العدد : ١٧٢٦٢ - الجمعة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٦٢ - الجمعة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تقييم سياسة ترامب في الشرق الأوسط.. تناقضات وإخفاقات

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬حملتيه‭ ‬الرئاسيتين‭ ‬الناجحتين‭ ‬عامي‭ ‬2016‭ ‬و2024‭ -‬وكذلك‭ ‬محاولته‭ ‬الفاشلة‭ ‬عام‭ ‬2020‭- ‬قدَّم‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬نفسه‭ ‬للناخبين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والعالم‭ ‬بوصفه‭ ‬قائدًا‭ ‬مختلفًا،‭ ‬لن‭ ‬يُكرِّر‭ ‬إخفاقات‭ ‬أسلافه‭ ‬بتوريط‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬صراعاتٍ‭ ‬خارجية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬تنصيبه‭ ‬الثاني،‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نجاحات‭ ‬إدارته‭ ‬ستُقاس‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بالحروب‭ ‬التي‭ ‬ننهيها؛‭ ‬بل‭ ‬بالأهم،‭ ‬بالحروب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نخوضها‭ ‬أبدًا‭. ‬

ونظرًا‭ ‬للصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بشخصيته‭ ‬بوصفه‭ ‬يتسم‭ ‬بالغطرسة،‭ ‬وغير‭ ‬واثق‭ ‬بالآخرين‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬كبير‭ ‬موظفي‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬ورئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬المشتركة‭ ‬السابقين،‭ ‬وصفاه‭ ‬بـالفاشي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربًا‭ ‬أن‭ ‬يُظهر‭ ‬ترامب،‭ ‬عند‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬القضايا‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهي‭ (‬ملف‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭)‬،‭ ‬انحرافًا‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬الدبلوماسية‭. ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزامه‭ ‬المُعلن‭ ‬بالحلول‭ ‬السلمية،‭ ‬تواطأ‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬لشن‭ ‬ضربات‭ ‬عسكرية‭ ‬مفاجئة‭ ‬على‭ ‬طهران؛‭ ‬تبعها‭ ‬بتدخل‭ ‬عسكري‭ ‬أمريكي‭ ‬مباشر؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬إيراني‭ ‬باستهداف‭ ‬قاعدة‭ ‬العديد‭ ‬في‭ ‬قطر،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬المنطقة‭ ‬نحو‭ ‬حافة‭ ‬الانفجار‭.‬

ومع‭ ‬تعثر‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الذي‭ ‬دافع‭ ‬عنه‭ ‬فور‭ ‬إعلانه،‭ ‬أصبحت‭ ‬نتائج‭ ‬تحركاته‭ ‬سببًا‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬المسار‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬الذي‭ ‬استغرق‭ ‬سنوات‭ ‬لاحتواء‭ ‬طموحات‭ ‬إيران‭ ‬النووية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُرجّح‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬خطواتها‭ ‬نحو‭ ‬امتلاك‭ ‬ترسانة‭ ‬نووية‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يدفع‭ ‬ائتلاف‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ«الصقور‮»‬‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬باتجاه‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭. ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬ذلك،‭ ‬تراجعت‭ ‬سمعة‭ ‬واشنطن،‭ ‬كوسيط‭ ‬موثوق‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬النزاعات‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها‭ ‬تاريخيًّا‭.‬

ومنذ‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬منصبه‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬وحتى‭ ‬شن‭ ‬إسرائيل‭ ‬أول‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬ضد‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يونيو؛‭ ‬وعد‭ ‬ترامب،‭ ‬بحل‭ ‬دبلوماسي‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة؛‭ ‬لإخفاء‭ ‬النيات‭ ‬الحقيقية‭ ‬لإدارته،‭ ‬وحكومة‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتطرفة،‭ ‬لاستخدام‭ ‬القوة‭ ‬والمخاطرة‭ ‬بإشعال‭ ‬صراع‭ ‬إقليمي‭ ‬مدمر‭. ‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أنه‭ -‬وعقب‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬تخليه‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬لعام‭ ‬2015،‭ ‬بادر‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬طهران‭ ‬عبر‭ ‬الإمارات،‭ ‬عارضًا‭ ‬استئناف‭ ‬المفاوضات،‭ ‬وكانت‭ ‬تهديداته‭ ‬اللاحقة‭ ‬بهجمات‭ ‬عسكرية‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شن‭ ‬قصف‭ ‬لم‭ ‬يروا‭ ‬مثله‭ ‬من‭ ‬قبل‭- ‬مصحوبة‭ ‬بالالتزام‭ ‬بطرح‭ ‬دبلوماسي،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬صرح‭ ‬إبان‭ ‬زيارته‭ ‬لمنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬مايو‭ ‬2025‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬اتفاقا‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬نوعيًا،‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الشروط‭ ‬الجديدة‭. ‬وقد‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬علنًا‭ ‬حتى‭ ‬هجمات‭ ‬إسرائيل‭ -‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭ ‬يوم‭ ‬13‭ ‬يونيو‭- ‬وأعقب‭ ‬ذلك‭ ‬تباهيه‭ ‬بعلمه‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬مُسبقًا،‭ ‬وتفاخره‭ ‬بأن‭ ‬الهجمات‭ ‬التالية‭ ‬المخطط‭ ‬لها؛‭ ‬ستأتي‭ ‬أكثر‭ ‬وحشية‭. ‬وقد‭ ‬أشار‭ ‬أندرو‭ ‬روث،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬إلى‭ ‬التناقضات‭ ‬بين‭ ‬أقواله‭ ‬وأفعاله،‭ ‬حيث‭ ‬اندفع‭ ‬إلى‭ ‬نَسب‭ ‬الفضل‭ ‬لنفسه‭ ‬في‭ ‬هجومٍ‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬عارضه‭ ‬علنًا‭ ‬قبل‭ ‬ساعات‭ ‬فقط‭.‬

ومع‭ ‬تنفيذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضربات‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬واغتيالها‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬وعلماء‭ ‬نوويين،‭ ‬اعتبر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هيذر‭ ‬ويليامز،‭ ‬ودورن‭ ‬هورشيج،‭ ‬وبيلي‭ ‬شيف،‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬ستعيق‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬طموحات‭ ‬إيران‭ ‬النووية‭. ‬وقد‭ ‬مثلت‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية،‭ ‬أمام‭ ‬ترامب‭ -‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قادة‭ ‬مجموعة‭ ‬الدول‭ ‬السبع‭- ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬التصعيد‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬استمرار‭ ‬الهجمات‭ ‬الدامية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واشنطن،‭ ‬اختارت‭ ‬الانحياز‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتوجيه‭ ‬تهديدات‭ ‬صريحة‭ ‬لسكان‭ ‬طهران‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬نحو‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التلويح‭ ‬بتصفية‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬غارة‭ ‬جوية‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬ظهر‭ ‬وكأنه‭ ‬يتراجع‭ ‬عن‭ ‬حافة‭ ‬الهاوية،‭ ‬عبر‭ ‬الوعد‭ ‬بمنح‭ ‬فرصة‭ ‬مدة‭ ‬أسبوعين‭ ‬لإحياء‭ ‬المسار‭ ‬الدبلوماسي؛‭ ‬أصدر‭ ‬ترامب،‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬يونيو‭ ‬أمرًا‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬مستهدفًا‭ ‬منشآت‭ ‬النووية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬موقع‭ ‬فوردو،‭ ‬باستخدام‭ ‬قنابل‭ ‬خارقة‭ ‬للتحصينات‭ ‬تزن‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬رطل‭. ‬وبينما‭ ‬ركّز‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬الهجوم‭ ‬بأنه‭ ‬نجاح‭ ‬عسكري‭ ‬مذهل،‭ ‬ودمّر‭ ‬تمامًا‭ ‬القدرات‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية؛‭ ‬فقد‭ ‬حذر‭ ‬تشارلز‭ ‬ليستر،‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تمثل‭ ‬تحولًا‭ ‬جذريًا‭ ‬في‭ ‬الديناميكيات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬حيث‭ ‬دخلت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أيضًا،‭ ‬وقد‭ ‬حمل‭ ‬ردها‭ ‬باستهداف‭ ‬قاعدة‭ ‬العديد‭ ‬في‭ ‬قطر،‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬احتمال‭ ‬انزلاق‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬سلسلة‭ ‬متتالية‭ ‬من‭ ‬التصعيدات‭ ‬الخطيرة‭.‬

وبشكل‭ ‬واضح،‭ ‬تنعكس‭ ‬عواقب‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬واشنطن،‭ ‬من‭ ‬ثقة‭ ‬كوسيط‭ ‬دولي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬إعلانه‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬عبر‭ ‬منصته‭ ‬تروث‭ ‬سوشال‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الضربة‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬العديد؛‭ ‬إذ‭ ‬خاطب‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬قائلًا‭: ‬من‭ ‬فضلكم،‭ ‬لا‭ ‬تنتهكوها،‭ ‬في‭ ‬تعبير‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬تراجع‭ ‬احترام‭ ‬الطرفين‭ ‬لسلطته،‭ ‬حيث‭ ‬واصلا‭ ‬تنفيذ‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬والهجمات‭ ‬الصاروخية‭ ‬المتبادلة‭ ‬دون‭ ‬اكتراث‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭. ‬

وبينما‭ ‬انتقد‭ ‬في‭ ‬تصريحاته‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬بمجرد‭ ‬إبرامنا‭ ‬الصفقة،‭ ‬خرجت‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأسقطت‭ ‬حمولة‭ ‬من‭ ‬القنابل،‭ ‬لم‭ ‬أرَ‭ ‬مثلها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬أكبر‭ ‬حمولة‭ ‬رأيناها؛‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬إدراك‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وائتلافه‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف،‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬كوابح،‭ ‬أو‭ ‬ضوابط‭ ‬قد‭ ‬تفرضها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬واستمرار‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬مخططاتهم،‭ ‬رغم‭ ‬العواقب‭ ‬الخطيرة‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

وأشار‭ ‬إليوت‭ ‬أبرامز،‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كانت‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬انضمام‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬إلى‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬ومع‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬أصبحت‭ ‬مسألة‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬هي‭ ‬الطموح‭ ‬المعلن،‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬سعى‭ ‬إليه‭ ‬الصقور‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬أشاد‭ ‬ويليام‭ ‬ويشلر،‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬بقرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬قصف‭ ‬إيران،‭ ‬واصفًا‭ ‬إياه‭ ‬بـالخطوة‭ ‬الصائبة‭. ‬أما‭ ‬زميله‭ ‬في‭ ‬المجلس،‭ ‬ماثيو‭ ‬كرونيج،‭ ‬فقد‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم،‭ ‬معتبرًا‭ ‬إياه‭ ‬أكبر‭ ‬إنجاز‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ذهب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬رويل‭ ‬جيريشت،‭ ‬وراي‭ ‬تاكيه،‭ ‬وإريك‭ ‬إيدلمان،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬أفيرز،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭ ‬لتغيير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬حملتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬بحيث‭ ‬تشمل‭ ‬استهداف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الإضافية‭ ‬للنفط‭ ‬والغاز‭ ‬داخل‭ ‬إيران،‭ ‬كما‭ ‬دعوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬جهاز‭ ‬الموساد،‭ ‬بتكثيف‭ ‬عملياته‭ ‬السرية‭ ‬داخل‭ ‬البلاد؛‭ ‬بهدف‭ ‬زعزعة‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬والدفع‭ ‬نحو‭ ‬إسقاطه‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬حرص‭ ‬فيه‭ ‬الرؤساء‭ ‬الأمريكيون‭ ‬السابقون‭ ‬على‭ ‬تجنّب‭ ‬الإفصاح‭ ‬علنًا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬نيات‭ ‬لتغيير‭ ‬الأنظمة؛‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬ترامب،‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬حرجًا‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وصريح‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬دفاعه‭ ‬بيت‭ ‬هيغسيث‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬يونيو،‭ ‬بأن‭ ‬واشنطن‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فإنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ناقض‭ ‬أبرز‭ ‬أعضاء‭ ‬حكومته،‭ ‬متسائلًا‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬حكومة‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬إيران‭ ‬عظيمة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬النظام؟

وهكذا،‭ ‬وكما‭ ‬نجحت‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬نحو‭ ‬قصف‭ ‬منشآت‭ ‬إيران‭ ‬النووية،‭ ‬فإنها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬يتيح‭ ‬لها‭ ‬التأثير‭ ‬عليه‭ ‬لتصعيد‭ ‬الحرب؛‭ ‬سعيا‭ ‬للإطاحة‭ ‬الكاملة‭ ‬بقيادتها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكرار‭ ‬كارثة‭ ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬وانتقدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فرصة‭ ‬للفوز‭ ‬بأول‭ ‬انتخابات‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تبدو‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬الرابح‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬ترامب‭ ‬الكارثية،‭ ‬ونهج‭ ‬إدارته‭ ‬التصعيدي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات،‭ ‬فقد‭ ‬أسفر‭ ‬تهوره‭ ‬عن‭ ‬تعريض‭ ‬شركاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمنيين‭ ‬التقليديين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬لخطر‭ ‬داهم،‭ ‬بل‭ ‬وامتد‭ ‬التهديد‭ ‬ليشمل‭ ‬المنطقة‭ ‬بأكملها‭. ‬ورغم‭ ‬تقليله‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الضربات‭ ‬الصاروخية‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬العديد،‭ ‬بوصفها‭ ‬ضعيفة‭ ‬للغاية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الهجوم‭ ‬الإيراني‭ ‬عبر‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬دفع‭ ‬قطر،‭ ‬والإمارات،‭ ‬والبحرين‭ ‬على‭ ‬إغلاق‭ ‬مجالاتها‭ ‬الجوية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬يدل‭ ‬تعليق‭ ‬كرونيج‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬الهجوم‭ ‬والذي‭ ‬رفض‭ ‬فيه‭ ‬التوقعات‭ ‬بتوجيه‭ ‬إيران‭ ‬ضربات‭ ‬صاروخية‭ ‬رمزية‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬غطرسة‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات‭ ‬والمحللين‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬وقدر‭ ‬استخفافهم‭ ‬لتحمل‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬مغبة‭ ‬قراراتهم‭ ‬ذات‭ ‬الدوافع‭ ‬الأيديولوجية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الخطر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬شركاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فالأمريكيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬ليسوا‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬قرارات‭ ‬ترامب‭.‬

وحذر‭ ‬توماس‭ ‬واريك،‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬في‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬لن‭ ‬ترد،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬احتمال‭ ‬استهدافها‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬أو‭ ‬الأشهر‭ ‬المقبلة‭ ‬قائم‭ ‬وبكل‭ ‬السبل‭ ‬الممكنة‭.‬

وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬استجاب‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬تهديدات‭ ‬وخداع‭ ‬واستهزاء‭ ‬وتناقضات‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬مفاجئة،‭ ‬إذ‭ ‬تعكس‭ ‬الديناميكيات‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬اتبعها‭ ‬خلال‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى،‭ ‬والتي‭ ‬استعادها‭ ‬فور‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬يناير2025‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬سابقة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬رجال‭ ‬دولة‭ ‬بارزين‭ ‬ذوي‭ ‬كفاءة‭ ‬وحكمة،‭ ‬لتولي‭ ‬دفة‭ ‬القيادة‭ ‬وصنع‭ ‬القرار‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬الغربيين‭ ‬والشركاء‭ ‬الإقليميين،‭ ‬رفض‭ ‬ترامب،‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التعاون‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬إسرائيل‭. ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الأحادي‭ ‬إلى‭ ‬جرّ‭ ‬واشنطن،‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬وعنيفة‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬وصعوبة‭ ‬من‭ ‬الانخراط‭ ‬فيها،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬أثبتت‭ ‬تجارب‭ ‬التدخلات‭ ‬العسكرية‭ ‬الغربية‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭.‬

وأثار‭ ‬حسين‭ ‬إيبش،‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬كيف‭ ‬تعي‭ ‬إيران‭ ‬الآن‭ ‬إمكانية‭ ‬تعرضها‭ ‬لهجوم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت؛‭ ‬ما‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬الاستعداد‭ ‬لتلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استهداف‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالمنطقة‭. ‬وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء،‭ ‬قدر‭ ‬ويشلر،‭ ‬أن‭ ‬النتيجة‭ ‬المتوقعة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬بالمستقبل‭ ‬هي‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬واشنطن‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬بتوسيع‭ ‬حملتهم‭ ‬الجوية‭ ‬لاستهداف‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأوسع‭ ‬لإيران‭ ‬وقيادتها‭ ‬السياسية‭ ‬وشبكتها‭ ‬الكهربائية‭ ‬ورموز‭ ‬النظام؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الهش‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ؛‭ ‬نهاية‭ ‬مؤكدة‭ ‬لهذا‭ ‬التصعيد،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬نهج‭ ‬ترامب‭ ‬المتقلب‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا