العدد : ١٧٢٠١ - الأحد ٢٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠١ - الأحد ٢٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التفاوت الطبقي عبر التاريخ من العصر الزراعي إلى العولمة

بقلم: د. أحلام راشد القاسمي {

الأحد ٢٧ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

ربما‭ ‬بدأ‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاوت‭ ‬القدرات‭ ‬الطبيعية‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬حيث‭ ‬يتفاوت‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬قدراتهم،‭ ‬فهناك‭ ‬الأسرع‭ ‬في‭ ‬الجري،‭ ‬والأقدر‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬الأثقال،‭ ‬والأمهر‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬السلاح‭ ‬وهكذا،‭ ‬وربما‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬الأقوى‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬نفسه‭ ‬وقبض‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة،‭ ‬لكن‭ ‬الحاصل‭ ‬أن‭ ‬الأذكى‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬هؤلاء‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬الهرم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتسخير‭ ‬الأقوى‭ ‬والأسرع‭ ‬والأمهر‭ ‬لصالحه‭. ‬

وبمعزل‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬بدأ‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭. ‬فإن‭ ‬الثابت‭ ‬أن‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭ ‬شكل‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬السمات‭ ‬البنيوية‭ ‬للمجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬الحضارة‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬عاشت‭ ‬البشرية‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬بدائية‭ ‬تسودها‭ ‬المساواة‭ ‬النسبية،‭ ‬شهدت‭ ‬الثورة‭ ‬الزراعية‭ ‬قبل‭ ‬حوالي12‭.‬000‭ ‬سنة‭ ‬التحول‭ ‬الأول‭ ‬نحو‭ ‬التمايز‭ ‬الطبقي‭. ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الفائض‭ ‬الزراعي،‭ ‬بدأت‭ ‬تتشكل‭ ‬النخب‭ ‬المهيمنة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬الأرض‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬الموارد،‭ ‬بينما‭ ‬تحول‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬فلاحين‭ ‬وعمال‭. ‬

هذا‭ ‬التحول‭ ‬التاريخي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فكما‭ ‬لاحظ‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬‮«‬خطاب‭ ‬حول‭ ‬أصل‭ ‬التفاوت‭ ‬بين‭ ‬البشر‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬ظهور‭ ‬الملكية‭ ‬الخاصة‭ ‬كان‭ ‬اللحظة‭ ‬الحاسمة‭ ‬التي‭ ‬حولت‭ ‬التملك‭ ‬الشرعي‭ ‬إلى‭ ‬اغتصاب،‭ ‬والحرية‭ ‬إلى‭ ‬عبودية‭. ‬

قفز‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬والتاسع‭ ‬عشر‭. ‬تحول‭ ‬العمال‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬إنتاج،‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬مزرية‭ ‬بينما‭ ‬تتراكم‭ ‬الثروات‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬الرأسماليين‭. ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬ألهمت‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬لتحليله‭ ‬الشهير‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي،‭ ‬حيث‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬يعتمد‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬طبقة‭ ‬العمال‭ ‬لتعظيم‭ ‬أرباح‭ ‬الطبقة‭ ‬البرجوازية‭. ‬

في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬اتخذ‭ ‬الاستغلال‭ ‬الطبقي‭ ‬أشكالاً‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭. ‬انتقلت‭ ‬مراكز‭ ‬الإنتاج‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬حيث‭ ‬الأجور‭ ‬الزهيدة‭ ‬وشروط‭ ‬العمل‭ ‬السيئة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبرز‭ ‬فضيحة‭ ‬الماركات‭ ‬المزيفة‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬كواحد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأمثلة‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬استمرارية‭ ‬التفاوت‭ ‬والاستغلال‭. ‬

يعيش‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬منتجات‭ ‬ماركات‭ ‬فاخرة‭ ‬مزيفة‭ ‬في‭ ‬ورشة‭ ‬سرية‭ ‬بضواحي‭ ‬قوانغتشو،‭ ‬يعيش‭ ‬وضعا‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬جوهريا‭ ‬عن‭ ‬فلاح‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬أو‭ ‬عامل‭ ‬المصنع‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬حيث‭ ‬يعمل‭ ‬الجميع‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬بأجور‭ ‬زهيدة‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬إنسانية،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية،‭ ‬فيما‭ ‬الأرباح‭ ‬الطائلة‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬السماسرة‭ ‬والتجار،‭ ‬بينما‭ ‬يحصل‭ ‬العمال‭ ‬على‭ ‬الفتات‭. ‬

كما‭ ‬يتم‭ ‬خداع‭ ‬المستهلكين‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ - ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يشترون‭ ‬السلع‭ ‬المقلدة‭ ‬معتقدين‭ ‬أنها‭ ‬أصلية،‭ ‬والعمال‭ ‬الذين‭ ‬يُستغلون‭ ‬لتحقيق‭ ‬أرباح‭ ‬خيالية‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الوضع‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭. ‬

فضيحة‭ ‬الماركات‭ ‬المزيفة‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬ليست‭ ‬ظاهرة‭ ‬معزولة،‭ ‬بل‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاستغلال‭ ‬الطبقي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬نشوء‭ ‬الحضارات‭ ‬الأولى‭. ‬الفارق‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أدوات‭ ‬الاستغلال‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً،‭ ‬ولكن‭ ‬الجوهر‭ ‬بقي‭ ‬كما‭ ‬هو‭: ‬نظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الكثيرين‭ ‬لصالح‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭. ‬

إن‭ ‬العولمة‭ ‬الحديثة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬نظام‭ ‬لضمان‭ ‬حرية‭ ‬حركة‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬وحركة‭ ‬السلع،‭ ‬مع‭ ‬تقييد‭ ‬حركة‭ ‬العمالة‭. ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬استمرارية‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭ ‬عبر‭ ‬العصور،‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬القمح‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬الورش‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬المعاصرة،‭ ‬مع‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الواحد‭ ‬إلى‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭. ‬

فضيحة‭ ‬الأسواق‭ ‬الصينية‭ ‬لعام‭ ‬2025‭ ‬أعادت‭ ‬فتح‭ ‬ملف‭ ‬التلاعب‭ ‬بثقة‭ ‬المستهلك،‭ ‬ودفعت‭ ‬كبرى‭ ‬الماركات‭ ‬العالمية‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬البيع،‭ ‬وتوعية‭ ‬المستهلكين‭ ‬بمخاطر‭ ‬الشراء‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭. ‬لكنها‭ ‬أعادت‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬أسئلة‭ ‬الاستغلال‭ ‬وجذور‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭.‬

 

{ رئيسة‭ ‬قسم‭ ‬العلوم

‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا