‭ ‬بل‭ ‬يُبنى‭ ‬عبر‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬عادلة‭ ‬تحترم‭ ‬الجهود‭ ‬وتعترف‭ ‬بالتميز،‭ ‬وهي‭ ‬فلسفة‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬الحوكمة‭ ‬المعاصرة‭.‬

ومن‭ ‬واقع‭ ‬خبرتي‭ ‬البحثية‭ ‬والأكاديمية،‭ ‬فإن‭ ‬تطبيق‭ ‬مبادئ‭ ‬الحوكمة‭ ‬يترك‭ ‬أثراً‭ ‬مباشراً‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬الوظيفي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬برفع‭ ‬معدلات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬أو‭ ‬تقليص‭ ‬مظاهر‭ ‬الهدر،‭ ‬بل‭ ‬عبر‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الموظف‭ ‬والمؤسسة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬والعدالة‭. ‬وعندما‭ ‬تتحول‭ ‬الحوكمة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬مؤسسية،‭ ‬تنشأ‭ ‬بيئات‭ ‬عمل‭ ‬محفزة‭ ‬على‭ ‬الإبداع،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استقطاب‭ ‬الكفاءات،‭ ‬وتعزيز‭ ‬استدامة‭ ‬التميز‭ ‬المؤسسي‭.‬

إن‭ ‬الرهان‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬الخدمات‭ ‬أو‭ ‬ضبط‭ ‬المصروفات،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬فلسفة‭ ‬الحوكمة‭ ‬كنهج‭ ‬يومي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭. ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الثقافي،‭ ‬تمكنت‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل‭ ‬بثقة،‭ ‬واستطاعت‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬تمضي‭ ‬قدماً‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬رؤيتها‭ ‬الوطنية‭ ‬بأيدٍ‭ ‬وطنية‭ ‬وكفاءات‭ ‬مؤسسية‭ ‬راسخة‭.‬

فالاستثمار‭ ‬في‭ ‬الحوكمة‭ ‬ليس‭ ‬التزاماً‭ ‬إداريّاً‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬رهان‭ ‬وطني‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭.‬

في‭ ‬المقال‭ ‬القادم‭ ‬سأتناول‭ ‬بتفصيل‭ ‬أوسع‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لمبادئ‭ ‬الحوكمة‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الشفافية،‭ ‬المساءلة،‭ ‬والعدالة‭ ‬المؤسسية‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬إدارية‭ ‬إلى‭ ‬ممارسات‭ ‬عملية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬نوعي‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي،‭ ‬مع‭ ‬استعراض‭ ‬أبرز‭ ‬التطبيقات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬جسدت‭ ‬الحوكمة‭ ‬واقعاً‭ ‬ملموساً،‭ ‬لا‭ ‬شعاراً‭ ‬تنظيميّاً‭.‬

 

مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا