العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

احترام القانون بالتحايل عليه!

أثبتت‭ ‬تجارب‭ ‬معاصرة‭ ‬أن‭ ‬الأغلبية‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬دائما،‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬هتلر‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬عبر‭ ‬انتخابات‭ ‬عامة،‭ ‬ثم‭ ‬انقاد‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬الألماني‭ ‬خلف‭ ‬سياساته‭ ‬الهوجاء‭ ‬كما‭ ‬قطيع‭ ‬الضأن‭ ‬وجلبوا‭ ‬الخراب‭ ‬والهلاك‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعلى‭ ‬غيرهم،‭ ‬وأمامكم‭ ‬اليوم‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬ذكاء‭ ‬مستر‭ ‬بين،‭ ‬ولكنه‭ ‬فاز‭ ‬بثقة‭ ‬غالبية‭ ‬الناخبين‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تأهب‭ ‬كثيرون‭ ‬لخوض‭ ‬انتخابات‭ ‬نيابية‭ ‬للفوز‭ ‬بمقاعد‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬الانتخابات‭ ‬فإن‭ ‬الفوز‭ ‬يكون‭ ‬دائما‭ ‬حليف‭ ‬المرشح‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬‮«‬المصاري‮»‬،‭ ‬ويقدم‭ ‬الهدايا‭ (‬اسم‭ ‬الدلع‭ ‬للرشوة‭) ‬ويقيم‭ ‬المآدب‭ ‬ليشتري‭ ‬بها‭ ‬ذمم‭ ‬العامة،‭ ‬ويبرم‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬مع‭ ‬الكبار‭ ‬والهوامير‭ ‬ليساندوه‭ ‬نظير‭ ‬التسهيلات‭ ‬التي‭ ‬سيحصلون‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬المقعد‭ ‬البرلماني‭ ‬والحصانة‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬تجعله‭ ‬فوق‭ ‬القانون‭! ‬وطبعا‭ ‬شراء‭ ‬الذمم‭ ‬والأصوات‭ ‬على‭ ‬المكشوف‭ ‬ممنوع‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬قوانين‭ ‬الانتخابات‭ ‬العربية‭!!‬

وفي‭ ‬انتخابات‭ ‬شهدها‭ ‬ذلك‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬التزم‭ ‬مرشح‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬بالقوانين‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬رشوة‭ ‬الناخبين‭ ‬وقرر‭ ‬ان‭ ‬يخوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬بشرف‭ ‬حسب‭ ‬القانون‭ ‬والأصول،‭ ‬فنشر‭ ‬إعلانا‭ ‬عن‭ ‬حاجته‭ ‬الى‭ ‬ألف‭ ‬مندوب‭ ‬إعلامي‭ ‬لإدارة‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أوضح‭ ‬مجددا‭ ‬ان‭ ‬الرجل‭ ‬ليس‭ ‬مرشحا‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية،‭ ‬بل‭ ‬مرشحا‭ ‬لبرلمان‭ ‬عضويته‭ ‬محدودة‭!! ‬على‭ ‬ان‭ ‬يقبض‭ ‬كل‭ ‬مندوب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ (‬وليس‭ ‬دولار‭ ‬زيمبابوي‭) ‬تحت‭ ‬الحساب‭!! ‬فهمت؟‭ ‬يعني‭ ‬هناك‭ ‬بونص‭ ‬أو‭ ‬حافز‭ ‬إضافي‭. ‬ولكن‭ ‬متى؟‭ ‬يقول‭ ‬الإعلان‭ ‬الديمقراطي‭ ‬القانوني‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬المرشح‭ ‬في‭ ‬صحف‭ ‬بلاده،‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬المندوبين‭ ‬الألف‭ ‬سيتقاضى‭ ‬5000‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬إضافية‭ ‬‮«‬في‭ ‬حال‭ ‬نجاح‭ ‬الحملة‭ ‬الإعلامية‮»‬‭!! ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬كلاما‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬بل‭ ‬يقول‭ ‬الإعلان‭ ‬انه‭ ‬سيتم‭ ‬توقيع‭ ‬عقد‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مندوب‭ ‬يقع‭ ‬عليه‭ ‬الاختيار‭!! ‬عاشت‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وعاش‭ ‬قانون‭ ‬حموراي،‭ ‬وعاش‭ ‬المرشح‭!!‬

والآن‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬القراء‭ ‬الكرام‭ ‬لمساعدتي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تأشيرة‭ ‬وتذاكر‭ ‬سفر‭ ‬للتوجه‭ ‬الى‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬لتكوين‭ ‬نفسي‭: ‬لو‭ ‬مرشح‭ ‬واحد‭ ‬يعطيك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬نظير‭ ‬حملة‭ ‬تستغرق‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬شهر،‭ ‬تخيل‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬أكسبها‭ ‬لو‭ ‬وجدت‭ ‬مرشحين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭ ‬صاحب‭ ‬الإعلان‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬مندوب‭ ‬او‭ ‬أكثر؟

وعلى‭ ‬مسؤوليتي،‭ ‬فإن‭ ‬المرشح‭ ‬الذكي‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬ألف‭ ‬مندوب‭ ‬سيدخل‭ ‬البرلمان‭ ‬بالمزيكة،‭ ‬فكل‭ ‬مندوب‭ ‬سيحصل‭ ‬على‭ ‬5000‭ ‬دولار‭ ‬فور‭ ‬توقيع‭ ‬العقد،‭ ‬وقد‭ ‬تقول‭: ‬سأتسلم‭ ‬المبلغ‭ ‬وأفِل،‭ ‬أي‭ ‬اهرب‭ ‬او‭ ‬اعمل‭ ‬معه‭ ‬‮«‬بدون‭ ‬نفس‮»‬‭! ‬لا‭ ‬يا‭ ‬ذكي،‭ ‬فمربط‭ ‬الفرس‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مكافأة‭ ‬نهاية‭ ‬الخدمة‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬الحملة‭ ‬الإعلامية‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬المرشح‭ ‬سقط،‭ ‬حقك‭ ‬في‭ ‬الحافز‭ ‬سقط،‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬مصلحتك‭ ‬ان‭ ‬يفوز‭ ‬هذا‭ ‬المرشح،‭ ‬كي‭ ‬تفوز‭ ‬انت‭ ‬بخمسة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬اضافية،‭ ‬و«أضمن‮»‬‭ ‬طريقة‭ ‬لفوزه‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬يصوت‭ ‬له‭ ‬الألف‭ ‬مندوب‭ ‬فيضمنون‭ ‬بذلك‭ ‬حقوقهم‭ ‬ويضمنون‭ ‬له‭ ‬دخول‭ ‬البرلمان،‭ ‬لأن‭ ‬ألف‭ ‬صوت‭ ‬تكفي‭ ‬وتزيد‭ ‬للفوز‭ ‬بمقعد‭ ‬برلماني‭! ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬المضمون‭ ‬يجتهد‭ ‬المندوب‭ ‬لكسب‭ ‬أصوات‭ ‬كذا‭ ‬شخص‭ ‬ويستحق‭ ‬بذلك‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬مندوب‮»‬‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬واستحقاق‭!!  ‬بس‭ ‬السؤال‭ ‬اللي‭ ‬مجُنني‭ ‬هو‭ ‬انه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لإعطاء‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬المناديب‭ ‬الألف‭ (‬المجموع‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭) ‬فما‭ ‬العائد‭ ‬الذي‭ ‬سيجنيه‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬البرلمان‭ ‬بتلك‭ ‬الكلفة‭ ‬الباهظة؟‭ ‬أدري‭ ‬أنه‭ ‬سؤال‭ ‬عبيط‭!! ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬القارئ‭ ‬عبيطا‭ ‬فعليه‭ ‬ان‭ ‬يتكتك‭ ‬ويرتب‭ ‬أمور‭ ‬نفسه‭ ‬كي‭ ‬يصبح‭ ‬نائبا‭ ‬من‭ ‬نوائب‭ ‬الزمان‭ ‬والبرلمان،‭ ‬لأن‭ ‬شيئا‭ ‬يكلف‭ ‬الدخول‭ ‬فيه‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬به‭ ‬مصنعا‭ ‬لسك‭ ‬النقود‭ ‬وطباعة‭ ‬العملة‭ ‬غير‭ ‬المزيفة‭ ‬يكون‭ ‬تحت‭ ‬تصرف‭ ‬المتمتعين‭ ‬بعضويته‭. ‬وهناك‭ ‬أصدقاء‭ ‬كثر‭ ‬في‭ ‬صفحتي‭ ‬في‭ ‬فيسبوك‭ ‬يطالبونني‭ ‬بالترشح‭ ‬لرئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وإذا‭ ‬كانوا‭ ‬صادقين‭ ‬في‭ ‬مطلبهم‭ ‬ودعوتهم‭ ‬تلك‭ ‬فإنني‭ ‬اتوقع‭ ‬منهم‭ ‬ان‭ ‬يجمعوا‭ ‬لي‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬كي‭ ‬أصرف‭ ‬على‭ ‬المناديب‭. ‬خلوها‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬وأنا‭ ‬راح‭ ‬‮«‬أتصرف‮»‬،‭ ‬وبعد‭ ‬جلوسي‭ ‬في‭ ‬الكرسي‭ ‬سيصبح‭ ‬كل‭ ‬متبرع‭ ‬مندوبا‭ ‬رئاسيا‭ ‬ويا‭ ‬بخت‭ ‬من‭ ‬نفع‭ ‬واستنفع‭ (‬وهي‭ ‬من‭ ‬المقولات‭ ‬البشعة‭ ‬التي‭ ‬نبرر‭ ‬بها‭ ‬الارتشاء‭ ‬والانتهازية‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا