زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
احترام القانون بالتحايل عليه!
أثبتت تجارب معاصرة أن الأغلبية لا تكون على حق دائما، فقد وصل هتلر إلى الحكم عبر انتخابات عامة، ثم انقاد غالبية الشعب الألماني خلف سياساته الهوجاء كما قطيع الضأن وجلبوا الخراب والهلاك على أنفسهم وعلى غيرهم، وأمامكم اليوم دونالد ترامب، وهو رجل في ذكاء مستر بين، ولكنه فاز بثقة غالبية الناخبين.
في إحدى الدول العربية تأهب كثيرون لخوض انتخابات نيابية للفوز بمقاعد في البرلمان، وكما هو معروف في كافة الانتخابات فإن الفوز يكون دائما حليف المرشح الذي يملك «المصاري»، ويقدم الهدايا (اسم الدلع للرشوة) ويقيم المآدب ليشتري بها ذمم العامة، ويبرم الاتفاقيات مع الكبار والهوامير ليساندوه نظير التسهيلات التي سيحصلون عليها بعد حصوله على المقعد البرلماني والحصانة البرلمانية التي تجعله فوق القانون! وطبعا شراء الذمم والأصوات على المكشوف ممنوع حتى في قوانين الانتخابات العربية!!
وفي انتخابات شهدها ذلك بلد عربي قبل أعوام التزم مرشح في الانتخابات البرلمانية بالقوانين التي تمنع رشوة الناخبين وقرر ان يخوض الانتخابات بشرف حسب القانون والأصول، فنشر إعلانا عن حاجته الى ألف مندوب إعلامي لإدارة حملته الانتخابية. لا بد أن أوضح مجددا ان الرجل ليس مرشحا في انتخابات رئاسية، بل مرشحا لبرلمان عضويته محدودة!! على ان يقبض كل مندوب أكثر من خمسة آلاف دولار أمريكي (وليس دولار زيمبابوي) تحت الحساب!! فهمت؟ يعني هناك بونص أو حافز إضافي. ولكن متى؟ يقول الإعلان الديمقراطي القانوني الذي نشره المرشح في صحف بلاده، إن كل واحد من المندوبين الألف سيتقاضى 5000 دولار أمريكي إضافية «في حال نجاح الحملة الإعلامية»!! وهذا ليس كلاما في الهواء بل يقول الإعلان انه سيتم توقيع عقد مع كل مندوب يقع عليه الاختيار!! عاشت الديمقراطية، وعاش قانون حموراي، وعاش المرشح!!
والآن جاء دور القراء الكرام لمساعدتي للحصول على تأشيرة وتذاكر سفر للتوجه الى تلك الدولة لتكوين نفسي: لو مرشح واحد يعطيك أكثر من عشرة آلاف دولار نظير حملة تستغرق اقل من شهر، تخيل عشرات الآلاف الأخرى التي قد أكسبها لو وجدت مرشحين أو ثلاثة من شاكلة صاحب الإعلان بحاجة الى مندوب او أكثر؟
وعلى مسؤوليتي، فإن المرشح الذكي الذي يحتاج الى ألف مندوب سيدخل البرلمان بالمزيكة، فكل مندوب سيحصل على 5000 دولار فور توقيع العقد، وقد تقول: سأتسلم المبلغ وأفِل، أي اهرب او اعمل معه «بدون نفس»! لا يا ذكي، فمربط الفرس هو في مكافأة نهاية الخدمة «بعد نجاح الحملة الإعلامية»، يعني المرشح سقط، حقك في الحافز سقط، إذن من مصلحتك ان يفوز هذا المرشح، كي تفوز انت بخمسة آلاف دولار اضافية، و«أضمن» طريقة لفوزه هي ان يصوت له الألف مندوب فيضمنون بذلك حقوقهم ويضمنون له دخول البرلمان، لأن ألف صوت تكفي وتزيد للفوز بمقعد برلماني! ومن باب اللعب على المضمون يجتهد المندوب لكسب أصوات كذا شخص ويستحق بذلك مسمى «مندوب» عن جدارة واستحقاق!! بس السؤال اللي مجُنني هو انه إذا كان الرجل على استعداد لإعطاء عشرة آلاف دولار لكل واحد من المناديب الألف (المجموع عشرة ملايين دولار) فما العائد الذي سيجنيه من دخول البرلمان بتلك الكلفة الباهظة؟ أدري أنه سؤال عبيط!! وإذا لم يكن القارئ عبيطا فعليه ان يتكتك ويرتب أمور نفسه كي يصبح نائبا من نوائب الزمان والبرلمان، لأن شيئا يكلف الدخول فيه عشرة ملايين دولار لا بد أن به مصنعا لسك النقود وطباعة العملة غير المزيفة يكون تحت تصرف المتمتعين بعضويته. وهناك أصدقاء كثر في صفحتي في فيسبوك يطالبونني بالترشح لرئاسة الجمهورية في السودان وإذا كانوا صادقين في مطلبهم ودعوتهم تلك فإنني اتوقع منهم ان يجمعوا لي عشرة ملايين دولار كي أصرف على المناديب. خلوها عشرة آلاف وأنا راح «أتصرف»، وبعد جلوسي في الكرسي سيصبح كل متبرع مندوبا رئاسيا ويا بخت من نفع واستنفع (وهي من المقولات البشعة التي نبرر بها الارتشاء والانتهازية).
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك