العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عن فقه التعامل مع المال في الإسلام

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٧ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

صلة‭ ‬الإنسان‭ ‬بالمال‭ ‬لها‭ ‬مراتب‭: ‬حال‭ ‬حياته،‭ ‬وحال‭ ‬وفاته،‭ ‬ففي‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬وكيل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المال،‭ ‬أعطاه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الكسب‭ ‬والإنفاق،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬مشروطة‭ ‬بشرطين‭ ‬أساسيين‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬مشروع،‭ ‬ومن‭ ‬مصدر‭ ‬حلال،‭ ‬وكذلك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬أوجهه‭ ‬المشروعة،‭ ‬قال‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭: ‬مالي‭.. ‬مالي،‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬وهل‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬مالك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬ادم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬أكلت‭ ‬فأفنيت،‭ ‬أو‭ ‬لبست‭ ‬فأبليت،‭ ‬أو‭ ‬تصدقت‭ ‬فأمضيت‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬مسلم‭.‬

وقد‭ ‬يظن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬لجهلهم‭ ‬أنهم‭ ‬يملكون‭ ‬الحرية‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يفعلوا‭ ‬في‭ ‬أموالهم‭ ‬ما‭ ‬يشاؤون‭ ‬دون‭ ‬حسيب،‭ ‬أو‭ ‬رقيب،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يظن‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬لهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يبالغوا‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المال‭ ‬أخذًا‭ ‬وعطاءً،‭ ‬فيخالفوا‭ ‬شرع‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وبهذا‭ ‬الفهم‭ ‬الخاطئ‭ ‬أو‭ ‬المنحرف‭ ‬قد‭ ‬يقعون‭ ‬في‭ ‬الظلم‭ ‬لبعض‭ ‬أبنائهم،‭ ‬فيظلمون‭ ‬بعض‭ ‬أبنائهم،‭ ‬حين‭ ‬يحابون‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الآخرين،‭ ‬فمثلًا‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يفضل‭ ‬الذكور‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬على‭ ‬البنات،‭ ‬فيتمتع‭ ‬زوجات‭ ‬الأبناء،‭ ‬ويحرم‭ ‬البنات‭ ‬بحجة‭ ‬أنهن‭ ‬تحت‭ ‬أزواج‭ ‬أغراب،‭ ‬ونسي‭ ‬هذا‭ ‬وأمثاله‭ ‬أن‭ ‬أبناءهم‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬أصلابهم‭ ‬متزوجون‭ ‬من‭ ‬زوجات‭ ‬أغراب،‭ ‬وهم‭ ‬بهذا‭ ‬يمتعون‭ ‬زوجات‭ ‬أبنائهم‭ ‬ويحرمون‭ ‬بناتهم،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ظلم‭ ‬بَيِّن‭ ‬لا‭ ‬يرضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وسوف‭ ‬يخلق‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬البنات‭ ‬الكراهية‭ ‬والبغضاء،‭ ‬وسوف‭ ‬تتقطع‭ ‬أواصر‭ ‬القربى‭ ‬والمحبة‭. ‬إنها‭ ‬جاهلية‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان‭.‬

إن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬نظم‭ ‬علاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بهذا‭ ‬المال‭ ‬حال‭ ‬حياته،‭ ‬وحال‭ ‬وفاته،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حياته،‭ ‬فله‭ ‬أن‭ ‬يهب‭ ‬أبناءه‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬العطيات،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يساوي‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬العطية،‭ ‬وإذا‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬في‭ ‬أعطياته‭ ‬لبعضهم‭ ‬لعذر‭ ‬ما،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يستشير‭ ‬أبناءه،‭ ‬فإن‭ ‬قبلوا‭ ‬فلا‭ ‬حرج‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬أمَّا‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬فيعود‭ ‬المال‭ ‬إلى‭ ‬صاحب‭ ‬المال‭ (‬الأصيل‭) ‬وهو‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وإن‭ ‬ملكية‭ ‬المال‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬فيه‭ ‬بالعطاء‭ ‬والمنع‭ ‬يعود‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬إليه‭ ‬سبحانه،‭ ‬فهو‭ ‬المالك‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمال،‭ ‬وبموت‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬الوكيل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬حال‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تنتهي‭ ‬إرادة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬المال،‭ ‬ويخضع‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وبذلك‭ ‬يوزع‭ ‬المال‭ ‬بحسب‭ ‬شرع‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬والله‭ ‬سبحانه‭ ‬لا‭ ‬يظلم‭ ‬أحدًا،‭ ‬ورضا‭ ‬العباد‭ ‬بما‭ ‬شرّعه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عبادة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬ويخضع‭ ‬المسلم‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭ ‬وفق‭ ‬عقد‭ ‬الإيمان‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬بين‭ ‬العبد‭ ‬وخالقه‭ ‬سبحانه،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬ظهر‭ ‬ما‭ ‬يعتقده‭ ‬البعض‭ ‬مخالفة‭ ‬في‭ ‬المعاملة‭ ‬بين‭ ‬الذكور‭ ‬والإناث،‭ ‬وحينما‭ ‬يعلم‭ ‬العبد‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬توزيع‭ ‬المال‭ (‬الإرث‭) ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬صاحبه‭ ‬بهذه‭ ‬الكيفية،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬الشريعة،‭ ‬هو‭ ‬العدل‭ ‬المطلق،‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬هو‭ ‬المساواة‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬الناس،‭ ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬عدل‭ ‬مساواة،‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬كل‭ ‬مساواة‭ ‬عدل،‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬العدل‭ ‬مراعاة‭ ‬للفوارق،‭ ‬وصلة‭ ‬الوارث‭ ‬بالمورث،‭ ‬فالعدل‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬قسمة‭ ‬صاحب‭ ‬المال‭ (‬الأصيل‭) ‬هو‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬أمَّا‭ ‬المطالبون‭ ‬بالمساواة‭ ‬بين‭ ‬الذكور‭ ‬والإناث‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أحوالهم،‭ ‬فهو‭ ‬ظلم‭ ‬بَيِّنْ،‭ ‬وفيه‭ ‬خروج‭ ‬عن‭ ‬شريعة‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬أمَّا‭ ‬العدالة‭ ‬ففيها‭ ‬مراعاة‭ ‬للحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬ومن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يتعالى‭ ‬على‭ ‬منهج‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لأن‭ ‬فيه‭ ‬افتئات‭ ‬على‭ ‬شرع‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬واستبداد‭ ‬كل‭ ‬بالرأي،‭ ‬ولقد‭ ‬اتصلت‭ ‬بي‭ ‬إحدى‭ ‬القارئات‭ ‬منذ‭ ‬زمن،‭ ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬أباها‭ ‬غني‭ ‬بالغ‭ ‬الثراء،‭ ‬ولكنه‭ ‬يعطي‭ ‬أبناءه‭ ‬من‭ ‬الذكور‭ ‬ولا‭ ‬يعطيها‭ ‬وأخواتها‭ ‬شيئًا،‭ ‬وحين‭ ‬تسأله‭ ‬بناته‭: ‬لِمَ‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬ويحرم‭ ‬بناته‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المال؟‭ ‬فيحتج‭ ‬بحجة‭ ‬باطلة‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬ماله‭ ‬إلى‭ ‬أزواج‭ ‬بناته،‭ ‬وكانت‭ ‬تقول‭ ‬له‭: ‬كيف‭ ‬تؤثر‭ ‬زوجات‭ ‬أبنائك‭ ‬وتحرم‭ ‬بناتك‭.. ‬أين‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬هذا؟‭!‬

وطلبت‭ ‬مني‭ ‬ان‭ ‬أوجه‭ ‬نصيحة‭ ‬إلى‭ ‬والدها،‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬فعله‭ ‬هذا،‭ ‬وتذكرت‭ ‬قصة‭ ‬أحد‭ ‬الصحابة‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬حين‭ ‬نحل‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬نحلة،‭ ‬وأبت‭ ‬زوجه‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬فسأله‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭): ‬يا‭ ‬بشر‭ ‬ألك‭ ‬ولد‭ ‬سوى‭ ‬هذا؟‭ ‬قال‭: ‬نعم،‭ ‬قال‭: ‬أكلهم‭ ‬وهبت‭ ‬لهم‭ ‬مثل‭ ‬هذا؟‭ ‬قال‭: ‬لا،‭ ‬قال‭: ‬فلا‭ ‬تشهدني‭ ‬إذًا،‭ ‬فإني‭ ‬لا‭ ‬أشهد‭ ‬على‭ ‬جور‭. ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭.‬

إن‭ ‬الإسلام‭ ‬يرفض‭ ‬الظلم‭ ‬وينهى‭ ‬عن‭ ‬الجور،‭ ‬والأولاد‭ ‬من‭ ‬الذكور‭ ‬والإناث‭ ‬أبناء‭ ‬لأبٍ‭ ‬واحد،‭ ‬وعلى‭ ‬الآباء‭ ‬ألا‭ ‬يفاضلوا‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬

أما‭ ‬تصرف‭ ‬الورثة‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬صاحبه،‭ ‬فهو‭ ‬شرع‭ ‬شرعه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وأمرنا‭ ‬باتباعه‭ ‬وعدم‭ ‬الخروج‭ ‬عليه‭ ‬لأن‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الميراث‭ ‬بهذه‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬ذكرها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬قد‭ ‬نعلمها‭ ‬وقد‭ ‬نجهلها،‭ ‬وإن‭ ‬التزامنا‭ ‬بما‭ ‬شرعه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬هي‭ ‬طاعة‭ ‬نتعبد‭ ‬بها،‭ ‬ولو‭ ‬انتظرنا‭ ‬المجهول‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬معلومًا‭ ‬لنفعله‭ ‬لأصبحنا‭ ‬نطيع‭ ‬الحكمة‭ ‬لا‭ ‬الحكيم‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬دين‭ ‬العدل،‭ ‬والقسطاس‭ ‬المستقيم،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬أهواء‭ ‬البشر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا